تمر حرب السودان المندلعة بين الجيش و”الدعم السريع” منذ أكثر من 19 شهراً بحال من الانسداد في ناحية الحلول السلمية، إذ رفض الجيش المشاركة في آخر منبر تفاوضي دعت إليه واشنطن في سويسرا خلال أغسطس (آب) الماضي، بحجة تمسكه بتطبيق “إعلان جدة” الموقع بين طرفي الصراع خلال مايو (أيار) 2023 ليكون طريقاً لإنهاء الحرب.
لكن مع تقدم الجيش السوداني الملحوظ في العملية العسكرية التي ينفذها منذ الـ26 من سبتمبر (أيلول) الماضي في عدة محاور، إذ تمكن من استرداد مواقع عدة في ولاية الخرطوم وولاية سنار الوسطية باسترداده عاصمتها “سنجة” السبت الماضي، هل يصبح الحل السياسي لوقف هذه الحرب خارج الحسابات وبخاصة من جانب الجيش لأنه بات في موقع قوي، مما يجعله يذهب في اتجاه الحسم العسكري فضلاً عن استفادته من علاقات حكومته مع روسيا وغيرها، التي تؤمن له السلاح والعتاد والدعم اللوجيستي؟
مكاسب عسكرية
يرى المحلل السياسي السوداني عروة الصادق أن “الوضع الحالي في السودان يزداد تعقيداً للغاية، فضلاً عن أنه أصبح في حال تغير مستمر مما يجعل من الصعب التنبؤ بصورة قاطعة بالمسار المستقبلي للأحداث، لذلك فإن التقدم العسكري الأخير الذي أحرزته القوات المسلحة السودانية في مدينة سنجة نتيجة انسحاب قوات “الدعم السريع” قاد تدريجاً إلى تغيير ميزان القوى، مما سيؤثر بدوره على احتمالات التوصل إلى حل سياسي شامل، وبخاصة بعد حديث قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الرافض لأية مفاوضات أو تسوية في شأن هذه الحرب، وذلك انطلاقاً من شعوره بازدياد نفوذ الجيش وتعزيز مكاسبه العسكرية”.
وتابع “كما أن اتساع وتيرة العمليات وعلو النبرة العسكرية وحملتها الحربية قاد إلى انخفاض النفوذ المدني ونزوح المدنيين، إضافة إلى إضعاف المجتمع المدني والجماعات السياسية الرافضة للحرب، مما يجعل من الصعب الدفع نحو الانتقال بقيادة مدنية، كذلك هناك تحرك حثيث من الجهات الدولية الفاعلة، إذ من المتوقع وصول كل من المبعوثين، النرويجي والأميركي والبريطاني، إلى البلاد في ديسمبر (كانون الأول) المقبل في محاولة لممارسة الضغط على القوات المسلحة السودانية للانخراط في حوار سياسي وإعطاء الأولوية للحل السلمي. ومع ذلك فإن فعالية هذا الضغط تعتمد على مستوى الإجماع الدولي واستعداد القوى الإقليمية والعالمية لاتخاذ إجراءات حاسمة تجاه طرفي النزاع”.
وأردف الصادق “للأسف لا تزال الانقسامات السياسية والمجتمعية الأساس في السودان متواصلة بصورة كبيرة، مما يجعل من الصعب التوصل إلى تسوية سياسية دائمة وشاملة، كما أن حالة انهيار الثقة بين الجهات العسكرية والمدنية قادت إلى إعاقة المفاوضات وإضعاف الجهود الرامية للسلام، لكن هناك جهوداً إقليمية ودولية تعمل على تقريب وجهات النظر كما سبق وجرى في سويسرا”.
واعتبر أن “اتجاه حكومة بورتسودان لتشكيل شراكات دولية، وبخاصة مع روسيا، له آثار كبيرة آنية ومستقبلية على الحرب ويومياتها، فالبرهان وحكومته يعتقدان أن هذه العلاقات توفر لهما إمكانية الوصول إلى الأسلحة والمعدات العسكرية والدعم اللوجيستي، مما يعني إطالة أمد الحرب وزيادة معاناة الشعب السوداني، ووضع البلاد في سياق الاستقطاب الإقليمي والدولي. لكن معلوم أن العلاقات الدولية متعددة الأوجه، إذ قد تتأثر بعوامل مختلفة أهمها التحولات الجيوسياسية والمصالح الاقتصادية والمخاوف الإنسانية وملفات الإرهاب”.
وتابع “بالاشارة إلى مساعي الحكومة السودانية في الحصول على دعم من روسيا وإيران وغيرهما، وفي ظل القطيعة الأفريقية والتحفظ العربي والحظر الغربي فمن غير المرجح أن تعزل حكومة بورتسودان نفسها تماماً عن المجتمع الدولي، إذ سيظل الموقع الاستراتيجي للسودان وموارده الطبيعية الغنية هدفاً للقوى الخارجية، مما سيؤدي إلى تصعيد الصراع وازدياد زعزعة استقرار البلاد وانخراطها في حرب بالوكالة”. ونوه المحلل السياسي إلى أنه “في نهاية المطاف فإن مستقبل السودان رهين بتفاعل معقد من العوامل، بما في ذلك الوضع العسكري على الأرض، والإرادة السياسية للجهات الفاعلة المختلفة، ومستوى الدعم الدولي للحل السلمي”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مناورة وتعقيد
من جانبه يعتقد المتخصص في العلوم السياسية مصعب محمد علي أن تقدم الجيش سيعزز من عملية التفاوض باعتبار أن التوازن مطلوب في هذا الشأن، فالوضع الآن على غير السابق، إذ بات الجيش في موقف يمكن من خلاله الدخول في التفاوض، وأنه بالنظر إلى مجرى العمليات العسكرية أصبح الجيش يحدد نقاطاً عدة يمكن أن تسهم في تعزيز هذا التوجه.
وأضاف “أعتقد أن الظروف الحالية مواتية للتفاوض، وتأمين السلاح والعتاد جزء من استراتيجية القوى، لكن لا أتوقع أن يقيم السودان خلال الوقت الحالي علاقات استراتيجية مع روسيا، فما حدث أخيراً ليس إلا مناورة لتحقيق مزيد من المكاسب وإن كان موقف موسكو الأخير لمصلحة الحكومة السودانية لكنه كان ضرورياً في رأي صانعي السياسة الخارجية السودانية، باعتبار أن الفيتو الروسي ضمانة يرجح مصالح السودان دون ضغوط الدول الأوروبية، ويمكن قراءة ذلك أيضاً من خلال الصراع الأوروبي الروسي حول أوكرانيا”. ويرى المتخصص في العلوم السياسية أن “واقع ومستقبل السودان السياسي يتجه نحو مزيد من التعقيد حال استمرار الحرب لأنها من الممكن أن تتوسع وتدخل أطراف دولية تسهم في استمرارها مما يؤدي إلى تقسيم البلاد عسكرياً، لكن كي لا يحدث هذا السيناريو أعتقد أن الحل الأمثل يتمثل في حث الطرفين على التفاوض والوصول إلى حل سياسي لهذه الحرب”.
ترنح وانهيار
في المقابل، رأى الكاتب السوداني حسن عبدالحميد أنه “نظراً إلى أن ميليشيات ’الدعم السريع‘ تمثل تهديداً عسكرياً فإن الحسم العسكري هو الذي يقي شرورها ويحد من جرائمها، ولعل استراتيجية الجيش السوداني تعمل على قصم ظهر هذه الميليشيات عسكرياً وبالفعل نجح في ذلك إلى حد كبير وبخاصة بعد انتصاراته الأخيرة منذ الوثبة التي عبر فيها إلى مدينتي الخرطوم وبحري وتبني خطة الهجوم انتهاء باسترداده مدينة سنجة”.
وأكد عبدالحميد أن “الحل العسكري بات ممكناً بعد ظهور الظهير العالمي روسيا، ووقوفه بقوة مع السودان سياسياً في مجلس الأمن وتأمين السلاح والعتاد للجيش السوداني. وبات واضحاً أن ميليشيات ’الدعم السريع‘ تترنح الآن وأن انهيارها صار مسألة وقت فقط”.
ولفت الكاتب السوداني إلى أن “السودان مقدم على عهد جديد بعد انكسار وانهيار هذه الميليشيات، والأوضاع بعد الحرب في البلاد لن تكون إطلاقاً كما كانت قبل الحرب على الصعد كافة، إذ من المتوقع أن ينجز السودانيون توافقاً وطنياً يكون قوامه وعموده القوى التي وقفت مع الجيش في معركته الحالية، مع هذه القوات المتمردة، مما سيؤدي إلى استقرار سياسي يقود إلى انتعاش اقتصادي، فضلاً عن أن السودان سيتجه شرقاً إلى روسيا والصين وغيرهما من القوى الدولية الشرقية وستخسر واشنطن ولندن وحلفاؤهما بلداً خذلوه أيام حربه ضد ميليشيات ’الدعم السريع‘”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية