تعتبر الجزائر من أكبر مستوردي القمح في العالم، ولا سيما القمح الفرنسي، لتعلو أصوات تتحدث عن استبداله بعد أن تحصلت إيطاليا على عقد امتياز لمشروع إنتاج الحبوب بقيمة 420 مليون دولار، لكن أطرافاً تتحدث عن أن الأمر لا يتعلق بفرنسا بقدر ما هو مرتبط بتحقيق الأمن الغذائي مع تسجيل 1.4 مليون طن من الحمضيات و1.3 مليون طن من البقوليات.
مشروع إيطالي
وذكرت وزارة الفلاحة في الجزائر أن المشروع الإيطالي الذي يستهدف إنتاج الحبوب والبقوليات والعجائن الغذائية يندرج في إطار خطة وطنية لزيادة الإنتاج المحلي، مضيفة أن الإنتاج سيخصص بالكامل للسوق الجزائرية وليس للتصدير، ومشيرة إلى أن 70 في المئة من مساحة الأرض المقدرة بـ 36 ألف هكتار متر مربع، والواقعة في منطقة تيميمون وسط صحراء الجزائر، ستزرع بالقمح الصلب واللين، فيما ستخصص النسبة الباقية للعدس والفاصوليا الجافة والحمص.
وأوضحت أن المشروع المتكامل سينتج 170 ألف طن من القمح الصلب، و6 آلاف طن من العدس و11 ألف طن من الحمص، مع بعض العجائن والبذور، كما يتضمن أيضاً بناء مطحنة ومنشأة للتخزين ووحدة لإنتاج العجائن الغذائية.
لا استيراد للقمح الصلب بعد عام 2025
وباعتبارها أحد أكبر مستوردي القمح في العالم بكميات سنوية تتراوح ما بين 9 ملايين و12 مليون طن، ومن أجل خفض هذه التبعية، تعمل الجزائر على تحسين الوضع الفلاحي على المستويات كافة وعلى رأسها رفع إنتاج الحبوب، إذ كرر الرئيس عبد المجيد تبون خلال مناسبات عدة أن بلاده لن تستورد القمح الصلب إطلاقاً نهاية عام 2025، كما شددت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية على أن 2025 لا بد من أن يكون آخر عام تستورد فيه الجزائر القمح الصلب.
ولا يزال منح شركة إيطالية عقد امتياز لمشروع إنتاج حبوب بقيمة 420 مليون دولار يثير تساؤلات داخل الأوساط الفرنسية كما الجزائرية، بين من اعتبر أن الخطوة انتقام من باريس، بينما قالت أطراف أخرى إن صادرات القمح الفرنسي إلى الجزائر تتجه إلى دفع فاتورة التوتر الدبلوماسي المتصاعد وتدهور العلاقات بين البلدين، فيما تحدثت جهات عن أن الأمر يتعلق بالبحث عن تحقيق الأمن الغذائي مستدلة بخطط ومشاريع الحكومة لتنويع الموردين ورفع الإنتاج المحلي وتقليص فاتورة الاستيراد، وإنشاء مخزون إستراتيجي لمواجهة الأزمات والظروف المناخية.
عزلة فرنسا
وفي السياق قال عضو مجلس الشيوخ الفرنسي أكلي ملولي خلال جلسة مناقشات حول العلاقات الجزائرية – الفرنسية، إن الإيطاليين سيأخذون 36 ألف هكتار في الجنوب الجزائري لإنتاج القمح، وبالتالي ستحقق الجزائر الاكتفاء الذاتي وسيذهب هذا القمح أيضاً إلى إيطاليا، مما يعني أن كميات القمح التي تبيعها فرنسا ستكون أقل بكثير، مشدداً على أنه إذا لم تؤخذ هذه المسألة في الحسبان فسيؤدي ذلك إلى مزيد من عزلة فرنسا، لأن باريس ليست لها مشكلات مع الجزائر فقط، بل أيضاً مع دول أخرى.
وتحدث ملولي خلال النقاش عن التقارب الجزائري – الإيطالي والاستثمارات التي وصفها بالثقيلة في إطار “مخطط ماتاي” الموجه للقارة السمراء، إضافة إلى منافسة الأميركيين أيضاً، ومبرزاً أنه “لسنا وحدنا في أفريقيا، فهناك الأميركيون وأيضاً الإيطاليون الذين وضعوا ‘خطة ماتاي’ باستثمارات ضخمة جداً في أفريقيا عموماً وخصوصاً في الجزائر”.
مخاوف
كما صرح رئيس المجلس الفرنسي للمحاصيل الزراعية الكبرى بونوا بييتريمون لموقع “فرانس أغريكول” المتخصص بأخبار الزراعة أنه يتوقع تراجع صادرات الحبوب الفرنسية هذا الموسم بسبب تدهور العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر، مشدداً على أن سوق الجزائر مغلقة تقريباً إن لم تكن تماماً أمام القمح الفرنسي اللين نتيجة التوتر الدبلوماسي.
من جهته عبر الأمين العام للجمعية الفرنسية لمنتجي القمح فيليب هيوزيل عن مخاوفه من خسارة فرنسا حصتها التسويقية في الجزائر والصين وبعض دول الاتحاد الأوروبي، موضحاً أنه “من المؤكد أننا سنفتح المجال لمنافسينا ولا سيما في شمال أفريقيا التي كانت سوقنا المعتادة”، ومشيراً إلى ضرورة مواصلة العمل لإثبات جودة الحبوب الفرنسية.
الفرق بين فرنسا وإيطاليا
من جانبه يرى أستاذ الاقتصاد أنور ضيف في تصريح إلى “اندبندنت عربية” أن “فرنسا تعلم أن ما يحدث إنما هو عقاب جزائري مثلما حدث مع إسبانيا”، وقال إن أولى بوادر رفض القمح الفرنسي ظهرت إثر إصدار الديوان الجزائري المهني للحبوب بياناً رد فيه على تقارير إعلامية عالمية أفادت باستبعاد الموردين الفرنسيين من مناقصة لاستيراد القمح، وجاء فيه أن جولة العطاءات المعنية كانت محكومة بمعايير تقنية معينة بناء على حاجات صناعية خاصة بهذه الفترة، مشدداً أن سيناريو إسبانيا يتكرر مع فرنسا، لكن الفرق يكمن في أن فرنسا مستعمر الأمس يواجه ملفاً ثقيلاً يخص الذاكرة، مما يجعل التعامل أقسى عكس ما جرى مع إسبانيا.
ويتابع ضيف أن حصة فرنسا في السوق الجزائرية تراجعت خلال الأعوام الثلاثة الماضية بنحو 400 ألف طن مع اعتماد شروط صارمة، مشيراً إلى أن واردات الجزائر من القمح لا تقتصر على فرنسا وإنما تشمل مصادر عدة منها أوكرانيا وروسيا، ومواصلاً أن بلاده تستورد سنوياً ما يقارب 2.7 مليار دولار من القمح، ليختم أن ما يهم الجزائر هو تجاوز الاعتماد على الأسواق الخارجية للحصول على المنتجات الاستهلاكية بغية تحقيق الأمن الغذائي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خفض فاتورة الواردات الغذائية وبداية التصدير
وأطلقت الجزائر منذ عام 2000 برنامجاً للتنمية الزراعية والريفية يستهدف تحديث المزارع ودعم المزارعين وتوسيع شبكات الري بغية تحقيق الهدف، وفي حين سُجل بعض التقدم حتى عام 2018 مع ضخ 30 مليار دولار، لكن أكبر بلد في أفريقيا لا يزال يستورد كميات كبيرة من القمح والزيوت النباتية والسكر واللحوم والحليب وبعض الفواكه لسد حاجات السوق المحلية.
وبينما صرح الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أن بلاده اقتربت من تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب مما ساعد في ادخار 1.2 مليار دولار كانت موجهة لاستيراد هذه المادة، تبقى المواد الغذائية لتشكل نحو 24 في المئة من مجمل الواردات في مقابل 33 في المئة مطلع الألفية الحالية، كما أن فاتورة استيراد الأغذية تبقى مرتفعة بأكثر من 9 مليارات دولار سنوياً.
وأصبح للجزائر هامش للتحرك في فضاء التصدير الغذائي، إذ ذكرت المديرة المركزية بمديرية متابعة وترقية المبادلات التجارية في وزارة التجارة وترقية الصادرات فرح مقيدش في تصريحات للقناة الأولى للإذاعة الجزائرية، أن الجزائر صدرت عام 2023 ما قيمته 397 مليون دولار من المنتجات الغذائية، وقالت إن ” هذه المؤشرات الإيجابية تعزز الثقة والتفاؤل بقدرة المؤسسة الجزائرية على قلب المعادلة التقليدية القائمة على الاستيراد والتوجه أكثر نحو التصدير”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية