تسببت إجراءات صارمة اتخذتها كوريا الشمالية للحد من انتشار كوفيد، بما في ذلك عمليات إعدام علنية شهرية، في معاناة لا توصف لسكانها الذين يقدر عددهم بنحو 26 مليون شخص، بحسب ما كشف سبعة منشقين من الدولة الآسيوية.

وتبادل المنشقون، الذين تمكنوا من الفرار على رغم تلقي حرس الحدود أوامر بـ”إطلاق النار فور مشاهدة أي عابر”، تجاربهم في شأن القمع، وتعاظم الجرائم العنيفة بسبب نقص الغذاء، والنفي، والخوف، والتحكم الأيديولوجي.

وكانت إدارة كيم جونغ أون اتخذت إجراءات إغلاق صارمة بعد ظهور كوفيد عام 2019، مما أدى إلى عزل البلاد عن بقية العالم من خلال إقفال الحدود ووقف التجارة مع الصين وحظر صيد الأسماك، مما تسبب على ما يقال بمجاعة جماعية.

وزعمت “هيومن رايتس ووتش” و”الفريق العامل المعني بالعدالة الانتقالية” أن بيونغ يانغ طبقت تدابير مبالغاً فيها وغير ضرورية في مواجهة كوفيد جعلت “البلد المعزول بالفعل أكثر قمعاً” [فاقمت القمع].

وادعى كيم إيل هيوك، وهو تاجر رز من مقاطعة هوانغهاي الجنوبية فر في مايو (أيار) 2023، أنه شاهد استئناف عمليات الإعدام العلنية في منطقة بيوكسونغ عام 2020. وقال “لم تكن كوريا الشمالية مكاناً يمكن للناس أن يعيشوا فيه كبشر”.

يذكر أن كوريا الشمالية متهمة بتنفيذ عمليات إعدام علنية في القرى ومعسكرات الاعتقال. وتنفي بيونغ يانغ المزاعم المتعلقة بانتهاكات منهجية كهذه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال السيد كيم إنه رأى أشخاصاً يعدمون رمياً بالرصاص كل شهرين عام 2020 و”عامي 2022 و2023، كانت ثلاث عمليات إعدام رمياً بالرصاص تقع كل شهرين”.

يشار إلى أن البلاد شهدت ندرة شديدة في الغذاء بعد عام 2022 إذ فرضت الحكومة قيوداً صارمة على الشركات ومنعت توزيع البضائع. وقال المنشق: “كنت خائفاً”، وأضاف أنه توقف عن “بيع المواد الغذائية مثل الرز والذرة في ذلك الوقت”.

وزاد: “بعدما منعت الدولة الجهات الخاصة من بيع الحبوب في السوق، ارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى حد كبير، وبدأ بعض الناس يتضورون جوعاً حتى الموت”.

وقال السيد كيم إنه رأى عام 2023 رجلاً ميتاً على ما بدا ملقى على جانب الطريق. وأضاف “قال قرويون إنه كان هناك منذ أكثر من يوم. لقد وقعت كثير من الحالات من هذا القبيل”.

وأبلغ صياد أسماك يدعى بي يونغ تشول الجماعتين الحقوقيتين أن الحكومة منعت الوصول إلى البحر أثناء الجائحة، مما أدى فعلياً إلى قطع سبل العيش لكثيرين.

وزعم أن السلطات كتبت كلمة “خائن” على قطعة من الورق وسمرتها على الباب الأمامي لبيت يخص زميله في صيد السمك بعد القبض عليه وهو يغامر في خوض البحر عام 2020.

وادعى أن الإشعار حمل أيضاً العبارة “ممنوع الاقتراب”.

وقيل إن صياد الأسماك أوقف وأرسل إلى معسكر اعتقال مخصص للأشغال الشاقة.

وزعم السيد تشول أن الناس أجبروا على بيع الأدوات المنزلية لشراء الطعام. “بدأت أفكر في الكمية التي كنت آكلها ومقدار ما يمكنني تناوله من دون كسب أية أموال، وأدركت أن ما كان لدينا لم يكن كثيراً. واعتقدت أننا قريباً سنحتاج أيضاً إلى البدء في بيع ممتلكاتنا”.

وادعى المنشقون أن ارتفاع الأسعار ونقصاً في العقاقير أجبرا الناس على استخدام العلاجات التقليدية. “كان العثور على دواء مثل البحث عن إبرة في التبن”، على حد تعبير هاي كيونغ، وهي تاجرة فاكهة.

وأضافت السيدة هاي: “عامي 2021 و2022، لم يتمكن كثر من الناس في منطقتي من تناول الطعام لأنهم لم يتمكنوا حتى من شراء دقيق الذرة”، في إشارة إلى أرخص المواد الغذائية الأساس.

وأكد المنشقون حصول ارتفاع حاد في عدد الجرائم العنيفة بسبب النقص الحاد في الغذاء. وزعموا أن شخصاً مسناً يعيش بمفرده تعرض للطعن حتى الموت على يد أشخاص حاولوا سرقة طعام أو مال.

“أصبحت عمليات السطو التي أدت إلى وفيات عرضية أكثر شيوعاً في غياب أي شيء يؤكل في كوريا الشمالية”.

وأفادت “هيومن رايتس ووتش” بأن كوريا الشمالية أثناء الإغلاق المفروض بسبب الجائحة “كثفت الحملات الأيديولوجية، وأصدرت قوانين، ونفذت سياسات لزيادة السيطرة على التعبير والمعلومات، بما في ذلك التعبير والمعلومات في شأن كوفيد”.

وادعى المنشقون أنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى معلومات علمية أو غيرها من المعلومات حول كورونا وأنهم أمروا فقط بتجنب الاجتماع في مجموعات والجلوس إلى جانب بعضهم بعضاً. أما عدد حالات كوفيد أو عدد الوفيات الناجمة عنه في البلاد فاكتنفهما الغموض.

ولم تقر بيونغ يانغ بتفشي كوفيد إلا عام 2022 بعدما نفت بإصرار لأكثر من سنتين تسجيلها أية حالات.

ووفق الجماعتين الحقوقيتين، عمقت السياسة الحدودية التي اعتمدتها سلطات البلاد ورفضها المساعدة الدولية في مجال اللقاحات أزمتيها الصحية والاقتصادية.

وكانت أنباء أوردت أن كوريا الشمالية أجرت حملة تلقيح ضد كوفيد في المناطق المتاخمة للصين والمدن الجنوبية مثل بيونغ يانغ ونامبو بين أغسطس (آب) وأكتوبر (تشرين الأول) 2022. ومع ذلك لم يقل أي من المنشقين إنه تلقى لقاح كوفيد.

وقال سيونغجو لي، وهو مسؤول عن تحديد الحالات في “الفريق العامل المعني بالعدالة الانتقالية”، إن روايات الهاربين الكوريين الشماليين “توضح الأثر المدمر للإجراءات القمعية التي اتخذتها الحكومة في مواجهة كوفيد وأدت إلى تقليص حريات الناس العاديين المحدودة أصلاً”.

ووفق لينا يون، وهي باحثة بارزة في الشؤون الكورية لدى “هيومن رايتس ووتش”: “على المجتمع الدولي الضغط من أجل المساءلة ودعم المنظمات التي تعمل بقوة لحماية حقوق الكوريين الشماليين”.

وكانت بيونغ يانغ منعت في خطوة مفاجئة هذا الأسبوع الزوار الدوليين من دخول مدينة شمالية شرقية قرب الحدود مع الصين، بعد أقل من ثلاثة أسابيع من فتحها أمام السياح للمرة الأولى منذ الجائحة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية