اعتبر الزعيم الألماني المحافظ الفائز في الانتخابات الألمانية، فريدريش ميرتس، الأحد أن أوروبا يجب أن تعزز قدراتها الدفاعية، وسط تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن أوكرانيا وتمويل حلف شمال الأطلسي.
وقال ميرتس “بالنسبة لي، ستكون الأولوية المطلقة هي تعزيز قوة أوروبا في أسرع وقت ممكن حتى نتمكن، خطوة بخطوة، من تحقيق الاستقلال عن الولايات المتحدة” في المسائل الدفاعية.
وأضاف في مناظرة تلفزيونية مع مرشحين آخرين بارزين بعد الانتخابات “بعد تصريحات دونالد ترمب في الأسبوع الماضي، من الواضح أن الأميركيين… غير مبالين إلى حد كبير بمصير أوروبا”. وأشار ميرتس، زعيم تحالف الاتحاد الديموقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي، إلى أنه “لا أوهام لديه على الإطلاق بشأن ما سيأتي من أميركا”.
وتابع “أنا في غاية الفضول لمعرفة ما سيحدث في الفترة بين الآن وموعد انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي في نهاية يونيو (حزيران)”. لكنه شكك في ما “إذا كنا سنظل نتحدث عن حلف شمال الأطلسي في شكله الحالي أو ما إذا كان علينا إنشاء قوة دفاعية أوروبية مستقلة بسرعة أكبر”.
وهنأ رئيس حلف شمال الأطلسي مارك روته في منشور على منصة إكس ميرتس على فوزه في الانتخابات، قائلاً إنه “يتطلع إلى العمل معك في هذه اللحظة الحاسمة من أجل أمننا المشترك”. وأضاف روته “من الضروري أن تزيد أوروبا إنفاقها الدفاعي وستكون قيادتكم أمراً أساسياً”.
كما كرر ميرتس تنديده بـ”التدخلات الأخيرة في الانتخابات الألمانية من جانب إيلون ماسك”. فقد دعم الملياردير الأميركي وحليف ترمب الرئيسي بقوة حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف والمؤيد لموسكو. وقال “إن التدخلات من واشنطن لم تكن أقل دراماتيكية ووقاحة من التدخلات التي شهدناها من موسكو، لذا فنحن تحت ضغط هائل من جانبين”.
تشكيل حكومة “بأسرع وقت ممكن”
أعلن ميرتس بعد فوز حزبه في الانتخابات التشريعية الأحد رغبته في تشكيل حكومة “بأسرع وقت ممكن” لتجاوز أزمات ألمانيا، فيما سجل اليمين المتطرف تقدما تاريخيا.
وقال ميرتس (69 سنة) في برلين بعد الانتصار الذي يرشحه لتولي منصب المستشار بشرط إيجاد حلفاء للحكم، إن “العالم الخارجي لن ينتظرنا، ولن ينتظر مفاوضات ائتلافية مطولة، يتعين علينا أن نصبح جاهزين للعمل بسرعة مجدداً للقيام بما هو ضروري على الصعيد الداخلي، لكي نصبح حاضرين في أوروبا مرة أخرى”.
ويأتي هذا التحول إلى اليمين في لحظة محورية بالنسبة إلى ألمانيا وحلفائها الأوروبيين الذين أصيبوا بالصدمة إزاء الإعلانات الصادرة عن إدارة دونالد ترمب في شأن الحرب في أوكرانيا، والمخاوف من انهيار التحالف عبر الأطلسي، والتهديدات بزيادة الرسوم الجمركية.
وبعد توقع فوزهم منذ أشهر، حصل المحافظون من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحليفهم البافاري حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي على 29 في المئة من الأصوات، وفقاً للتقديرات الأولية.
وجاء حزب البديل من أجل ألمانيا ثانياً بنحو 20 في المئة من الأصوات، وهو ضعف النسبة التي حصدها قبل أربع سنوات، وتمثل نتيجة تاريخية للحزب اليميني المتطرف الذي أسس عام 2013.
وقالت زعيمة الحزب أليس فايدل “ستظل يدنا ممدودة دائماً للمشاركة في الحكومة وتحقيق إرادة الشعب”.
لكن المحافظين يستبعدون أي تحالف مع حزب البديل من أجل ألمانيا على رغم “المغازلة” البرلمانية بينهم في شأن قضايا الهجرة والأمن خلال الحملة الانتخابية.
شولتز يتحمل مسؤولية “الهزيمة المريرة”
من جهته، أعلن المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتز أنه يتحمل مسؤولية “الهزيمة المريرة” بعدما حصل حزبه الاشتراكي الديمقراطي على نحو 16 في المئة من الأصوات.
وهذا التراجع غير مسبوق للحزب الأقدم في ألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وكان الخاسر الآخر في هذه الانتخابات حزب الخضر المشارك في حكومة شولتز والذي حصل على 13 في المئة من الأصوات.
جرت الحملة الانتخابية عقب انهيار الائتلاف الحاكم في نوفمبر (تشرين الثاني)، في مناخ محلي متوتر عقب هجمات دامية عدة نفذها أجانب في الأسابيع الأخيرة وهزت الرأي العام وخدمت اليمين واليمين المتطرف.
في مقر الحزب الاشتراكي الديمقراطي، تشعر هيلكه رايخرسدورفر وهي متقاعدة تبلغ 71 سنة بالقلق في شأن النتيجة التي حققها حزب البديل من أجل ألمانيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تخوف من التحول نحو اليمين
وتقول المعلمة السابقة في تصريح “أنا خائفة للغاية من هذا التحول نحو اليمين”، وتخشى أن تسير الأمور “على شاكلة ما جرى في دول أوروبية أخرى أو في الولايات المتحدة”.
وكانت الحملة الانتخابية قصيرة ومكثفة ومليئة بالأحداث، واتسمت بتراجع التحالف بين الولايات المتحدة والأحزاب الوسطية في ألمانيا، حليف واشنطن التاريخي.
وحظي حزب البديل من أجل ألمانيا بدعم قوي منذ أسابيع من أوساط دونالد ترمب: فقد قام مستشاره إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، بالترويج لأليس فايدل باستمرار على منصته إكس.
واعتبر الرئيس الأميركي بعد إعلان توقعات النتائج إنه “يوم عظيم لألمانيا والولايات المتحدة الأميركية”، مضيفاً في منشور على منصته تروث سوشيال “كما هي الحال في الولايات المتحدة، سئم الشعب الألماني من الأجندة غير المنطقية، خصوصاً في ما يتعلق بالطاقة والهجرة”.
وفي بانكوف شمال برلين، تجمع نحو 200 من أنصار الحزب اليميني المتطرف لحضور حفلة شي، ورددوا هتافات الفرح عند إعلان النتيجة التي حققها حزبهم، وفق صحافية من وكالة الصحافة الفرنسية.
المواطنون يريدون تغييراً في السياسة
وقال أرن ماير، وهو موظف حكومي يبلغ 33 سنة من برلين، “هذا يظهر أن المواطنين يريدون تغييراً في السياسة”. ويضيف أن “حزب البديل من أجل ألمانيا لديه قيم مختلفة، قيم الحرية التي أجدها جذابة للغاية”.
نظمت الانتخابات التشريعية المبكرة عشية الذكرى الثالثة للغزو الروسي لأوكرانيا والذي خلف صدمة في ألمانيا. وأدى النزاع إلى قطع إمدادات الغاز الروسي الرخيص، ما أسهم في ركود الاقتصاد، كما استقبلت ألمانيا أكثر من مليون لاجئ أوكراني.
كما يثير احتمال التوصل إلى سلام “خلف ظهور” كييف والأوروبيين قلقاً كبيراً. وفي هذا السياق، يتطلع الشركاء الأوروبيون بشدة إلى الإسراع في تشكيل حكومة في ألمانيا.
مد اليد إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي
وقد لمح فريدريش ميرتس إلى أنه يفضل مد اليد إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
وهذا التحالف المحتمل الذي يطلق عليه “الائتلاف الكبير” بين الحزبين اللذين هيمنا على المشهد السياسي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، هو الخيار المفضل لدى الألمان بعد مرحلة اضطرابات متواصلة داخل الائتلاف الحكومي الثلاثي بين الاشتراكيين والخضر وليبراليي الحزب الديمقراطي الحر.
وقال ميرتس في هذا الصدد إنه يريد تجنب تشكيل ائتلاف ثلاثي. لكن رغم فوزه الانتخابي، فإن تشكيل حكومته “لا يزال يعتمد على الأحزاب الصغيرة، هذه هي الظروف الصعبة لبدء تشكيل حكومة ألمانية جديدة تواجه مهام شاقة على مستوى السياستين الداخلية والخارجية”، كما أكدت كورنيليا وول، مديرة مدرسة هيرتي في برلين.
ويأمل الحزب الديمقراطي الحر تخطي عتبة الـ5 في المئة من الأصوات اللازمة لدخول البرلمان، تماماً مثل تحالف سارة فاغنكنشت، وهو حزب يساري محافظ جديد يدعو إلى وقف تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا. أما “حزب اليسار” الراديكالي فتأكدت الحيوية الانتخابية التي عكستها استطلاعات الرأي في الأسابيع الأخيرة بحصده 9 في المئة من الأصوات.
نقلاً عن : اندبندنت عربية