قالت الدكتورة نورا عبدالفضيل، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن الله عز وجل على البشرِ بنعمٍ لا تُعدُّ ولا تُحصى، كما قال تعالى: ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم: ٣٤].
أوضحت عضو الأزهر للفتوى، أنه مِن أعظمِ هذه النِّعَم: نعمةُ الأولادِ والذرِّيَّةِ الصالحة، فهم زينةُ الحياةِ الدنيا، ومددٌ للآباء بالحسناتِ والأعمالِ الصالحاتِ، إذا صَلُحت تربيتُهم، ومن هنا، فإنَّ مسؤوليَّةَ الآباء تجاه أبنائهم تَتطلَّب اجتهادًا في التربيةِ الفكريَّةِ السليمةِ المبنيَّةِ على تقوى اللهِ – عزَّ وجلَّ – في السرِّ والعلانية، والإخلاصِ له في جميعِ الأمور.
وتابعت: وتقوم التربيةُ السليمةُ على أساسِ العدلِ، والاعتدالِ، وحبِّ الوطن، والاقتداءِ بالصالحين، والإسراعِ في قضاءِ حاجاتِ الناس، ومن هنا، فإنَّ العدالةَ في معاملة الأبناء تُعَدُّ من الرَّكائزِ الأساسيَّةِ لقيامِ أسرةٍ مستقرةٍ وسليمة، فالتمييزُ بين الأبناء يُخلُّ بتوازنِ العلاقاتِ الأسريَّةِ، ويؤثِّر سلبًا على تكوينِ شخصيَّاتهم، وقد يُفضي إلى العُقوقِ، والكراهيةِ، والعداوةِ بينهم.
وبينت “عبدالفضيل” أن المُفاضلةُ بين الأبناءِ تُعَدُّ من أخطرِ الظواهرِ النفسيَّةِ التي تؤدِّي إلى انحرافِ الأبناءِ عن طريقِ الحقِّ، وقد تقودهم إلى الشقاءِ أو الجريمةِ، والعياذ بالله، ولنا في قصةِ يوسف – عليه السلام – وأخوتِه، خيرُ مثالٍ على خطورةِ هذا التصرُّفِ حين بلغ بهم الأمرُ إلى التفكيرِ في القتلِ نتيجةَ غَيرةٍ سببُها التفضيلُ بين الأبناء.
أولًا: أسباب التفضيل بين الأبناء:
تتنوع الأسباب التي قد تؤدِّي إلى التفضيل بين الأبناء، ومنها:
1- التمييز بناءً على الجنس: كأن يُولَد الطفل أنثى في بيئةٍ تُفضِّل الذكورَ، وهو أمرٌ جائرٌ يتعارض مع توجيهات النبيِّ – ﷺ – الذي أوصى برعايةِ البناتِ، وجعل الإحسانَ إليهنَّ سببًا لورود الجنة، فقال – ﷺ –: «من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يومَ القيامةِ أنا وهو كهاتين» وأشار بإصبعيه (رواه مسلم)، وقال – ﷺ –: «من ابتُلي من هذه البنات بشيءٍ، فأحسن إليهنَّ، كُنَّ له سِترًا من النار» (متفق عليه)، وقال – ﷺ –: «استوصوا بالنساء خيرًا» (متفق عليه).
2- تفضيلُ طفلٍ محبوبٍ ومدلَّل على غيره: وهذا يؤدي إلى شعور الإخوة الآخرين بالإهمال والنقص، ويزعزع ثقتهم بأنفسهم.
3- الإفراط في العطف على طفلٍ مُصاب بعاهة: رغم أهمية الدعم النفسي، إلا أنَّه لا يجوز أن يتحوَّل هذا إلى تمييزٍ واضحٍ يضرُّ ببقيَّةِ الإخوة. كما أن تسميته بألقابٍ تُشير إلى عاهته يُعدُّ محرمًا شرعًا، لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ﴾ [الحجرات: ١١].
ثانيًا: أثر المفاضلة بين الأبناء على الأسرة والمجتمع
الأثر النفسي على الأبناء:
1- الشعور بالدونيَّة وانخفاض الثقة بالنفس لدى الطفل الأقل تفضيلًا.
2- الغيرة والتنافس السلبي: حيث يسعى الطفل المهمَّش للفت الانتباه بأي وسيلة، حتى ولو كانت سلوكات سلبية.
3- الكراهية والعداء بين الإخوة: ممَّا يؤدي إلى تفكك الروابط الأسريَّة واستمرار الأحقاد في المستقبل.
الأثر الاجتماعي:
المفاضلة تزرع في نفوس الأبناء مشاعر الظلم، ما يُمهِّد لانحرافهم سلوكيًّا، ويهدد تماسك الأسرة، التي تُعَدُّ نواة المجتمع.
ثالثًا: كيف يمكن تجنُّب المفاضلة بين الأبناء؟
1- الوعي الذاتي للآباء: من الضروري أن يُراجع الآباء سلوكهم باستمرار، ويتأكَّدوا من عدلهم في الأقوال والأفعال.
2- تعزيز الثقة بالنفس لدى جميع الأبناء: وذلك من خلال تشجيعهم على تنمية مهاراتهم، دون مقارنات تؤذي مشاعرهم.
3- التواصل الأسري الفعّال: يجب أن يسود الحوارُ داخل الأسرة، وأن تُتاح الفرصة لكل ابنٍ للتعبير عن مشاعره وهمومه.
واختتمت عضو الأزهر للفتوى حديثها قائلة: والمُفاضلة بين الأبناء ليست مجرَّد سلوكٍ بسيطٍ أو عفوي، بل هي مشكلةٌ تُهدِّد كيانَ الأسرةِ وتوازنَ الأبناءِ النفسي. وهي سببٌ مباشرٌ في تفكُّك الروابطِ الأسريةِ، وظهورِ العُقوقِ، وقد تنعكس آثارها المدمِّرة على المجتمع بأسره. ومن هنا، كان واجبًا على الآباء أن يتقوا الله في أولادهم، وأن يُقيموا العدلَ فيما بينهم، وألا يسمحوا لأيِّ سببٍ أن يكون ذريعةً للتمييز أو التفرقة.
نقلاً عن : الوفد