تسبب دونالد ترمب بزعزعة العلاقات الدبلوماسية في أميركا الشمالية خلال عطلة نهاية الأسبوع عقب تهديد أطلقه باستعادة السيطرة على قناة بنما، بعد عقدين ونصف العقد من قيام الولايات المتحدة بنقل السيطرة على القناة الحيوية بطريق التجارة العالمي إلى بنما.
ففي سلسلة من المنشورات على موقع التواصل الاجتماعي “تروث سوشيال” Truth Social، اتهم الرئيس المنتخب جمهورية بنما بـ”نهب” الولايات المتحدة.
وكتب ترمب على المنصة “لقد عوملت قواتنا البحرية وسفننا التجارية بطريقة غير عادلة وغير حكيمة. والرسوم التي تفرضها بنما غير منطقية، خصوصاً مع الأخذ بعين الاعتبار الكرم الاستثنائي الذي منحته الولايات المتحدة لبنما”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسرعان ما جاء الرد الرسمي على التهديدات، إذ قال الرئيس خوسيه راؤول مولينو في بيان يوم الأحد الماضي إن “كل متر مربع من قناة بنما والمنطقة المتاخمة لها هو ملك لبنما، وسيبقى كذلك”.
والخلاف في شأن القناة هو أحدث فصول دراما ترمب في بنما. فقبل فترة ولايته الرئاسية الأولى في البيت الأبيض وخلالها، كان مشروع فندق ترمب الشهير في بنما مصدراً لا ينضب للفضائح والمشكلات المالية، والتي تنوعت بين إفلاس أحد شركائه ومزاعم غسل الأموال والنزاعات القانونية طويلة الأمد.
وخلال عام 2011 افتتح ترمب وشركاؤه التجاريون فندق وبرج ترمب أوشن كلوب إنترناشيونال Trump Ocean Club International Hotel and Tower، وهو عبارة عن ناطحة سحاب على صورة شراع مكونة من 70 طابقاً تلقي بظلالها فوق العاصمة بنما وعلى شركة ترمب نفسها.
وكان البرج الذي طُرحت فكرته للمرة الأولى عام 2005 أول مشروع فندقي دولي لترمب وأحد أكثر المباني ارتفاعاً في أميركا اللاتينية.
لكن مساهمة ترمب لم تكن عبر تمويل بناء البرج، بل من خلال استخادم اسم ترمب للتسويق التجاري للبرج، إضافة إلى أن شركات تابعة لمؤسسة ترمب كانت تدير العقار الذي يحوي كازينو وغرفاً فندقية وشققاً سكنية.
وبدا مصير المشروع الفشل منذ البداية، إذ تخلف أحد شركاء ترمب عن سداد الديون بعد فترة وجيزة من افتتاح البرج ثم تقدم لاحقاً بطلب إشهار الإفلاس.
لتتم لاحقاً إدانة رئيس بنما خلال فترة افتتاح البرج ريكاردو مارتينيلي بتهمة غسل الأموال، مما جعله يلجأ إلى سفارة نيكاراغوا لدى بنما.
وزعمت التحقيقات الإخبارية اللاحقة أن أحد السماسرة الرئيسين الذين باعوا وحدات في البرج وهو ألكسندر فينتورا نوغويرا التقى مرات عدة إيفانكا ترمب أثناء العمل في المشروع، وكذلك قام بعمليات تجارية مع شخصيات مرتبطة بالجريمة المنظمة والتي بدورها استخدمت العقارات لغسل الأموال، مما أكسب البرج لقب “ناركو ألاغو” وهو نوع من اللعب بالكلمات على وزن اسم عقار ترمب الشهير “مارالاغو” في فلوريدا.
وقالت شركة ترمب بعد مزاعم غسل الأموال “لم تكن الشركة مالكة أو مطورة أو بائعة لمشروع ترمب أوشن كلوب بنما. نظراً إلى دورها المحدود، لم تكن الشركة مسؤولة عن تمويل المشروع ولم يكن لها أي دور في بيع الوحدات أو [توظيف] أي سماسرة عقارات”. وصرحت الشركة لوكالة “رويترز” بأنه “لم تكن لها أية علاقة تعاقدية أو تعاملات كبيرة” مع نوغويرا.
هرب نوغويرا من بنما بعدما دفع كفالة أثناء انتظار المحاكمة بتهم احتيال أخرى، وتحدث إلى الصحافيين كهارب من العدالة متنكر في أوروبا.
وفي إحدى المراحل عندما اعترض أصحاب الشقق في مبنى أوشن كلوب على ممارسات إدارة فريق ترمب وسعوا إلى طرد الشركة، متهمين إياها بالإفراط في الإنفاق والحصول على علاوات مبالغة، رد ترمب برفع دعوى قضائية مطالباً بمبلغ 75 مليون دولار كتعويض عن الإنهاء غير المشروع للعمل.
وقد سُويت الدعوى عام 2016، العام نفسه الذي انتخب فيه ترمب رئيساً للولايات المتحدة، لكن الدراما المرتبطة بالبرج لم تنته هناك.
وقالت المتحدثة باسم فريق ترمب وفانس الانتقالي كارولين ليفات في بيان لصحيفة “اندبندنت”، “أبعد الرئيس ترمب نفسه من إمبراطوريته العقارية التي تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات للترشح لمنصب الرئيس وتنازل عن راتبه الحكومي، ليصبح أول رئيس يخسر من إجمال ثروته أثناء خدمته في البيت الأبيض”. وأضافت المتحدثة في البيان “على عكس معظم السياسيين لم يدخل الرئيس ترمب السياسة من أجل الربح، إنه يقاتل لأنه يحب شعب هذا البلد ويريد أن يجعل أميركا عظيمة مرة أخرى”.
وخلال عام 2017 اشترى رجل الأعمال أوريستس فينتيكليس مئات الوحدات داخل جزء من الفندق والشقق السكنية من المبنى مقابل مبلغ يراوح ما بين 20 مليون دولار و25 مليون دولار من أحد مطوري البرج المفلسين، مما جعل فينتيكليس المالك المسيطر على المبنى يقوم بعدها بالمساعدة بقيادة دعوات أصحاب الوحدات في المبنى لقطع علاقتهم بشركات ترمب التي تدير العقار.
ومن جهتها اتهمت شركة ترمب فينتيكليس بانتهاك الشروط الأصلية لصفقات الاستحواذ على الوحدات، قائلة إنه وافق على عدم التدخل في إدارة فريق ترمب للفندق.
وبحلول العام التالي سعى فينتيكليس إلى تولي ما زعم أنه ملكية غالبية البرج، مما أدى إلى اندلاع أزمات بين موظفيه والموظفين المتبقين من شركة ترمب. وفي إحدى الحوادث قيل إن فريق ترمب منع المالكين الجدد من دخول غرفة بها خوادم كمبيوتر وشاشات مراقبة، مما دفع مجموعة المالكين إلى قطع التيار الكهربائي عن الغرفة.
واتهم فينتيكليس شركات ترمب بتمزيق وثائق وبناء جدران لمنع المالكين الجدد من دخول مناطق معينة، بينما اتهمت شركة ترمب مجموعة فينتيكليس بـ”[اعتماد] تكتيكات تشبه تكتيكات العصابات”.
وفي دعوى قضائية رفعت عام 2018 داخل محكمة فيدرالية في نيويورك وعُدلت مرات عدة منذ ذلك الوقت، اتهم فينتيكليس وشركته “إيثاكا كابيتال بارتنرز” شركات ترمب التي تدير برج بنما بـ”التهرب الضريبي المتعمد” في ما يتعلق بدورها في الإشراف على المبنى. وزعمت الدعوى أن المالكين الجدد تحملوا دفع ملايين الدولارات عندما كشف عن العجز بعد تدقيق مزعوم عام 2018.
وضمت الوثائق القضائية اللاحقة اتهامات لمديري ترمب بخفض رواتب الموظفين [على الورق] لتقليل قيمة ضريبة الضمان الاجتماعي المحتملة وتصوير الشؤون المالية للمبنى بـ”صورة كاذبة” قبل قيام فينتيكليس بشراء الوحدات، وهو ما نفته الشركة ووصفته بأنه “زائف تماماً”.
وقالت شركة ترمب لصحيفة “نيويورك تايمز” عام 2019 إن الضرائب مسؤولية المالكين الجدد، مضيفة أنها “لم تتهرب من أية ضرائب”.
واتهمت الشكاوى المقدمة شركات ترمب بسوء إدارة البرج وتركه في حال سيئة، إذ كانت أجنحة ناطحة السحاب “فارغة تقريباً”.
وفي ذلك الوقت قالت شركة ترمب إن النزاع “لا علاقة له برئيس الولايات المتحدة”.
وفي النهاية حكمت محكمة داخل بنما لمصلحة فينتيكليس في النزاع حول الملكية، وأزيل اسم ترمب من اللافتة خارج البرج في العاصمة بنما عام 2018.
ووفقاً لسجلات المحكمة الفيدرالية التي اطلعت عليها “اندبندنت” يبدو أن شركة “إيثاكا” Ithaca أسقطت دعواها ضد شركات ترمب عام 2021.
تواصلت “اندبندنت” مع “إيثاكا” وشركة ترمب للتعليق.
الآن أصبح البرج فندقاً تابعاً لمجموعة “جي دبليو ماريوت”، لكن اسم ترمب بالتأكيد لن يغيب عن عناوين الأخبار في بنما خلال المستقبل القريب.
نقلاً عن : اندبندنت عربية