في صباح الأحد، عند الساعة السابعة، كان مطار “غاتويك” يعج بمشجعي مانشستر يونايتد وتوتنهام هوتسبير، قبل ثلاثة أيام فقط من نهائي الدوري الأوروبي في مدينة بيلباو الإسبانية. لم يكن اختيار هذا التوقيت مبنيًا على الراحة، بل لأن الرحلات المبكرة إلى هناك أقل تكلفة بأكثر من ألف جنيه استرليني (حوالي 1336 دولارًا).

لكنّ المعاناة لم تتوقف عند هذا الحد، فعدد من المشجعين اختاروا طرقًا طويلة ومعقدة، من بينها السفر عبر مالاغا ثم مراكش، أو استقلال عبارة بحرية تستغرق 35 ساعة من بورتسموث، وذلك بحثًا عن بدائل نظراً لنقص أماكن الإقامة التي جعلت حتى النزل البسيطة تُؤجر بأسعار مرتفعة تصل إلى 550 جنيهًا استرلينيًا (735 دولارًا).

وقال آدم ناثان، مشجع توتنهام، إنه اضطر لإنفاق مبلغ يعادل ثمن تذكرة موسم كامل من أجل حضور المباراة، بينما عبّر دايل أودونيل، مشجع مانشستر يونايتد، عن صعوبة التخطيط للسفر بسبب ارتفاع أسعار الرحلات المباشرة ونقص الإقامة، مضيفًا أنهم اختاروا الطيران إلى بوردو، ومن ثم المغادرة في الساعات الأولى بعد المباراة.

مدينة بيلباو، رغم جمالها وبنيتها التحتية الكروية الرائعة، تواجه تحديًا كبيرًا في استيعاب 80 ألف مشجع، وهو ما يقارب ربع سكانها، ما يضع ضغطًا هائلًا على المدينة ويقلل من جاذبيتها. ولعل ما يميز هذه الحالة هو أن أسعار السفر والإقامة ارتفعت بشكل غير معتاد، خاصة في وجهة تقع في شمال إسبانيا، وهو ما يُعد أمرًا غريبًا بالنسبة للخبراء والمشجعين.

بارني شيلتون من مجلة “ريد نيوز” الخاصة بمشجعي يونايتد وصف الوضع بأنه “استغلال واضح”، معربًا عن أمله في أن يتحرك الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لاتخاذ إجراءات، خاصة وأن الوقت أصبح ضيقًا، والكثير من المشجعين يُستنزفون ماليًا لمجرد رؤيتهم فرقهم في نهائي نادر.

يطرح هذا الوضع سؤالًا مهمًا: لماذا لا تُقام النهائيات الكبرى في مدن تمتلك بنية تحتية كافية لاستيعاب الحشود الكبيرة؟ وهل يعقل أن يتحمل المشجعون تبعات قرارات تُتخذ على مستويات إدارية عليا بعيدًا عنهم؟ هذا الأمر يثير جدلاً حول شفافية اختيار المدن المستضيفة.

من جانب “يويفا”، هناك رغبة واضحة في توزيع الأحداث الكبرى على مختلف أنحاء أوروبا، مع التأكيد على أهمية البعد القاري الأوسع، رغم أن النقد يتركز غالبًا على الأندية الإنجليزية بسبب حجم جماهيرها التي تسافر بشكل كثيف للنهائيات. وهذا يفرض على الاتحاد الأوروبي موازنة دقيقة بين نواياه في التوزيع والاعتبارات الأمنية واللوجستية، فضلاً عن الحفاظ على ولاء الجماهير.

ويعلق ناثان بقوله: “كرة القدم تطلب الكثير من المشجعين لصنع الأجواء، لكنها لا تبدو مهتمة بهم كثيرًا”.

لم تكن هذه المشاكل جديدة؛ ففي العام الماضي، أثار الاتحاد الأوروبي قلقًا كبيرًا بسبب توقع تدفق 200 ألف مشجع ليفربول إلى دبلن، مما شكل ضغطًا كبيرًا على المدينة. وأيضًا، لم تكن بيلباو لتواجه مشاكل لو كان النهائي بين فرق أقل جماهيرية، حيث يؤكد الاتحاد الأوروبي أن استضافة النهائيات تتطلب استعدادات طويلة ومعقدة، مع وجود عوامل سياسية تؤثر في اختيار المدن.

حاليًا، تتوفر سبع مدن أوروبية فقط لاستضافة نهائيات دوري الأبطال، بسبب حجم الحدث ومتطلباته العالية. وتأتي بيلباو في سياق تسوية تعود إلى عام 2021، عقب سحب استضافتها لبطولة “يورو 2020” بسبب جائحة كورونا.

عملية اختيار المدن لم تخضع لتصويت علني منذ 2018، وغالبًا ما تتأثر بالسياسة والمصالح الخاصة، وهو ما أثار انتقادات عدة حول نقص الشفافية والمحاباة في هذه القرارات. فعلى سبيل المثال، “ويمبلي” يحقق أعلى إيرادات ولكنه قد لا يستضيف النهائيات بسبب اعتبارات سياسية، بينما تُمنح مدن أخرى فرصًا تشجع على الاستثمار المحلي.

هذا كله يجعل من الصعب على الاتحاد الأوروبي نقل النهائيات في اللحظة الأخيرة، رغم الحالات الاستثنائية التي شهدناها أثناء جائحة كورونا أو بسبب أحداث سياسية كالغزو الروسي لأوكرانيا. ومع ذلك، فإن كلفة المشجعين لا تُعتبر ظرفًا استثنائيًا، مما يثير استياء الجماهير التي تتحمل أعباء مالية كبيرة.

يرى بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي أن الأندية يمكنها استئجار طائرات خاصة لتسهيل التنقل، كما حصل في نهائي 2019 في باكو، الذي أثار جدلاً واسعًا بسبب صعوبات الوصول.

لكن مع ذلك، يعترف الاتحاد الأوروبي بأن عليه أن يصبح أكثر فعالية، خصوصًا في ظل تزايد قوة الدوري الإنجليزي الممتاز وزيادة حجم الجماهير المسافرة.

في النهاية، رغم المخاوف، يأمل الجميع أن تسير الأمور بسلاسة في بيلباو، المدينة التي تستحق التنظيم الجيد، ولكن الأهم هو أن يحظى المشجعون، الذين أنفقوا الكثير، بتجربة مريحة تستحق تعبهم.