<p>الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ ف ب)</p>
كثُر الحديث خلال الأيام الأخيرة عن مؤتمر يالطا الذي عُقد في مثل هذا الشهر قبل 80 عاماً، حينما سمحت بريطانيا والولايات المتحدة لجوزيف ستالين بتقطيع أوصال ألمانيا قبيل هزيمتها وإعادة ترتيب الحدود الدولية بعد الحرب لمصلحته.
نتناول المؤتمر مجدداً، إذ يبدو أن شيئاً مشابهاً يحدث الآن في أوروبا، إذ بات مصير أوكرانيا بين أيدي الولايات المتحدة وروسيا.
في مثل هذه الأوقات يكون فهم التاريخ أمراً ضرورياً، فهو البوصلة التي ترشدنا إلى الحاضر وتساعدنا في الاستعداد للمستقبل، لكن من المهم أيضاً إدراك أن التاريخ لا يعيد نفسه، ولا يمكنه ذلك لأن الماضي ماض والحاضر حاضر والعالم دائم التغيير.
ومع ذلك تتكرر أنماط السلوك البشري تتكرر في شكل مميز، ومن بين هذه الأنماط أن الأزمات الاقتصادية الكبرى غالباً ما تعقبها اضطرابات سياسية.
لقد وُلدت النازية نتيجة النهاية الكارثية للحرب العالمية الأولى والمعاهدة التي تلتها لكنها ظلت بلا ثقل سياسي حتى أواخر العشرينيات، ثم صعدت إلى السلطة عام 1933 في أعقاب “الكساد العظيم” الذي أدى إلى توقف القروض الأميركية وسقوط ألمانيا في الكساد وبالتالي انهيار جمهورية فايمار الديمقراطية، وعندما تفشل السياسة التقليدية يحل محلها شيئاً أكثر راديكالية.
وبالعودة سريعاً للقرن الـ 21 حيث شهد الغرب أزمة مالية كبرى عام 2008 أعقبتها كارثة اقتصادية بسبب الجائحة، وكما هو متوقع فقد جاءت التداعيات على شكل اضطرابات سياسية وصعود الشعبوية وعودة دونالد ترمب للواجهة.
وإذا صحت التقارير فإن الرئيس الأميركي يعتزم مطالبة أوكرانيا بدفع ثمن الدعم المالي والعسكري الذي تلقته من خلال منح واشنطن حق الوصول إلى ثرواتها الهائلة من المعادن النادرة، فضلاً عن توسيع نفوذها في موانئ البلاد وبنيتها التحتية واحتياطاتها من النفط والغاز.
ما يُعرف بـ “السداد بقيمة 500 مليار دولار” قد يحوّل أوكرانيا فعلياً إلى مستعمرة أميركية، وهو سيناريو غير مسبوق في تاريخ تسويات السلام.
يمكن النقاش حول أخلاقية مثل هذه الترتيبات، ففي يالطا خلال فبراير 1945، قبِل رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل بأن يكون للاتحاد السوفياتي نفوذ في أوروبا الشرقية بعد الحرب، كما وافق على احتفاظ موسكو بالثلث الشرقي من بولندا الذي استولت عليه عام 1939 في مقابل تعويض الأخيرة بتمدد أراضيها غرباً على حساب ما كان يُعرف ببروسيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سرعان ما انتهك الاتحاد السوفياتي الاتفاق بعد فترة قصيرة من خلال فرض أنظمة شيوعية [في أوروبا الشرقية] لكن في ذلك الوقت كان الرئيس روزفلت مريضاً وعلى بعد شهرين من وفاته، وكان تشرشل يتفاوض من موقع ضعف، فقد كان فعلياً بلا قوة بعد ستة أعوام من الحرب التي قادت البلاد إلى الإفلاس، مما منعه من الحصول على أية تنازلات إضافية لمصلحة أوروبا الشرقية.
ليس الرئيس ترمب ومساعدوه في موقف كهذا، ولا تزال الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم مع أقوى جيش بصورة عامة، وهي ليست في حال حرب ولم تواجه أوكرانيا هزيمة كاملة بدلاً من ذلك، بعد ثلاثة أعوام من الحرب لا يزال 80 في المئة من أوكرانيا حراً وديمقراطياً.
كذلك لا يواجه الحلفاء الغربيون في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، بما في ذلك الولايات المتحدة، خيارات محدودة عند طاولة المفاوضات، وعوضاً عن ذلك لديهم القوة والقدرة العسكرية الجماعية لسحق روسيا إذا اختاروا ذلك.
غير أن ما يفعله ترمب ومساعدوه الآن يُعد أمراً غير مسبوق تماماً، وأود أن أزعم أنه أكثر إثارة للرعب والصدمة من “اتفاق ميونيخ” التي أُبرمت عام 1938 وسمحت بضم ألمانيا النازية إقليم السوديت التشيكوسلوفاكي أو “اتفاقية يالطا”، ومع ذلك تتماشى هذه الخطوة مع نهجه السياسي القصير النظر تماماً.
غير أن الدول ليست صفقات عقارية تجارية، أما العمل الدبلوماسي فيتطلب تدقيقاً وذكاء ومعرفة عميقة وحساسية ومن الضروري لأولئك الذين يقفون إلى جانب الديمقراطية أن يتحلوا بالمشاعر والتعاطف والرحمة تجاه الشعوب التي هم ملزمون بالتفاوض من أجلها.
ترمب لا يمتلك أياً من هذه الصفات ولديه فقط الاحتيال، مثل بوتين، ومثل ستالين قبله فهو لا يهتم إطلاقاً بالأرواح التي فقدت بالفعل أو بشعب أوكرانيا أو بحلفائه في أوروبا.
جيمس هولاند مؤرخ بريطاني ومؤلف كتاب “النورماندي عام 1944: إنزال الحلفاء وحرب تحرير فرنسا”
نقلاً عن : اندبندنت عربية