تأخذ مسألة المياه الجوفية في شمال أفريقيا حيزاً كبيراً من اهتمام الجزائر، على رغم أن الموضوع يهم تونس وليبيا أيضاً باعتبارهما يشتركان مع جارتهما الغربية في أكبر احتياطي عالمي من هذه المادة الحيوية، مما بات يثير تساؤلات حول مستقبل المنطقة بين توحيد دولها أو تأسيس تحالف يعوض “اتحاد المغرب العربي” الذي يشمل إلى جانب الجزائر وتونس وليبيا كلاً من المغرب وموريتانيا.
المياه الجوفية توحد 3 دول مغاربية
وصادق الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون وفق ما جاء في العدد الأخير من الصحيفة الرسمية، على اتفاقية ثلاثية تخص إطلاق آلية للتشاور حول المياه الجوفية المشتركة مع تونس وليبيا، على مستوى الصحراء الشمالية، وذلك بعد لقاء جمع في الـ24 من أبريل (نيسان) الماضي في العاصمة الجزائرية، وزراء الزراعة والموارد المائية بالدول الثلاث، لبحث التعاون في شأن تسيير المياه الجوفية المشتركة.
وأكد المرسوم أن دور الآلية التي سيكون مقرها الجزائر، يتمثل في التشاور حول إدارة المياه الجوفية المشتركة بين الجزائر وتونس وليبيا، تنفيذاً لمخرجات اللقاء التشاوري الأول لرؤساء الدول الثلاث، عبدالمجيد تبون، وقيس سعيد، ومحمد المنفي، بتونس في الـ22 من أبريل الماضي، وهي القمة التي أصبحت تعقد اجتماعاتها بصورة دورية بالتداول.
تفادي أزمة سياسية؟
وكشف أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عبدالكريم إيزيري، أنه يرتقب إدراج ملف المياه الجوفية ضمن المسائل المطروحة بين رؤساء الدول المعنية، ليبيا والجزائر وتونس، خلال القمة الثلاثية المقرر عقدها في طرابلس، مضيفاً أنه “تم التفطن إلى أهمية إطلاق تشاور حول المياه الجوفية المشتركة بين الدول الثلاث، لتفادي أزمة سياسية قد تهدد العلاقات المترابطة بين الدول الثلاث، لا سيما في ظل الجفاف الذي يضرب شمال أفريقيا عموماً”. وأبرز أن “الاتفاقية الثلاثية يمكن اعتبارها مفتاحاً لتجاوز أي خلافات قد تعوق استغلال المنطقة الجوفية المشتركة بين الجزائر وتونس وليبيا”.
وتابع إيزيري أن “الاتفاقية مهمة جداً بالنظر إلى أن الدول الثلاث المعنية توجد ضمن فئة الدول الفقيرة جداً من حيث الموارد المائية، وفق عتبة الندرة التي حددها البنك الدولي بـ1000 متر مكعب للفرد في العام”، مشيراً إلى أن “دول شمال أفريقيا لم تتمكن يوماً من تغطية حاجاتها الغذائية في بعض المنتجات، وبخاصة الحبوب ومشتقاتها، وأمام النمو الديمغرافي اللافت الذي تزداد معه حاجات السكان، وما قد يشكله ذلك من تهديد على استقرار الأوضاع، فإن الوصول إلى آلية لإدارة المياه الجوفية المشتركة أمر بالغ الأهمية”، وختم بأن “الدراسات تشير إلى أن عمر تلك الموارد في حال استخراج 8 مليارات متر مكعب من المياه سنوياً، يمكن أن يمتد إلى خمسة أو ستة قرون مقبلة”.
بيانات وأرقام
وتذكر بيانات وزارة الموارد المائية في الجزائر أن الحوض المشترك بين الدول الثلاث يمتد على مساحة تبلغ مليون متر مربع، وتحوي 60 ألف مليار متر مكعب من المياه الجوفية، يوجد الجزء الأكبر من الحوض في الجزائر بـ 700 ألف كيلومتر مربع، وأما ليبيا بـ260 ألف كيلومتر مربع، ونحو 60 ألف كيلومتر مربع في تونس.
ويتركز استغلال المياه حالياً، في عدد من النقاط والآبار، حيث يوجد نحو 6500 بئر في الجزائر، و1200 بئر في تونس، ونحو 1000 بئر في ليبيا، مما يجعل الكميات المستغلة تقدّر بنحو 2.2 مليار متر مكعب، منها 1.33 مليار في الجزائر، و0.55 مليار في تونس، و0.33 مليار في ليبيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نوايا التحالف
وتكشف تصريحات المسؤولين في الجزائر وتونس وليبيا عن نوايا كل طرف إزاء هذا التحالف، إذ أشار البيان الختامي الذي خرجت به قمة تونس التي جمعت الرؤساء تبون وسعيد والمنفي، أن الدول الثلاث “تسعى إلى تحقيق التكامل في مجال الأمن المائي، وبخاصة أن الموارد المائية لها أهمية كبيرة في تحقيق التنمية المستدامة، وتلعب دوراً رئيساً في الاستقرار والتنمية”، وشدد على “الضرورة الملحّة لتطوير مقاربة جديدة تهدف إلى الحفاظ على المصالح المشتركة وتعزيز التعاون والتنسيق في مجال الموارد المائية بطريقة مستدامة، مع الأخذ في الاعتبار مبدأ سيادة كل دولة على مياهها الجوفية.
في السياق، أوضح الباحث في شؤون المياه والزراعة الصحراوية أحمد بلحة، أن “هذا الاتفاق مهم على ثلاثة مستويات، إذ إنه يعطي مؤشراً إيجابياً إلى وجود إرادة لوضع التفاهمات السياسية موضع تنفيذ، ثم إنه يفتح الباب لمزيد من الاتفاقات والخطط العملية التي تسعف الاقتصاديات المحلية، وبخاصة في قضايا الطاقة والأمن الغذائي، وأخيراً فهو يسمح باستدامة التفاهم والحوار حول مسألة المياه واستغلالها، ومن ثم تحييد كل المشكلات التي قد تنجم مستقبلاً في هذا الشأن”، مبرزاً أن “التغيرات المناخية وتزايد أزمة المياه يفرض على الدول الثلاث التحول إلى استغلال القدرات المائية الكامنة، لمواجهة ذلك في المستقبل، وبخاصة مع تطور الزراعات الصحراوية، لذا هذا الاتفاق استباقي يؤمن الاستغلال العقلاني والمشترك بصورة تحفظ مصالح كل بلد”.
تمسك باتحاد المغرب العربي
وبقدر ما تتجه الأوضاع بين الدول المغاربية الثلاث نحو تحقيق تكتل جديد في الأقل اقتصادي ظاهرياً، فإن استمرار حال الجمود التي يعيشها “اتحاد المغرب العربي”، يفتح أبواب التأويلات حول الاتجاه نحو تحالف مغاربي جديد، لا سيما أن القمم الثلاثية المنعقدة في الجزائر وتونس وفي انتظار قمة طرابلس قريباً، تناولت قضايا وملفات سياسية عدة كان اتحاد المغرب العربي يدرسها قبل عام 1994 الذي شهد انعقاد آخر قمة مغاربية في تونس، مثل حماية أمن الحدود المشتركة من أخطار وتبعات الهجرة غير القانونية، والجريمة المنظمة، وقضايا التنمية.
وفي تأكيد للمخاوف حيال قيام اتحاد مغاربي جديد، خرج كل من المغرب وموريتانيا بتصريحات رافضة لكل سعي نحو “قتل” اتحاد المغرب العربي، إذ أصدر رئيسا البرلمان في البلدين، بياناً أكدا فيه تمسك الرباط ونواكشوط باتحاد المغرب العربي، وشددا على أن “التكامل المغاربي خيار لا رجعة فيه”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية