تمضي صناعة النفط في ليبيا في عام 2025 بفرص واعدة من دون أن تغيب عن المشهد التهديدات القائمة في البلد المستعر بنيران الخلافات السياسية والممزق بين حكومتين في شرق البلاد وغربها، وما تجاوز إنتاج البلاد من الخام في عام 2024 المستهدف بفارق يتجاوز 17 ألف برميل إلا شاهد على تعافي القطاع.

تؤشر بيانات رسمية صادرة عن المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي إلى اختتام عام 2024 بإنتاج بلغ 1.417 مليون برميل من النفط الخام، و1.469 مليون برميل بضم المكثفات، فيما بلغت مبيعات البلاد من النفط وإتاواته في العام الماضي نحو 90 مليار دينار (18.16 مليار دولار)، على رغم تراجع هذه الإيرادات عن المسجل في عام 2023 بنحو 6.4 مليار دولار، بسبب تراجع إنتاج النفط نتيجة الإغلاقات، وانخفاض متوسط أسعار النفط، وزيادة قيمة توريدات المحروقات من الخارج.

حصار الحقول النفطية 

وعلى رغم المنجز في العام الماضي من أوجه التقدم الملموس في إنتاج القطاع بعد أشهر من الحصار المفروض على الحقول النفطية لأسباب تتعلق بالخلاف السياسي في البلاد، إلا أن اشتباكات الزاوية (غرب طرابلس) قبيل انقضاء عام 2024 بأيام وما تبعها من إعلان الحالة القاهرة عقب إصابة مصفاة التكرير الأكبر في البلاد برصاص المشتبكين، عاودت التذكير بما يعانيه القطاع النفطي من أوجاع السياسة.

في المقابل تبدو آفاق النمو في صناعة النفط مواتية لانتعاش القطاع الرئيس في الاقتصاد الليبي، إذ تستعد مؤسسة النفط لإطلاق جولة تراخيص في 22 منطقة خلال الربع الأول من عام 2025 لجذب استثمارات جديدة في المنبع في مناطق الاستكشاف البرية والبحرية، مستهدفة الوصول بالإنتاج إلى مستوى مليوني برميل يومياً، مع عودة كبريات الشركات النفطية العالمية لاستئناف النشاط الاستكشافي من جديد، في مقدمها “إيني الإيطالية” و”ريبسول الإسبانية” و”بي بي البريطانية” و”سوناطراك الجزائرية” بعد توقف دام 10 سنوات.

عودة الشركات النفطية 

انضمت شركة “ريبسول الإسبانية” إلى مجموعة متنامية من منتجي النفط الدوليين الذين يعودون لليبيا بعد انقطاع دام 10 سنوات، إذ بدأت في حفر أول بئر استكشافية منذ تلقي الضمانات الأمنية من الجيش الوطني الليبي والمؤسسة الوطنية للنفط الليبية التي أعلنت قبل عام.

في الـ31 من ديسمبر (كانون الأول) 2024، بدأت شركة “ريبسول” حفر بئر الاستكشاف A1-2/130 في جنوب غربي البلاد، على بعد 12 كيلومتراً من حقل الشرارة النفطي، أكبر حقول النفط في ليبيا، ومن المقرر حفر البئر على عمق 1844 متراً (6050 قدماً)، وهي واحدة من ست آبار في مناطق ترخيص NC115 وNC186 تابعة لشركة “ريبسول” في حوض مرزق الجنوبي الغربي.

وفي نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2024، بدأت شركتا “إيني” و”بي بي” أنشطة الاستكشاف في المنطقة (ب) من حوض غدامس شمال غربي ليبيا، إذ بدأت أعمال الحفر الاستكشافي في البئر A1-96/3 بموجب اتفاق التعاقد من النوع الرابع الموقع في عام 2007.

صراعات الساسة في ليبيا

وعلى رغم امتلاك ليبيا أكبر احتياطات النفط في القارة الأفريقية، بما تقدره إدارة معلومات الطاقة الأميركية بنحو 48 مليار برميل، إلا أن الإنتاج عرف طريقه إلى التقلب بشدة على مدى سنوات مع غياب الاستقرار السياسي في البلاد، ووفقاً لتقدير إدارة معلومات الطاقة الأميركية فإن هدف مؤسسة النفط بالوصول إلى مليون برميل من الخام في 2025 مرهون بتجنيب القطاع صراعات الساسة في ليبيا.

المحلل الليبي في شؤون النفط محمد الشحاتي قال لـ”اندبندنت عربية” إن الوصول بإنتاج النفط في بلاده إلى 1.4 مليون برميل بنهاية 2024 أمر محمود استلزم كثيراً من الجهد من جانب القائمين على الصناعة، على رغم وجود تحديات من قبيل تأخر الاستثمارات في القطاع، الذي قد ينعكس بدوره على تباطؤ نمو الإنتاج في الأعوام المقبلة، ويهدد المستهدفات المرجوة وفق الخطط.

ويضيف الشحاتي أن هناك صعوبات تواجه الصناعة النفطية بصورة عامة في 2025 من قبيل تراجع أسعار النفط صوب متوسط 72 دولاراً للبرميل، وعدم وجود تسييل للأموال هذا العام، معرباً عن تمنياته بوصول الإنتاج إلى مستوى 1.6 مليون برميل في المتوسط بنهاية 2025.

أعلى معدل نمو 

وفي حديثه لـ”اندبندنت عربية” يقول الممثل لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية في ليبيا أسامة منصور إن صندوق النقد الدولي توقع صعود نمو الاقتصاد الليبي في عام 2025 إلى مستوى 13.7 في المئة، وهو ما يمثل أعلى معدل نمو متوقع بين الدول العربية، مدفوعاً بصورة رئيسة بانتعاش قطاع النفط.

ويشير منصور إلى أن بلاده تمتلك أكبر احتياطات نفطية في القارة الأفريقية، إلى جانب احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي، مما يجعلها اللاعب المحوري في سوق الطاقة العالمية، على رغم ما يمثله ذلك من تحديات كبيرة للغاية، أولها الاعتماد الكامل للاقتصاد على النفط بنحو 95 في المئة من إجمال الصادرات النفطية و60 في المئة من الناتج القومي المحلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرهن المتخصص الاقتصادي الليبي تعافي الصناعة النفطية في بلاده خصوصاً بهدوء الأوضاع على الصعيد السياسي، والتقدم المحرز بين الفرقاء السياسيين في ليبيا برعاية الأمم المتحدة، وهو ما من شأنه أن يكون له انعكاس إيجابي على مواصلة استئناف النشاط الإنتاجي للنفط من دون أي عراقيل.

في السياق ذاته يذهب المحلل البارز في “فيريسك مابلكروفت” هاميش كينير إلى وجهة نظر مفادها بأن عام 2025 يقدم آفاقاً متباينة لقطاع النفط والغاز في ليبيا، فمن ناحية يصل إنتاج ليبيا إلى مستويات قياسية وتستأنف شركات النفط العالمية أعمال الاستكشاف، ويشهد القطاع أقوى أداء له منذ حرب 2011، لكن على صعيد آخر تظهر أزمة مصرف ليبيا المركزي الأخيرة وإغلاق النفط والغاز كيف يمكن للصراع السياسي المستعصي في البلاد أن يؤدي إلى اضطرابات مفاجئة.

تهديدات قائمة 

ويضيف كينير في مذكرة بحثية أن “من العادل القول إن آفاق ليبيا تتحسن، مع انخفاض التصعيد في الأعمال العدائية مما يمهد الطريق أمام إنتاج أكثر موثوقية للنفط والغاز، لكن التهديد بإغلاق المواقع النفطية لا يزال قائماً، فمن الواضح أن عمليات الإغلاق ستستمر لأغراض سياسية”.

وبينما تنشد ليبيا اليوم التئام مؤسساتها من جديد على غرار التجربة الأكبر في توحيد مصرفها المركزي بشقيه بعد انقسام سنوات، تبدو تفاهمات السلطتين الحاكمتين في شرق البلاد وغربها حول مؤسسة النفط أقرب إلى الانكسار، مع مطالبة رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح قبل أيام بنقل مقر المؤسسة من طرابلس إلى مدينة بنغازي.

يتفق المحللون على أن الصناعة النفطية في ليبيا تمضي على حبل رفيع مشدود، وسط حقل من الألغام السياسية التي هي بحاجة إلى مبادرة لانتزاعها، بما يضمن من مضي القطاع في مواصلة نشاطه وخططه المستهدفة من دون أي عراقيل أو عثرات خلال عام 2025.

نقلاً عن : اندبندنت عربية