تتصاعد المخاوف في مالي من مستقبل نهر النيجر الذي يشهد حالاً من الاستنزاف بسبب الصيد المفرط والجائر، وأيضاً بسبب تأثره بالتغيرات المناخية، في وقت تنشغل فيه السلطات المالية بالفوضى الأمنية والسياسية.

ويمتد طول نهر النيجر على نحو 4200 كيلومتر، وهو ينبع من غينيا ويمر بمالي والدولة المسمى باسمه ليتم مساره في نيجيريا، ويعد النهر الرئيس في منطقة غرب أفريقيا.

وفي الشطر المالي باتت هناك تقاليد على مستوى الصيد، إذ يسارع الصيادون مع نهاية الفيضانات في كل عام إلى صيد الأسماك التي تتجمع هناك، ويوفر نهر النيجر نحو 80 في المئة من الاستهلاك المحلي للأسماك في دولة مالي.

وقد تسببت سنوات من الجفاف الحاد في انخفاض كبير في مستوى مياه النهر، وهو أمر يزيد متاعب السكان المحليين الذين يلجأون إلى النهر لتوفير قوتهم اليومي.

 

استغلال مفرط

وأطلق كثيرون على نهر النيجر صفة رئة مالي الاقتصادية بالنظر إلى الميزات والإمكانات التي يتيحها لباماكو (عاصمة مالي)، إذ يشكل بيئة ملائمة للسكان الذين يستثمرون هناك سواء في مجال الزراعة أم الصيد، وأيضاً للحيوانات التي تتعايش في تلك المنطقة.

وفي هذه المنطقة يكون التركيز زراعياً على القطن والبصل والطماطم والبنجر وغيرها، وهي نباتات تنمو فيها باعتبار الموارد المائية متاحة.

وفي السياق قال الخبير البيئي المالي إدريس تانيدغور إن “نهر النيجر فعلاً وفر فرصاً ضخمة لمالي والدول التي يمر بها، لكنه في السنوات الأخيرة بات يعاني استنزافاً مستمراً قد يقود إلى انهياره لا سيما في ظل غياب مقاربات واضحة من السلطة لإنقاذه”، وأوضح تانيدغور أن “هناك حرفاً ومهناً في مالي ابتكرت وطورت أصلاً بفضل مياه النهر، على سبيل المثال غسل الملابس إذ لجأ كثيرون من الماليون من الفئات الهشة إلى غسل ملابس عملائهم، إذ ينهضون باكراً ويتوافدون على النهر للقيام بهذه المهمة”. وشدد على أنه “مع مرور الوقت أصبح هناك استنزاف كبير لمياه النهر بخاصة على مستوى صيد الأسماك وغسل الملابس والزراعات التي توفر إنتاجاً وطنياً مهماً، وأعتقد أن على الحكومة الاستعانة بالخبراء الماليين والدوليين لوضع سياسات تنقذ النهر من وضعه الكارثي”.

تنوع كبير

والاستنزاف لا يشمل الأسماك وحسب، بحسب تقارير محلية ودولية، إذ إن الرمال والطين والحصى المحيطة بحوض النيجر باتت عرضة هي الأخرى لاستغلال مفرط.

وكشف المعهد الفرنسي لبحوث التنمية في وقت سابق عن أن نحو 15 ألفاً يعملون في مجال استخراج الرمال والطين في حوض نهر النيجر، وهي مواد تستخدم في التوسع العمراني وأشغال البناء في مدن مالي على غرار العاصمة باماكو، وحذرت دراسة للمعهد من أن عمليات التجريف هذه تقود إلى انحسار الأراضي الصالحة للزراعة، وأيضاً تراجع كميات الأسماك التي كانت تشكل مورد رزق لآلاف الصيادين.

وفي وقت سابق أطلقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “يونيسكو” مشاريع ضخمة من أجل إنقاذ نهر النيجر، مشيدة بموقعه الاستراتيجي الذي يوفر تعايشاً منقطع النظير بين الإنسان والطبيعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هوية مالي

وعلى رغم أنه يوفر امتيازات للسكان والحكومة على حد سواء، إلا أن السلطات في مالي لم تضع بعد مقاربات أو سياسات لإنقاذ النهر مما يضع مستقبله على المحك.

ويقدر الصيد السنوي من الأسماك في نهر النيجر بنحو 130 ألف طن، بحسب ما كشفت عنه السلطات.

وتشهد مالي والنيجر وبوركينا فاسو تغييرات سياسية مهمة في خضم انقلابات عسكرية أدت إلى إسقاط عدد من الأنظمة، وانشغلت السلطات الجديدة الانتقالية في مالي بالأزمات الأمنية والسياسية الحادة، وهمشت قضايا المناخ ونهر النيجر بصورة كبيرة.

وقال الباحث السياسي المالي والخبير في شؤون الساحل الأفريقي أبو بكر الأنصاري إن “نهر النيجر يعتبر جزءاً أساساً من هوية دولة مالي ومن تاريخها، وفي ستينيات القرن الماضي قامت دولة مالي بتغيير مجرى النهر لتعطش مناطق الشمال وتروى في المقابل مناطق الجنوب”.

جفاف كبير

أضاف الأنصاري أن “هذه الإجراءات تسببت في جفاف كبير في المناطق الشمالية حالياً مع استنزاف الثروة السمكية”، ولفت إلى أنه فعلاً “يمكن وصف نهر النيجر بأنه رئة مالي التي قد يتأثر اقتصادها سلباً بسبب هذا الاستنزاف، لأن مالي دولة داخلية وليست لها واجهة بحرية، وهذا النهر يربطها مع دول عدة منها دولة النيجر التي سمي باسمها”.

وفي ظل غياب سياسات رسمية واضحة في مالي لتأطير عمليات استغلال نهر النيجر فإن مستقبل هذا النهر سيبقى يلفه الغموض، خصوصاً مع تصاعد التحذيرات من الاستغلال المفرط لثرواته.

نقلاً عن : اندبندنت عربية