مع اشتعال الانتقادات المتبادلة بين إيلون ماسك وفيفيك رامسوامي من جانب وغالبية معسكر “ماغا” من جانب آخر، بمن فيهم ستيف بانون مستشار دونالد ترمب السابق، حول منح تأشيرات هجرة للمهنيين المهرة في المجالات العلمية والتكنولوجية، تثار تساؤلات حول تأثير هذا الصدع الذي وصل إلى حد وصفه بالحرب الأهلية على تماسك التكتل المساند للرئيس المنتخب قبل ثلاثة أسابيع من توليه السلطة في البيت الأبيض، فهل انتهى شهر العسل بين ائتلاف الجمهوريين بما يهدد تنفيذ أجندة ترمب الانتخابية، أم أنها مجرد زوبعة ستهدأ بمرور الوقت وسيتمكن ترمب دائماً من وأدها قبل أن تتفاقم؟
في خضم معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية، كانت حركة “ماغا” أو “اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى” أكثر احتفاء برجال الأعمال القادمين من وادي السيليكون وعلى رأسهم إيلون ماسك، الذي أنفق أكثر من 250 مليون دولار لمساعدة دونالد ترمب في الفوز بالانتخابات، في وقت كان يعاني فيه نقص التمويل أمام المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس.
لكن بعد فوز ترمب التاريخي وظهور ماسك بدور مؤثر للغاية في اتخاذ قرارات الرئيس المنتخب، بدا لكثيرين أن فترة شهر العسل داخل ائتلاف “ماغا” انتهت رسمياً مع خروج فئة المانحين للرئيس ترمب عن خط التوجهات الأصلية لتيار المعارضين للهجرة بالمطلق وعلى اختلاف أنواعها، ومع اقتراب تنصيب ترمب بالرئاسة يوم الـ20 من يناير (كانون الثاني) الجاري، لم تكن الحرب الأهلية التي اندلعت على مدى أيام وانحاز فيها ترمب في النهاية لأغنى رجل في العالم عبر دعمه لمنح تأشيرات للمهنيين الأجانب الذين يتمتعون بالمهارة في التكنولوجيا سوى بداية غير مريحة في العام الجديد لصراع يتشكل في الأفق داخل تكتل “ماغا” اليميني.
لكن بينما يحذر مراقبون من أن تحالف ترمب الحالي سيواجه تحديات، لأنه اعتمد على دعم جماهير الناخبين من الطبقة العاملة الساخطين من الإدارة الديمقراطية وسياساتها الذين قبلوا تمكين المليارديرات من أصحاب النفوذ مثل إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي تحت فرضية أنهم ممثلون حسنو النية موالون لترمب، لكنهم الآن يكتشفون أن هؤلاء الأثرياء المحافظين من أصحاب شركات التكنولوجيا اشتروا الرئاسة الأميركية لتحقيق غاياتهم الخاصة، ولم يكن ترمب سوى الشخص الذي يحقق لهم ما يريدون على حساب مبادئ وأهداف الحركة الشعبوية لـ”ماغا” التي تعادي الهجرة بالمطلق.
“ماغا” ضد “ماغا”
لم تكن الحرب الأهلية الجديدة التي اندلعت على مدى أسبوع في أميركا حرباً من الجمهوريين ضد الديمقراطيين، بل كان عنوانها الجمهوريون ضد الجمهوريين، أو “ماغا” ضد “ماغا”، وفي قلب هذه العاصفة، تفاعل الأميركيون من أصل هندي، وشركات التكنولوجيا الكبرى، وأنصار “ماغا” التقليديون منذ عام 2016، والإدارة الجديدة لدونالد ترمب التي تضم عدداً من أصحاب المليارديرات حول قضية خلافية عما إذا كان ينبغي الاحتفاظ بواحدة من تأشيرات الهجرة القانونية التي تمنحها الولايات المتحدة للمهنيين الماهرين في التخصصات التكنولوجية وبرامج الكمبيوتر التي تسمى “أتش 1 بي” وتسمح بدخول 65 ألف شخص جديد سنوياً إلى البلاد.
بدأت المعركة حينما عين ترمب رجل الأعمال الهندي الأميركي سريرام كريشنان مستشاراً سياسياً كبيراً في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو ما دفع لورا لومر، وهي ناشطة يمينية مثيرة للجدال في دوائر “ماغا”، إلى التنديد بتعيين كريشنان، الذي وصفته بأنه خيانة للعمال الأميركيين، لأنه دعا إلى زيادة تأشيرات “أتش 1 بي”، وأثارت تصريحاتها التي اعتبرت تحريضية لأنها وصفت المهاجرين الهنود بأنهم غزاة العالم الثالث، انتقادات واسعة النطاق، ولكنها وجدت أيضاً قوة جذب بين أنصار “ماغا” المتشككين.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، انتقدت لومر الرئيس المنتخب ترمب، قائلة إن حركة “ماغا” بنيت لحماية العمال الأميركيين وليس مليارديرات وادي السيليكون، بل إنها هددت بمقاطعة انتخابات التجديد النصفي عام 2026 إذا لم تتبن الحركة موقفاً أكثر صرامة ضد هجرة العمال ذوي المهارات العالية، على اعتبار أن ذلك يشكل خطراً على الأمن القومي، بحسب وصفها.
ماسك في مرمى النيران
وسرعان ما امتدت حرب لومر المفتوحة على أسماء بارزة من مليارديرات وادي السيليكون مثل إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي، وكلاهما عينهما ترمب لقيادة إدارة الكفاءة الحكومية المعروفة اختصاراً باسم “دوغ” وسط خلاف داخلي مزق تحالف “ماغا” وأثار مخاوف جدية في شأن مستقبله، بخاصة بعدما احتدم النقاش عبر وسائل التواصل، مما دفع ماسك إلى وصف بعض أنصار الرئيس المنتخب بأنهم حمقى حقيرون.
كما أشعل راماسوامي عاصفة نارية عندما زعم أن نقص عدد المهندسين المولودين في الولايات المتحدة ضمن سوق العمل يرجع إلى الثقافة الأميركية التي تقدس الرداءة على التميز منذ زمن بعيد، وأبدى أسفه على تمجيد وسائل الإعلام الشعبية لملكات حفلات التخرج والرياضيين على حساب الأفراد المتفوقين أكاديمياً، مشيراً إلى أن هذه العقلية خنقت قدرة الولايات المتحدة على إنتاج مواهب من الطراز العالمي في مجالات مثل الهندسة.
وفي حين دافع ماسك عن راماسوامي، انتقده ستيفن بانون مستشار ترمب السابق الذي أصبح شخصية قومية شعبوية باجتذابه ملايين المتابعين عبر بودكاست “غرفة حرب” إذ اعتبر بانون ماسك بمثابة طفل رضيع.
معركة ثقافية
لكن الانتقادات المريرة والساخنة بين جناحي “ماغا” تحولت إلى معركة ثقافية بسرعة، إذ دعا راماسوامي إلى “لحظة سبوتنيك” ثقافية لتحفيز الإبداع في إشارة إلى اللحظة التي أطلق فيها السوفيات أول قمر اصطناعي يدور حول الأرض في نهاية خمسينيات القرن الماضي، مما أحدث صدمة لدى الأميركيين دفعتهم في ما بعد إلى العمل بسرعة للفوز بسباق الفضاء، وأكد راماسوامي على الحاجة إلى إعطاء الأولوية للتميز الأكاديمي والتفكير النقدي على الجوائز السطحية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك أثارت تصريحاته توبيخاً حاداً من المحافظين مثل نيكي هايلي، التي دافعت عن العمال الأميركيين والثقافة، قائلة: “يتعين علينا الاستثمار في الأميركيين وإعطائهم الأولوية، وليس العمال الأجانب”، مما سلط الضوء على الانقسام المتزايد داخل الحزب الجمهوري.
الولاءات المنقسمة في “ماغا”
دفعت هجمات لومير بعض مؤيدي “ماغا” إلى التساؤل عما إذا كانت شخصيات مثل ماسك ورامسوامي تمثل مصالحهم، إذ عكس النقاش توترات أعمق داخل الحركة في شأن سياسة الهجرة ودور العمال الأجانب في الاقتصاد الأميركي، بخاصة أن تصريحات ستيف بانون وغيره من المحافظين المتشددين عكست قدراً من العنصرية من خلال تأكيدهم أن الولايات المتحدة بناها العمال والمهنيون البيض، كما اتهم بعض منهم ماسك وراماسوامي بأن شعارهما “الهند أولا” وليس “أميركا أولاً” الذي رفعه الرئيس المنتخب دونالد ترمب خلال حملته الانتخابية، ومنذ حملته الانتخابية الأولى عام 2015 وليس أخيراً.
وكشف تعيين ترمب لكريشنان، الذي كان يهدف إلى تعزيز سياساته التكنولوجية، عن هذه الانقسامات عن غير قصد، ففي حين دافع ماسك ورامسوامي عن استراتيجية اقتصادية شاملة، طالبت لومير وحلفاؤها بنهج صارم يضع توظيف وتشغيل الأميركيين في الداخل أولاً.
ترمب وأزمة هوية “ماغا”
ظل معسكر ترمب صامتاً لأيام عدة في شأن تعليقات لومير، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت هذه خطوة محسوبة لتجنب تنفير قاعدته أو إنها علامة على ائتلاف متهالك، وحتى حينما بدا الرئيس المنتخب وكأنه يعلق على النقاش الساخن زاد من الغموض، ففي حين صرح لصحيفة “نيويورك بوست” بأنه استخدم هذه التأشيرة في ممتلكاته بصورة متكررة وأشاد بالبرنامج، إلا أن تعليقاته التي اعتبرتها صناعة التكنولوجيا تأييداً واضحاً، قد تزيد من تعقيد الأمور لأن ترمب لم يستخدم برنامج تأشيرة “أتش 1 بي” إلا نادراً بحسب البيانات الفيدرالية الرسمية.
لكنه بدلاً من ذلك، كان مستخدماً متكرراً ولفترة طويلة لبرنامج تأشيرة “أتش 2 بي” المخصص للعمال غير المهرة مثل البستانيين والطهاة والنادلين ومدبرات المنازل، الذي يسمح للعامل بالبقاء في البلاد لمدة 10 أشهر. وتظهر البيانات الفيدرالية أن شركات ترمب حصلت على موافقة لتوظيف أكثر من 1000 عامل، من خلال برنامجي “أتش 2 بي” في السنوات الـ20 الماضية.
وما يربك مجموعة “ماغا” أن ترمب خلال حملته الانتخابية لعام 2016، تحدث ضد برنامج “أتش 1 بي”، واصفاً إياه بأنه سيئ للغاية بالنسبة إلى العمال، وقال إنه يجب إنهاء هذا البرنامج، لكن في الواقع استمر برنامج “أتش 1 بي” في عهد إدارته الأولى، على رغم أنه استخدم نهجاً أطلق عليه التدقيق الشديد، مما جعل العملية أكثر صعوبة على المهنيين وأصحاب العمل، وفي العام الأخير من ولايته الأولى، أصدر ترمب أمراً في عام 2020 بحظر التأشيرات الجديدة موقتاً، بما في ذلك “أتش 1 بي”.
لكن الحملة الرئاسية الأخيرة لترمب ركزت على وقف الهجرة غير الشرعية فقط، وهو ما يمثل نعمة لإيلون مسك وقادة صناعة التكنولوجيا الآخرين، الذين تعتمد أعمالهم على إقامة مبرمجي البرمجيات وغيرهم من المهنيين المهرة في البلاد بصورة قانونية.
وفي المقابل يخشى المتشددون القوميون في “ماغا” أن سياسات ترمب تبيع مبادئ الحركة لوادي السيليكون، بينما يرى آخرون أن خطابات لومير وبانون تكسر الحركة، والنتيجة أن هذا الصراع الداخلي جعل “ماغا” تكافح أزمة هوية.
مستقبل “ماغا”
مع تهديد لومر بمقاطعة الانتخابات النصفية، يتزايد خطر انقسام القاعدة المؤيدة لسياسات ترمب والجمهوريين، إذ من المرجح أن تعيد سياسات ماسك ورامسوامي تشكيل مستقبل “ماغا”، لكن تناقضات الحركة قد تؤدي في النهاية إلى سقوطها في وقت يعترف فيه الجمهوريون بأن هذه الحرب الأهلية داخل الحركة سخيفة تماماً وقد تزداد الأمور سوءاً.
وما يزيد الطين بلة، أن الغالبية الجمهورية الضئيلة في مجلس النواب تعني أنه لا يوجد مجال للمناورة على الإطلاق، وقد يؤدي واحد أو اثنان من الجمهوريين المتعنتين إلى إحداث أزمة دستورية غير مسبوقة وربما يسفر ذلك إلى تأخير تنصيب ترمب يوم الـ20 من يناير الجاري.
لكن أول اختبار كبير للجمهوريين بعد فوزهم بالبيت الأبيض ومجلسي الكونغرس سيظهر الجمعة المقبل حينما يتم التصويت لاختيار رئيس مجلس النواب، وعلى رغم أن ترمب تدخل بدعوته أعضاء الحزب في مجلس النواب إلى انتخاب مايك جونسون رئيس المجلس الحالي، إلا أن بعض أعضاء الحزب اليمينيين، قد يرفضون طلب ترمب، إذ صرح النائب الجمهوري توماس ماسي علناً أنه سيصوت ضد جونسون، وإذا انشق عضو جمهوري آخر وصوت ضد جونسون، سيفقد الجمهوريون غالبيتهم ويصلون إلى التعادل (يمتلكون الآن 219 صوتاً في مقابل 2015 للديمقراطيين) وسيكون انتخاب رئيس جديد للمجلس مشكلة صعبة تعادل الأزمة السابقة التي شهدها المجلس قبل نحو عامين حين انقسم أنصار “ماغا” في تأييدهم كيفين ماكارثي.
وينقسم الخبراء الدستوريون حول ما إذا كان يمكن التصديق على الانتخابات الرئاسية وأداء ترمب اليمين الدستورية كرئيس إذا استمر هذا الخلاف بين الجمهوريين في مجلس النواب.
غير أن مستقبل “ماغا” يظل رهناً بقرارات ترمب، وكما يقول كبير الباحثين في المجلس الأطلسي توم واريك الذي عمل في وزارة الأمن الداخلي في عهدي ترمب وباراك أوباما: “يواجه البيت الأبيض في عهد ولاية ترمب الثانية خطر التحول إلى حفرة ثعابين عندما تتنافس فصائل مختلفة داخل عالم الرئيس المنتخب على جذب انتباهه، وإذا كان كثيرون خلال الإدارة الأولى يخشون أن يؤثر آخر شخص تحدث إلى ترمب في قراراته، فإن هذا على الأرجح يتكرر الآن”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية