في مقابلة له مع “فوكس بزنس” الأسبوع الماضي قال وزير الخزانة الأميركي سكوت باسينت، إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب “تدرس التلاعب بسعر صرف العملات”، موضحاً “لدى الولايات المتحدة سياسة تلتزم الدولار القوي”، مضيفاً “ليس معنى أن لدينا سياسة الحفاظ على دولار قوي أن تكون لدى الدول الأخرى سياسة عملة ضعيفة (أي خفض أسعار عملاتها المحلية مقابل الدولار)”.
أثارت تلك التصريحات مخاوف في الأسواق من أن الإدارة الأميركية التي بدأت الشهر الأول لها في السلطة بإجراءات غير مسبوقة قد تفكر في خفض قيمة الدولار لتقليل العجز التجاري مع الخارج، وتباينت الإجراءات من فرض رسوم وتعريفة جمركية على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة إلى قرارات صادمة في الداخل من إلغاء إدارات ومؤسسات حكومية وتسريح العاملين بها ووقف تمويل برامج حكومية.
وغير الرسوم والتعريفة الجمركية التي فرضت على بعض الدول، أصدر الرئيس ترمب مذكرة لفريق إدارته الاقتصادي لوضع خطط في شأن فرض “تعريفة جمركية موازية” على أي دولة تفرض رسوماً أو تعريفة جمركية على الصادرات الأميركية، ومن المفترض أن يبدأ فرض تلك الرسوم من مطلع أبريل (نيسان) المقبل.
وتعليقاً على تلك المذكرة، أوضح باسينت في مقابلته التلفزيونية أن فريقه سيحدد ما يساوي التعريفة الحالية (أي مؤشر موازٍ لكل دولة على حدة) للتعريفة الجمركية والقيود التجارية والتلاعب بسعر صرف العملة.
الدولار القوي
إلى ذلك تعاني الولايات المتحدة عجزاً تجارياً مع دول العالم بعشرات مليارات الدولارات، بمعنى أنها تستورد أكثر مما تصدر، ويرجع العجز التجاري البالغ نحو 78 مليار دولار إلى عوامل كثيرة من بينها الدولار القوي الذي يجعل المنتجات الأميركية أقل تنافسية في الأسواق الخارجية.
وسبق أن أعلن ترمب، في حملته الانتخابية الصيف الماضي، بوضوح “لدينا مشكلة عملة كبيرة، وهذا عبء هائل على شركاتنا”.
وهكذا يبدو أن قلق ترمب من قوة العملة الأميركية يمكن أن يقود الإدارة الأميركية إلى أن تسحب سياساتها المثيرة للاضطراب على سعر صرف الدولار.
في الوقت ذاته، لا يرغب ترمب ولا إدارته في أن يفقد الدولار ميزته كعملة احتياط عالمية، التي يستمد قدراً كبيراً من قوته منها، ثم إن هناك عوامل أخرى تحكم سعر صرف أي عملة قد تكون خارج نطاق سلطة الحكومة، منها على سبيل المثال سعر الفائدة الذي تحدده البنوك المركزية المتمتعة باستقلال ما عن السلطة التنفيذية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالطبع يمكن للرئيس ترمب التدخل والضغط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) ليخفض سعر الفائدة مما يعني هبوط سعر صرف الدولار، إلا أن مثل هذا الإجراء بالنيل من استقلالية البنك المركزي قد تكون له تبعات كارثية، كما تخلص ورقة لشركة “ورتشيلد أند كو” بعنوان “ترمب والدولار”.
وتفصل الورقة أن النظرة الضيقة لقوة الدولار أنها السبب في العجز التجاري قاصرة وخاطئة، حتى فكرة أن الدولار القوي هو الذي يضر بتنافسية المنتجات الأميركية لا تبدو صحيحة تماماً، إذ تضيف الورقة أن “الحجم الهائل لإنفاق الأسر الأميركية هو ما يجعل المستهلك الأميركي الزبون الأهم للشركات العالمية، وكثير من المنتجات التي تصدر لأميركا تختلف عن تلك المتوافرة محلياً مما يؤدي إلى توجه الطلب الاستهلاكي الأميركي نحو الواردات بغض النظر عن رخص أسعارها أم لا. يمكن تضييق فجوة العجز التجاري الأميركي إذا حدث انهيار في الطلب الاستهلاكي، إلا أن ذلك لن يكون مؤشراً إلى النجاح الاقتصادي في النهاية”.
أما إشارة إدارة ترمب إلى تلاعب الدول بسعر العملات فهي تتجاهل العوامل الأخرى التي تحكم سعر صرف أي عملة، من معدلات النمو الاقتصادي وأسعار الفائدة التي تحدد أساساً استناداً إلى معدلات التضخم في أي اقتصاد، إضافة إلى أخطار أسواق المال والسياسات المحلية عموماً.
أخطار التدخل بسعر الدولار
إضافة إلى الاحتمال البعيد بتدخل إدارة ترمب في عمل البنك المركزي كي يخفض سعر الفائدة، يمكن للخزانة الأميركية خفض سعر الدولار بشراء كميات كبيرة من العملات الأخرى، لكن هذا الاحتمال يبدو بعيداً أيضاً، لأنه سيزيد العجز المالي للحكومة الفيدرالية الذي يمول بالاقتراض مما يعني مشكلة أخرى للاقتصاد الأميركي.
يظل الدولار الأميركي قوياً، وحين فكرت دول “بريكس” في استبدال الدولار كعملة لحسم تعاملاتها مع الخارج ثارت ثائرة الرئيس ترمب وهدد تلك الدول بعقوبات قاسية.
“على مدى العقد الأخير ارتفع مؤشر سعر صرف الدولار في المتوسط بنسبة 15 في المئة، وتبدو الأيام التي وصل فيها سعر اليورو إلى 1.3 دولار والجنيه الاسترليني إلى 1.6 دولار قد ولت”، كما كتبت المحررة الاقتصادية لصحيفة “فايننشيال تايمز” كيتي مارتين في مقال لها هذا الأسبوع.
مع طريقة الصدمة التي تتبعها إدارة ترمب في قراراتها الاقتصادية والمالية لا يمكن استبعاد أي شيء، بما في ذلك التدخل لخفض سعر الدولار على اعتبار ان ذلك يمكن أن يقلل العجز التجاري مع العالم ويجعل المنتجات الأميركية أكثر تنافسية في الأسواق العالمية.
عادت الأسواق إلى مذكرة كتبها المستشار الرئاسي ستيفن ميران العام الماضي حول ربط الميزان التجاري وحتى الأمني للدول بقدر ما يضخون من أموال في أميركا.
وهي المذكرة التي لم تستبعد أن يكون إضعاف قيمة الدولار عاملاً مهماً في هذا السياق، وكتب مارتين في مذكرته “إجماع الرأي في بورصة وول ستريت أنه لا توجد طريقة تصرف أحادي يمكن لإدارة ترمب أن ترفع بها سعر صرف العملات المنخفضة القيمة”، قائلاً “هذا اعتقاد خاطئ، ولعل الوسيلة المثلى لزيادة قيمة العملات الأخرى مقابل الدولار هي خفض سعر صرف الدولار بالتدخل المباشر من الحكومة”.
لكن تحليلاً مطولاً في صحيفة “نيويورك تايمز” خلص إلى أن ترمب “بين نارين” فإما أن يحافظ على الدولار قوياً مستمراً في مكانته المهمة في العالم كعملة احتياط أساس، أو يخفض سعر صرف الدولار مخاطراً بتلك المكانة العالمية للعملة الأميركية من أجل خفض العجز التجاري مع العالم.
وقد يكون الحل الأمثل هو الضغط على الدول الأخرى لترفع قيمة عملاتها مقابل الدولار، لكن ذلك يبدو غير عملي، فعلى سبيل المثال لن ترضخ الصين لرفع قيمة اليوان في وقت تسعى فيه لاستعادة معدلات النمو الاقتصادي العالية التي كان اقتصادها ينمو بها قبل أزمة وباء كورونا.
وسياسات التعريفة الجمركية الأميركية وغيرها من الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترمب في الأسابيع الماضية كفيلة بعودة الضغوط التضخمية ومن ثم إبقاء “الفيدرالي” أسعار الفائدة مرتفعة ومن ثم استمرار قوة الدولار.
نقلاً عن : اندبندنت عربية