إنها السابعة صباحاً، ودونما أي تفكير أمسكت بهاتفي الذكي فور استيقاظي. أفتحه قبل أن أفتح عيني حتى، وفي حركة صارت شبه آلية نتيجة التكرار المستمر، أسحب شريط الإشعارات إلى الأسفل تلقائياً. لقد لازمتني عادة تصفح الهاتف فور الاستيقاظ طوال ما يربو على عقد من الزمن تقريباً. ولكن اليوم فقط ثمة شيء مختلف، لا أرى أي إشعارات، والشاشة خالية من ألوان تذكر ما عدا الأبيض والأسود.
بعد التحقق من الساعة الظاهرة على الشاشة، أضع هاتفي الذكي جانباً، ثم أشرب بعض الماء، وأنهض من فراشي. لا أشغل المفتاح الجانبي إلا بعد الانتهاء من وجبة الفطور، وعندها يعود الهاتف لوضعه الطبيعي وتتدفق الألوان على الشاشة، وتبدأ الإشعارات بالظهور واحدة تلو الآخرى.
خلال الأشهر القليلة الماضية، بدأت أستخدم هاتفاً محمولاً من طراز 50 Pro NXTPaper، من ابتكار شركة الإلكترونيات “تي سي أل” TCL الذي يدعم شبكات الجيل الخامس “5 جي” 5G، علماً أنه هاتف ذكي من الفئة المتوسطة ويعمل بنظام التشغيل “أندرويد”Android ، الذي لن يكون مميزاً لولا شاشته الخاصة [NXTPaper “إن إكس تي بيبر”] التي تتيح وضع القارئ الإلكتروني القابل للتبديل، وتسمح بتحول الجهاز إلى ما يشبه الهاتف “الغبي” [البسيط الخالي من أي تطبيقات رقمية أو خاصيات مميزة]، ما يمنحك فرصة الابتعاد من تطبيقات الوسائط الاجتماعية والإشعارات الرقمية.
عند تشغيل “ماكس إنك” Max Ink، تتحول شاشة الهاتف إلى نمط مخصص للقراءة باللونين الأسود والأبيض الباهتين، ويعرض الكتب الإلكترونية بدلاً من القصص الإخبارية المنتجة بواسطة الخوارزميات على “غوغل ديسكوفر” Google Discover [في الوضع العادي] عند سحب الشاشة سريعاً إلى اليمين.
وعند تحويله مجدداً إلى وضع الهاتف العادي، يبدو تماماً على شاكلة المستطيلات المتجانسة التي تحولت إليها معظم الأجهزة الحديثة. إنه مناسب جداً للاستخدام اليومي: الكاميرات جيدة، والمعالج قوي، والبطارية أفضل حالاً من البطاريات المستخدمة في معظم الهواتف الذكية الأخرى. (أكتب هذه المقالة وسعة البطارية الآن 32 في المئة، فيما يشير تنبيه على الشاشة الرئيسة إلى أنها لن تنفد قبل “18 ساعة و11 دقيقة تقريباً”، وذلك في تشغيل وضع “ماكس إنك”). يسعك القيام بكل الأمور التي تفعلها عادة على الهاتف، ولكن المفتاح الموجود على الجانب يسمح لك بإغلاق [قطع أخبار] هذا العالم.
ويليام باترسون، رئيس قسم العمليات لدى “تي سي أل موبايل” في المملكة المتحدة وإيرلندا، يوضح لـ”اندبندنت” أن الغرض الرئيس للشركة التركيز على أهمية “التوقف عن التمرير المستمر وغير الضروري”، أي التفاعل المفرط مع الشاشة من دون هدف أو حاجة حقيقين وواضحين، والابتعاد من “المشتتات الرقمية” [مثل الإشعارات والتنبيهات والتطبيقات الرقمية التي تستهلك وقتنا وتؤثر سلباً في تركيزنا على المهمات اليومية] التي تحملها معها الخاصيات والمزايا المدمجة في الأجهزة الإلكترونية الحديثة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول باترسون: “اخترنا لحملتنا التسويقية الخاصة بهذا الجهاز شعار “شغل المفتاح لتغلق المشتتات” بغية التركيز على أهمية العثور على “الوقت الخاص” الذي بات ضرورياً جداً الآن. نعرف تحديات العيش في عالم يشهد تحولات متسارعة في التكنولوجيا الرقمية، وأردنا أن ندمج في منتجاتنا حلاً يساعد في تحسين أسلوب عيش عملائنا.”
بطبيعة الحال، نهض العلماء ببحوث كثيرة حول الأضرار الناجمة عن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، والوقت الطويل الذي نمضيه في تصفح الشاشة، و”التمرير المستمر إلى ما لا نهاية على الهاتف واستهلاك المحتوى السلبي المثير للقلق والاكتئاب والمسبب للضغط النفسي.
من بين تلك البحوث دراسة حديثة تولاها علماء في الولايات المتحدة وكندا، ووجدت أن فصل الإنترنت عن الهاتف المحمول لأسبوعين فقط من شأنه أن يترك تحسنات كبيرة في الصحة العقلية والنفسية، ويزيد القدرة على التركيز، ويعزز الشعور بالسعادة بصورة عامة.
“لقد نشأ البشر وتطوروا في عالم كانت فيه المعلومات ووسائل الترفيه والتواصل الاجتماعي صعبة المنال إلى حد ما، لذا يبدو عسيراً بالنسبة إلينا أن نسيطر على أفكارنا وسلوكياتنا عندما تكون هذه المحفزات في متناول أيدينا باستمرار”، كما أشار الباحثون في الدراسة المنشورة في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية PNAS Nexus.
“تقدم نتائجنا دليلاً على أن قطع الإنترنت عن الهواتف الذكية أو فصلها لأسبوعين متواصلين يقود إلى تطورات إيجابية واضحة في الرفاهية الذاتية، والصحة العقلية والنفسية لدى المستخدمين، وفي القدرة على التركيز لفترات طويلة في مهمة أو نشاط معينين، علماً أننا استخدمنا طرقاً علمية دقيقة في قياس حجم هذه القدرة”، أضاف الباحثون.
حاولت “أبل” و”غوغل” كلتاهما إيجاد حل لهذه المشكلة من طريق أدوات تحكم مدمجة في نظامي التشغيل “آي أو أس” و”أندرويد”، ولكن لم تبتكر أية شركة من شركات صناعة الهواتف الذكية مفتاح تشغيل مجدداً لهذه الغاية.
يقول باترسون: “اخترنا مفتاح تشغيل بدلاً من زر لمس الشاشة لتوفير تجربة حسية للمستخدمين تبدو مقصودة أكثر ومحددة، وتتماشى هذه الخطوة مع مهمتنا المتمثلة في إضفاء الطابع الإنساني على التكنولوجيا الخاصة بنا. يمكن للمستخدم تفعيل وضع “ماكس إنك” MAX INK مباشرة من دون الحاجة إلى التنقل عبر القوائم والخيارات الكثيرة جداً الموجودة في الهاتف”.
ويشير باترسون إلى أن الشاشة الورقية الإلكترونية تلبي أيضاً طلب المستهلكين على الشاشات المريحة للعينين، إذ وجدت دراسة استقصائية أجرتها منصة “غودريدز” Goodreads في عام 2022 أن 37 في المئة من مالكي الهواتف الذكية يستخدمون أجهزتهم لقراءة الكتب أيضاً.
تعمل اللمسة النهائية للشاشة المعتمة [التي لا تعكس الضوء بشدة] على تقليل الوهج والضوء الأزرق، مما يسمح باستخدام طويل بعيداً من الإجهاد. ماركيس براونلي، الذي يقيم ويختبر المنتجات التكنولوجية عبر منصة “يوتيوب”، وصفها بأنها “أفضل شاشة غير لامعة مضادة للانعكاس”، وذلك في مقطع فيديو بعنوان “لماذا لا يحتوي مزيد من الهواتف الذكية على هذه الشاشة؟”. وفي النهاية، خلص إلى أنها ميزة متخصصة لا تكفي لجذب الناس بعيداً من العلامات التجارية الأكثر شهرة التي تقدم الميزات التقليدية. ولكن الكاتب والروائي مايكل روزين، الذي عينته شركة “تي سي أل” سفيراً لتمثيل علامتها التجارية، يقول إنه يأمل في أن تشجع هذه الميزة أعداداً أكبر من الناس على القراءة.
وقال روزين في تصريح أدلى به إلى “اندبندنت”: “إنها ميزة رائعة بالنسبة إلى المستخدمين الذين يريدون تجربة قراءة مريحة لا تؤذي العينين من دون الحاجة إلى جهاز إلكتروني منفصل للقراءة. باستخدام مفتاح تشغيل واحد، في مقدورك إنشاء بيئة مليئة بالتركيز، والاستمتاع بتجربة قراءة غامرة في أي وقت وفي أي مكان.”
“لم يحدث قط أن استمتعت بقراءة الكتب على الشاشة الإلكترونية، ولم يغير هاتف “تي سي أل” هذه الحقيقة (لم أتجاوز بعد الفصل الأول من أي من الكتب المحملة مسبقاً على الجهاز)، ولكنه مع ذلك سمح لي أخيراً بتقليل الوقت الذي أمضيه أمام الشاشة، وإعادة التفكير في علاقتي بهاتفي والتكنولوجيا بصورة عامة”، أضاف روزين.
“أدركت أنني نادراً ما أستخدم الهاتف بالطريقة المخصصة في الأصل. لقد تحول من وسيلة للبقاء على اتصال مع الآخرين إلى جهاز وسائط متعددة. لقد حل استهلاك المحتوى محل التواصل، وتحولت الشبكات الاجتماعية إلى وسائل التواصل الاجتماعي. لقد أصبح التفاعل مجرد استسلام سلبي، من دون أي تأثير حقيقي أو مساهمة فاعلة من المستخدم”، يشرح روزين.
ويختم روزين حديثه قائلاً: “لا أملك الجرأة الكافية للانضمام إلى العدد المتزايد من الأشخاص الذين يتحولون إلى استخدام هاتف “غبي” (بسيط) تماماً، كما أن المحاولات السابقة لوضع هاتفي في غرف أخرى أثناء نومي لم تستمر أبداً. ولكن كلما أمضيت وقتاً أطول باستخدام شاشة “أن إكس تي بيبر” بالأبيض والأسود من “تي سي أل”، تضاءلت رغبتي في العودة للوضع العادي للهاتف”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية