يشعر محافظ بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني) أندرو بيلي بالإحباط بسبب عدم وضوح الصورة في سوق العمل البريطانية، وهو ما يعوق اتخاذ قرارات حاسمة في شأن رفع أو خفض أسعار الفائدة، إذ أبدى بيلي أسفه الأسبوع الماضي لعدم تمكنه من “قراءة جيدة” للوضع الحالي، وذلك بسبب ضعف البيانات الرسمية.
وتوصف البيانات الرسمية بـ”المعيبة”، مما يثير تساؤلات حول صحة الأرقام، مثل معدل البطالة الذي يقدر بـ4.3 في المئة، وكذلك عدد الأشخاص “غير النشطين” في سوق العمل، وهم الأفراد غير العاملين أو الذين لا يبحثون عن عمل. وفي هذا السياق كتبت لجنة الخزانة البرلمانية إلى السلطات الإحصائية للمطالبة بتوضيحات في شأن دقة البيانات، وقدمت مؤسسة “ريزوليوشن” البحثية تقديرات تشير إلى أن ما يقارب مليون عامل قد يكونون فقدوا من تعداد العمالة الرسمي.
وتعتمد الأرقام الرسمية على “مسح القوى العاملة” الذي يجريه مكتب الإحصاء الوطني، والذي يسأل الأسر إذا كانوا يعملون أو عاطلين من العمل، ومع ذلك، تراجعت الاستجابة للمسح بصورة كبيرة خلال فترة الوباء من 39 إلى 13 في المئة بين عامي 2019 و2023، مما أدى إلى تحريف البيانات. وكانت الأسر التي ترد على المسح تميل إلى أن تكون أكبر سناً وتعيش في منازلها الخاصة، وهو ما أثر في دقة النتائج، وأصبح من الصعب الوصول إلى الأسر بعد تخفيف قيود “كوفيد”، إذ لا يجيب البعض على الاستبيانات في حال قرع جرس الباب.
ورداً على هذه التحديات بدأ مكتب الإحصاء الوطني في التواصل مع مزيد من الأسر منذ يناير (كانون الثاني) الماضي وزيادة الحوافز المالية للمشاركة، وأصبح الآن يعرض على المشاركين مبلغ 150 جنيهاً استرلينياً (187.9 دولار) بدلاً من 10 جنيهات استرلينية (12.5 دولار)، بهدف تشجيع مزيد من الأسر على الرد والمشاركة في المسح في محاولة لتحسين دقة البيانات المتاحة.
وقال متحدث باسم مكتب الإحصاء الوطني، “زدنا حجم العينة، وأعدنا إدخال المقابلات وجهاً لوجه، وزينا الحوافز للمشاركين”. والهدف هو التحول إلى مسح القوى العاملة المحول (TLFS) الذي يجرب من خلال رسائل تمهيدية تحوي رمز استجابة سريعة (QR) يمكن مسحه باستخدام الهاتف المحمول، كما أن الاستبيان أصبح أقصر ويركز على الأسئلة الرئيسة مثل حالة العمل وساعات العمل، في محاولة لتقليص وقت الاستجابة إلى 15 دقيقة. وتتلقى الأسر 10 جنيهات استرلينية (12.5 دولار) في كل مرة يملؤون فيها الاستبيان، إضافة إلى دفتر ملاحظات يحمل شعار الشركة في دعوتهم.
هذا التغيير ليس سهلاً ففي البداية كان مكتب الإحصاء الوطني يهدف إلى استخدام هذا المسح كبيانات رسمية اعتباراً من سبتمبر (أيلول) الماضي، لكن في يوليو (تموز) من هذا العام تأجل من دون تحديد جدول زمني جديد.
وقال المتحدث باسم مكتب الإحصاء الوطني، “حلنا طويل الأمد لا يزال هو مسح القوى العاملة المحول عبر الإنترنت أولاً، والذي يستهدف عديداً من الأشخاص بطرق مختلفة، ونحن حالياً في مرحلة اختبار نسخة أقصر من هذا الاستبيان، مع استجابات أولية تبدو إيجابية، كما سننشر نتائج هذا الاختبار في العام الجديد، جنباً إلى جنب مع جداول زمنية محتملة لمسح القوى العاملة المحول”.
ما الحاجة إلى إجراء المسح؟
نظراً إلى امتلاك الحكومة بيانات حاسمة عن عدد الأشخاص الذين يتلقون الإعانات وعدد الأشخاص المسجلين في كشوف رواتب الشركات، قد يبدو أن إجراء مسح من هذا النوع غير ضروري لقياس ما يحدث في سوق العمل، ومع ذلك، لا تقدم هذه البيانات الصورة الكاملة، فمن دون طرح الأسئلة، لا تعرف الحكومة الأسباب الكامنة وراء عدم عمل الأشخاص أو ما إذا كانوا يبحثون عن عمل.
وحتى باستخدام بيانات عن المستفيدين من الإعانات لا يجرى إعطاء صورة واضحة، إذ يمكن للأشخاص أن يكونوا لا يزالون يعملون ويطالبون بالإعانات، بينما قد تتغير سياسات الحكومة على مر السنين في شأن من يمكنه المطالبة بالإعانات، مما يجعل البيانات غير متسقة.
ويعد مسح القوى العاملة مفيداً لأنه يستخدم في دول أخرى، بالتالي يمكن أن يوفر مقارنات دولية، وفي بعض البلدان، تعد المشاركة في هذه المسوحات إلزامية في دول مثل بلجيكا وألمانيا واليونان وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وقبرص ولوكسمبورغ ومالطا والنمسا والبرتغال وسلوفاكيا والنرويج وتركيا.
التغييرات السكانية والمسوحات
وتؤثر التغيرات السكانية بصورة كبيرة على المسح، إذ إن الهجرة من خارج الاتحاد الأوروبي التي شهدت زيادة منذ عام 2020 تلعب دوراً كبيراً في تغييرات التركيبة السكانية، وأدى وصول الأشخاص من أوكرانيا بعد الحرب الروسية، وكذلك من هونغ كونغ بعد القمع السياسي من قبل الصين، إلى تغييرات ملحوظة في التركيبة السكانية البريطانية. وأسهمت تأشيرات العمل للأشخاص في قطاعات الرعاية الصحية والاجتماعية في زيادة الوافدين من دول غير أوروبية مثل الفيليبين ونيجيريا وغانا وزيمبابوي.
وتقول صحيفة “التايمز” إنه مع هذه التغيرات يحتاج المسح إلى تعديل الأساليب والأسئلة لتغطية هذه الفئات الجديدة بصورة أكثر دقة، خصوصاً في ما يتعلق بمعدلات العمل والمشاركة في القوى العاملة، وستشرح السلطات البريطانية، وفقاً لما هو متوقع في الشهر المقبل، كيفية تعديل المسح للتعامل مع هذه التغيرات السكانية.
قد يكون هذا التغيير أحد الأسباب التي دفعت مؤسسة “ريزوليوشن فاونديشن” إلى حساب أن 930 ألف عامل ربما يكونون غائبين عن بيانات مكتب الإحصاء الوطني. وابتكرت المؤسسة مقياساً بديلاً لمعدل التوظيف من خلال النظر في بيانات الرواتب والضرائب والسكان، والتي تتبعت مسح القوى العاملة حتى عام 2020 عندما انحرفت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب تقديرات المؤسسة قد يكون معدل التوظيف 76 في المئة بدلاً من 75 في المئة التي حسبها مكتب الإحصاء الوطني، وقد لا يبدو هذا كثيراً، لكنه يعادل نحو 500 ألف شخص إضافي في العمل.
الحكومة واستخدام “العصا والجزرة”
يعد فهم المعدل الحقيقي للعمالة مهماً لأنه يؤثر في الطريقة التي يمكن بها للحكومة استخدام “العصا والجزرة” في نظام المزايا لإغراء الناس بالعودة إلى العمل وتصميم برامج تدريبية للعاطلين من العمل، وبالنسبة إلى بنك إنجلترا فإن معرفة عدد الأشخاص العاملين والباحثين عن عمل يمكن أن يكون مؤشراً إلى ما إذا كانت هناك مطالبات بأجور أعلى، وهو ما يمكن أن يكون مؤشراً إلى التضخم، أو إظهار ما إذا كان الاقتصاد يتوسع.
هذا يعني أيضاً أن المخاوف في شأن ارتفاع “عدم النشاط” منذ الوباء قد تكون مبالغ فيها وفقاً لمؤسسة “ريزوليوشن”، وهي قضية تعتزم الحكومة معالجتها قريباً في ورقة تسمى “اجعل بريطانيا تعمل”، والتي ستحدد هدفاً للوصول إلى معدل توظيف بنسبة 80 في المئة.
وقال كبير الاقتصاديين في مؤسسة “ريزوليوشن” آدم كورليت لصحيفة “التايمز”، “هذا الهدف يسلط الضوء فقط على حقيقة أننا لا نعرف ما هو معدل التوظيف في بريطانيا بالفعل”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية