في إطار السعي الدولي إلى حل الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من عقد، زار القائم بأعمال وكيل وزارة الخارجية الأميركية جون باس أنقرة لإجراء محادثات مكثفة حول مستقبل سوريا والانتقال السياسي فيها. ناقشت الاجتماعات قضايا أمنية واستراتيجية عدة، بما في ذلك ضمان استقرار المنطقة ومنع عودة تنظيم “داعش”.

أوضح باس في تصريحاته التي أدلى بها “أون لاين” إلى الصحافيين أن الوجود الأميركي في سوريا يهدف إلى “منع عودة تنظيم ’داعش‘ وضمان استقرار الأوضاع الأمنية في المنطقة”. وأكد أن القوات الأميركية تعمل بالتنسيق مع حلفائها لضمان عدم استغلال هذا الوجود من قبل جماعات مسلحة لتقويض أمن دول الجوار، في إشارة إلى “قسد” والميليشيات الكردية مختلفة الانتماءات.

وأضاف “نحن ندرك أهمية تحقيق توازن دقيق بين طمأنة الشركاء الإقليميين وضمان عدم تحول وجودنا إلى ذريعة لأي أنشطة عدائية أو تصعيدية.”

كما أشار باس إلى أن إدارة واشنطن تعمل بصورة مستمرة على تقييم استراتيجياتها لضمان أن يظل وجودها في سوريا داعماً للانتقال السياسي من دون أن يفاقم التوترات الإقليمية.

وكشفت تسريبات إعلامية عن رعاية واشنطن حواراً عصياً بين الإدارة الانتقالية في دمشق بقيادة أحمد الشرع و”سوريا الديمقراطية” بقيادة مظلوم عبدي، في وقت تضغط أنقرة لرفع أميركا يدها عن الأكراد السوريين، للدفع نحو دمجهم في التسوية السورية الشاملة، من دون منحهم امتيازات استثنائية مثل إدارة ذاتية.

ورداً على ضغط بلاده على “سوريا الديمقراطية” في شأن المقاتلين الأجانب لديها من مثل أعضاء حزب العمل الكردستاني، أجاب “نحن نتفق مع الحكومة التركية على ضرورة ألا تكون سوريا ملاذاً آمناً للمنظمات الإرهابية الأجنبية أو المقاتلين الإرهابيين الأجانب سواء كان ذلك اليوم أو في المستقبل”.

تخفيف العقوبات يتوسع

في ما يتعلق بالدعم الخليجي للحكومة الموقتة في سوريا، قال باس “أجرينا نقاشات بناءة مع شركائنا في دول الخليج حول كيفية تقديم المساعدة للحكومة الموقتة في دمشق لضمان قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية للسكان.”

وأوضح أن المساعدات تشمل دعم دفع رواتب الموظفين المدنيين وتوفير الكهرباء والطاقة، مشدداً على أن “هذا الدعم لا يهدف فقط إلى تخفيف معاناة الشعب السوري، بل أيضاً إلى تعزيز استقرار الحكومة الموقتة كجزء من عملية الانتقال السياسي.”

وأكد أن الولايات المتحدة تسعى إلى تكييف أنظمة العقوبات بصورة تدعم الجهود الإنسانية من دون الإضرار بالمسار السياسي.

مع اقتراب دخول إدارة أميركية جديدة إلى البيت الأبيض تسود حال من الترقب في شأن سياساتها تجاه الملف السوري، فيما أشار باس إلى أن الإدارة المقبلة ستواجه قرارات حاسمة تتعلق بمستقبل الوجود الأميركي في سوريا ودور واشنطن في دعم الاستقرار الإقليمي.

وقال “إن أي إدارة أميركية ستجد نفسها أمام تحدي تحقيق توازن بين المصالح الاستراتيجية في المنطقة ودعم الجهود الإنسانية. سوريا تمثل اختباراً حقيقياً لمدى الالتزام الدولي حل النزاعات المستعصية.”

وأوضح باس أن فريق ترمب سيحتاج إلى إعادة تقييم سياسات العقوبات وتوسيع الحوار مع دول الجوار لضمان توافق الجهود الدولية والإقليمية.

إعادة دمج سوريا في الإقليم

وفي ما يتعلق بدعم بعض دول الإقليم الحكومة الحالية في دمشق، قال باس “أوضحنا لشركائنا الإقليميين أهمية توجيه أي دعم نحو تحقيق الاستقرار وليس تعزيز الانقسامات”، وأكد أن واشنطن تحث على خطوات تسهم في الانتقال السياسي وتخفيف معاناة الشعب السوري. وأضاف “نحن نرى أن أي دعم موجه للحكومة الحالية يجب أن يرافقه التزام إجراءات عملية تساعد على تحقيق التوازن في الداخل السوري”. وأكد أن الإدارة المقبلة ستواصل الضغط لضمان توجيه الجهود نحو تحقيق حل سياسي مستدام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار باس إلى أن “إعادة دمج سوريا في النظامين الإقليمي والدولي تتطلب تعاوناً واسعاً لضمان استقرار طويل الأمد”. وأكد أن واشنطن تعمل مع دول الجوار لتقديم حلول تحقق التوازن بين تعزيز الأمن ودعم الانتقال السياسي.

وأضاف “إن التحديات في سوريا لا يمكن أن تحل بمعزل عن التعاون الإقليمي والدولي. نحن ملتزمون العمل مع شركائنا لضمان نجاح المرحلة المقبلة.”

مخيم الهول وسجناء “داعش” وإسرائيل

أحد التحديات الأمنية البارزة التي تواجه سوريا والمنطقة هو التعامل مع مخيم الهول وسجناء تنظيم “داعش”. أكد باس أن “هذا الملف يمثل أولوية قصوى، إذ إن المخيم يضم عشرات الآلاف من النساء والأطفال الذين يعيشون في ظروف كارثية، إضافة إلى خطر استغلاله كمصدر لتجنيد العناصر الإرهابية.” وأضاف “يجب على المجتمع الدولي العمل معاً لتقديم حلول طويلة الأمد، تشمل إعادة تأهيل السجناء وإعادة دمج العائلات المؤهلة في مجتمعاتهم، بالتوازي مع اتخاذ خطوات أمنية صارمة لمنع أي تهديدات مستقبلية.”

وشدد على “ضرورة أن يغادر أي إرهابي أجنبي موجود داخل سوريا البلاد. وينبغي أن يعود عدد كبير من هؤلاء الأشخاص إلى بلدانهم الأصلية والبلدان التي يحملون جنسيتها في الحالات المثالية، وذلك من خلال عملية مسؤولة تشارك فيها تلك الحكومات حتى يمثلوا أمام القانون بسبب أفعالهم”، وهو في هذا السياق لا يتحدث عن سجناء “داعش” فحسب، ولكن كذلك عن الأجانب المقاتلين في صفوف “قسد”.

لكن الإشكالية مع “قسد” تتجاوز هذه الشريحة من المقاتلين، إلى طبيعة الامتيازات التي تدافع للحصول عليها، وسط احتماء كيانها السياسي بالأميركيين والتذرع بسجناء “داعش”، بافتراض أن قيادة دمشق الجديدة قد لا تكون قادرة أو مأمونة على إدارة الملف المعقد.

حول العلاقة بين سوريا وإسرائيل، قال باس “إننا ندرك أهمية معالجة التوترات المستمرة بين الجانبين، ونؤمن بأن تخفيف التصعيد هو خطوة أساس نحو تحقيق استقرار شامل في المنطقة.”

وأكد أن واشنطن تدعم الجهود الرامية إلى منع تحول سوريا إلى ساحة للصراعات بالوكالة، قائلاً “نحن ملتزمون العمل مع شركائنا الإقليميين لضمان تحقيق توازن يضمن أمن المنطقة من دون تعريضها إلى مزيد من الأخطار”.

وخلص إلى أن “تحقيق الاستقرار في سوريا يتطلب إرادة دولية وجهوداً منسقة. علينا أن نعمل جميعاً لضمان ألا تعود الفوضى أو تستغلها الجماعات المتطرفة لتحقيق أهدافها.”

نقلاً عن : اندبندنت عربية