عقد مجلس النواب الهندي جلسة مهمة الأسبوع الماضي لمناسبة إتمام الدستور الهندي عامه الـ 75، وبين ضوضاء الخطابات العاطفية واتهامات المعارضة الحزب الحاكم بانتهاك الدستور خلال الجلسة، قدمت الحكومة قانون “دولة واحدة وانتخابات واحدة” الذي يعتقد بأنه أول خطوة نحو إلغاء الدستور والفيدرالية، وجرت الموافقة مبدئياً على مشروع القانون الذي قدمته الحكومة بغالبية ضئيلة، لكن رفض المعارضة أجبر الحكومة على قبول طلب إحالة القانون إلى لجنة برلمانية مشتركة قبل اعتماده، وهو أمر مخالف لنهج حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم في الماضي، كما اضطرت الحكومة إلى إعلان تشكيل لجنة نيابية مشتركة من 31 عضواً بتمثيل إلزامي من جميع الأحزاب.

لكن السؤال الذي يدور في أذهان كثير هو السر خلف تعجل الحكومة تقديم مشروع هذا القانون والرفض الشديد من قبل المعارضة لإجراء الانتخابات دفعة واحدة، ما سيقلل كُلف الانتخابات واستخدام الموارد كما يحدث في الدول المجاورة.

تقرير من 18 ألف صفحة

وشكّل الحزب الحاكم العام الماضي لجنة من تسعة أعضاء برئاسة الرئيس السابق رام ناث كوفيند، وأعدت تقريراً من أكثر من 18 ألف صفحة توصي فيه بإجراء الانتخابات كل خمسة أعوام في 28 ولاية وثمانية أقاليم اتحادية وبمشاركة 900 مليون ناخب في البلاد دفعة واحدة في الوقت نفسه، وبناء على هذا التقرير قدمت الحكومة مشروع “قانون الانتخابات الموحدة” المذكور في البرلمان.

يتفق معظم المحللين على أن الانتخابات الموحدة ستقلل كُلف الانتخابات، لكنهم في الوقت ذاته يثيرون أسئلة حول نية الحكومة تجاه مستقبل الدستور، وهل ستستطيع الأحزاب المحلية الصمود أمام تمدد الحزب الحاكم القوي في حال عقد الانتخابات الإقليمية والنيابية في الوقت نفسه، ويقول أستاذ العلوم السياسية المقيم في حيدر أباد سانجيف شيخاوات إن “ما يريده حزب ‘بهاراتيا جاناتا’ الحاكم في الواقع هو تأجيل الانتخابات داخل الولايات التي يخشى فيها الهزيمة مثل دلهي وغيرها، أو في الأقل عقد الانتخابات فيها في الوقت نفسه الذي تعقد فيه الانتخابات النيابية، إضافة إلى أن الحزب الحاكم معروف بمناهضته للنظام الفيدرالي الهندي وسعيه إلى تمركز السلطات في الحكومة المركزية، وهذا هو السبب الحقيقي وراء تقديم مثل هذه القوانين.

ويكمل سانجيف أن “الحزب الحاكم يحلم بحكم الهند حتى عام 2047، وتعتقد المعارضة بقيادة “حزب المؤتمر” أن الحزب الحاكم وظف سلطاته وآلياته خلال الانتخابات الأخيرة، وأنه في حال جرت الانتخابات في جميع الولايات في الوقت نفسه فستتمكن الحكومة من توظيف آلياتها بصورة أكبر، ولن تستطيع الأحزاب الصغيرة المحلية الوقوف أمام آليات الحكومة، والانتخابات الإقليمية الأخيرة في ولايتي هاريانا و ماهاراشترا تؤكد هذه المخاوف، إذ اتُهم الحزب الحاكم بتزوير الانتخابات.

وبحسب تقرير غير رسمي فقد جرى إنفاق 400 مليار روبية (4.6 مليار دولار) على الانتخابات البرلمانية عام 2019 التي وصفت بأنها الانتخابات الأغلى في العالم، وخلال الانتخابات الأخيرة أنفق “بهاراتيا جاناتا” أكبر قدر من الأموال خلالها مقارنة بأحزاب المعارضة، كما جرى الكشف عن حزم النقود في بيوت بعض المرشحين.

اعتراضات وتساؤلات

وتتساءل المعارضة عن قدرة الحكومة التي تعقد الانتخابات في الولاية الواحدة على خمس أو ست مراحل، على إجراء الانتخابات النيابية والإقليمية في وقت واحد ومرحلة واحدة، كما أن هناك أسئلة حول إتاحة الكوادر والآليات والهيكلة الانتخابية والموارد التي تحتاج إليها هذه العملية الانتخابية الضخمة، فهل أخذت الحكومة هذه العوامل في الحسبان، أم أنها تريد فقط تغيير الدستور وإضعاف الفيدرالية وفق أجندتها؟

وإضافة إلى اللوجستيات التي تحتاج إليها الانتخابات الموحدة فهناك عوائق قانونية أمام تنفيذ هذا القانون، إذ يتعين على نحو نصف الولايات الـ 28 التصديق على القانون في مجالسها قبل أن يصبح قانوناً، مما قد يسبب مشكلات لحزب “بهاراتيا جاناتا” بسبب أن حلفاءه أيضاً لديهم تحفظات على مبدأ “دولة واحدة وانتخابات واحدة”، كما ستحتاج الحكومة إلى تمرير القانون بغالبية الثلثين في البرلمان، وهو ما يحاول “بهاراتيا جاناتا” تحقيقه من خلال استمالة الأحزاب الصغيرة الأخرى.

ويعترض الخبراء القانونيون على أنه في حال أرادت الحكومة الإطاحة بأية حكومة إقليمية وفرض الأحكام العرفية في الولاية، فإنها ستبقى على الحال نفسه وفق القانون الجديد حتى يجري تحديد مواعيد الانتخابات للبلاد بأكملها، سواء كانت عامين أو خمسة أعوام، وقد حدث هذا مرات عدة خلال عقد الستينيات والسبعينيات عندما تمت الإطاحة ببعض الحكومات الإقليمية وعُطلت العملية الديمقراطية لأعوام، وتعرضت بعد ذلك حكومة “الكونغرس” لانتقادات واسعة لأن مثل هذه الإجراءات تؤدي إلى إضعاف النظام الفيدرالي، وحينها جرى تشكيل لجنة حكومية لتعزيز الفيدرالية ومنح مزيد من الصلاحيات للولايات، لكن توصياتها ظلت حبراً على ورق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول “الكونغرس” إن حزب “بهاراتيا جاناتا” يريد التلاعب بالدستور من خلال هذا القانون لإحلال نظام غير ديمقراطي في البلاد، وسلب حقوق الشعب وإرساء أسس نظام استبدادي.

يذكر أن الحكومة نجحت من خلال تقديم هذا القانون بتشتيت انتباه الإعلام والمعارضة عن القضايا المالية والأمور المهمة الأخرى التي كانت تثار بقوة داخل البرلمان، وتشير التقارير إلى أن الحكومة أوعزت لوسائل الإعلام المقربة منها بالتركيز على قضية الانتخابات الموحدة وغض النظر عن اتهامات إثارة الكراهية ضد المسلمين والتلاعب بالدستور من قبل المعارضة.

يدرك حزب “بهاراتيا جاناتا” أنه خلال فترته الثالثة لا يتمتع بالقوة نفسها التي كان يمتلكها خلال الفترات السابقة حين كان يغير الدستور بجرة قلم، وليس لديه غالبية الثلثين في البرلمان، كما أن المعارضة ليست ضعيفة ولا يمكن السيطرة عليها من خلال تلفيق قضايا زائفة على قياديها، لذا تحاول الحكومة الأخذ بزمام الأمور وتوجيه الرأي العام بطرق غير مباشرة، وستكون الأيام المقبلة مليئة بالمناكفات السياسية في مجلس نيابي متساوي القوى بين الحكومة والمعارضة.

 نقلاً عن “اندبندنت أوردو”

نقلاً عن : اندبندنت عربية