اللغة كالكائن الحي تولد تكبر وتتطور، وقد تموت أو تعيش لقرون ما دام هناك من ينطق بها ويحافظ عليها ويتأكد من مواكبتها التطورات، وأحياناً تذهب اللغة في سبات وتبقى في الكتب والآثار الإنسانية.

ومما لا شك فيه أن اللغة العربية – كأية لغة أخرى – مدينة بكل شيء تقريباً للتطور الاجتماعي والتاريخي الذي شهدته المجموعات السكانية الناطقة بها في الجزيرة العربية، أي موطنها الأصلي. ولولا ثورة نبي العرب محمد بن عبدالله (ص) وانتشار دعوته بلسان العرب واحتضانها من كثير من الشعوب المجاورة، وقيام هذه الأخيرة بالإبداع والإنتاج الفكري بلغة الضاد، لما كانت اللغة العربية حية اليوم ومترامية الحدود من الخليج إلى الأطلسي.

وتمتلك اللغة العربية كغيرها من اللغات وخصوصاً السامية ميزات خاصة بها، إحداها مثلاً – ومنها جاءت تسمية “لغة الضاد” – “أحرف التفخيم” وهي الصاد والضاد والطاء والظاء، التي يصعب نطقها للمتكلمين بغير اللغات السامية، أو حرف العين مثلاً الذي يعاني غير الناطقين باللغة لإصدار صوته من حناجرهم.

أصوات مفقودة

ومن خصائص اللغات أيضاً غياب بعض الأصوات من أبجديتها. منذ قرون ونحن نعيش في عالم انتقلت فيه الاختراعات الحديثة والإبداعات الطبية والتكنولوجية وغيرها إلى الغرب الأوروبي أو الأميركي وأحياناً إلى الصين واليابان وبعضه في روسيا. وهذه الاختراعات الجديدة تحمل لنا أسماء جديدة غالباً ما لا يكون لها مرادف بالعربية، وبالتالي يمنح لها اسمها الأجنبي – خصوصاً مع الانتشار العالمي للأسماء الحديثة عبر الشبكة العنكبوتية – كما هو لكن مكتوباً بالحروف العربية.

كل تغيير هو تهديد للأصالة لكن التاريخ يعلمنا أن لا شيء يقف أمام التطور     محمد طرزي

في المقابل هناك كثير من الشعوب التي تبنت الأبجدية العربية ولكنها حافظت على كامل الأصوات في لغاتها، مثل التركية خلال حقبة العثمانية والفارسية والبشتو والأردية وغيرها، عبر إضافة عدد من الحروف الجديدة.

بعض هذه الحروف، المعروفة بالمشتقة وأهمها (ڠ-ڨ-پ)، يمكن رؤيتها بصورة خجولة في بعض الكتابات غير الرسمية في عدد من البلدان العربية الأفريقية. أصوات هذه الأحرف الثلاثة تحديداً يمكن أن تسهل كتابة كثير من الكلمات الأجنبية أو ذات الأصل الأجنبي بدلاً من تحريف نطقها من خلال الأبجدية التقليدية.

ومن الأمثلة على ذلك:

“ڠ” – ڠيتار Guitar، وتلفظ هنا مثل الجيم المصرية.

“ڨ” – ڨينوس Venus، وتلفظ بصورة أكثر حدة ووضوحاً من الفاء العادية.

“پ” – پيتزا Pizza، وهي الباء الثقيلة التي لا مقابل صوتياً لها بالعربية إلا أحياناً إذا جاء بعد الباء حرف التاء، مثل: ابتسم، ابتهل.

تطور طبيعي

الكاتب المصري أحمد همام يرى أن إدخال الحروف المشتقة إلى اللغة هو التطور الطبيعي للأمور، ومحاولة لمواكبة التقدم العلمي ولتقعيد الأصوات التي ليست في أصل اللغة.

ويقول لـ”اندبندنت عربية”: “هو تطور سنخضع له شئنا أم أبينا، واللغة كائن حي كما هو معلوم، وكان حرف مثل (ج) على حد علمي، في العربية القديمة، ينطق مهجوراً غير معطش، يعني ما نسميه الآن بالجيم القاهرية أو اليمنية أو المعافرية. ثم مع التطور، وتزحزح اللغة، وقبولها المكونات والأصوات القادمة من شمال شبه الجزيرة العربية، تحول الصوت من الجيم غير المعطشة إلى الجيم المعطشة، وتم نبذ الجيم المهجورة وصارت خارج حدود ’الفصيح‘ من اللغة، مع أننا نستخدمها في كلمات كثيرة، بل هناك شعوب عربية كاملة تستخدمها مثل المصريين والعمانيين وقطاع من اليمنيين”.

ويوافق هذا الرأي الكاتب اللبناني محمد طرزي الذي أشار إلى أن إدخال الحروف المشتقة هو امتداد لتطور اللغة وأمر شائع في اللغات المختلفة.

وأضاف في حديثه لـ”اندبندنت عربية”، “اللغات المرتبطة بالأمم الأقل تطوراً تجد نفسها مضطرة أكثر من سواها إلى إدخال تلك الحروف إلى أبجديتها، بحكم أن الابتكارات والإنجازات العلمية المستحدثة نتائج حضارة أخرى لها لسان مختلف”.

مع ذلك من غير المستبعد أن تثير إدخالات كهذه في اللغة حفيظة “حراس التراث”، والتيارات المحافظة في علوم اللغة الذين يعاملونها على كونها من المقدسات.

إدخال الحروف المشتقة إلى العربية سيسمح باستقبال أصوات يندر أن نسمعها في العربية       أحمد همام

وفي هذا الصدد لا يرى همام، صاحب “موت منظم”، أن هذه العملية هي إصلاح للغة لأن “العربية ليست معطوبة”، ويضيف “من هذا المنطلق لا أرى أن إدخال الحروف المشتقة إلى العربية سيسلب أي شيء من الهوية والثقافة، وإنما يسمح لهم باستقبال أصوات يندر أن نسمعها في العربية مثل ’الباء الثقيلة P‘، وهذا بلا شك مما يثري اللغة”.

تهديد للأصالة؟

كما الحال مع أي تغيير أو تطوير، تبرز معضلة الحفاظ على الأصالة في مقابل مواكبة متطلبات العصر.

ويعتبر طرزي، صاحب “ميكروفون كاتم صوت”، أن “كل تغيير هو تهديد للأصالة، لكن التاريخ يعلمنا أن لا شيء يقف أمام التطور. هناك في كل مكان حراس للهيكل، يؤخرون التكيف مع العصر، لكنهم لا يحولون دون وقف عجلة الزمن القائمة على تبدل كل شيء”.

ويؤيده همام قائلاً، “هي بكل تأكيد فرصة لمواكبة العصر، أصالة العربية محسومة في نقوش تكاد تقارب ألفي عام وقصائد لا يقل عمرها عن 1700 عام. العربية ذات جذور ضاربة في العمق، ولا يوجد ما يهدد أصالتها في إدخال حروف مشتقة، واشتق رسمها في الأساس من رسم الحروف الأبجدية العربية، لا مشكل أبداً في ذلك”.

وفي الختام يشير طرزي إلى إحدى مفارقات زماننا الحالي قائلاً، “أخبرني والد أحد الأصدقاء أنه كان ممن رشقوا الشاعر سعيد عقل بالبيض، لأنه تجرأ على طرح فكرة استبدال الحرف اللاتيني بالعربي. ماذا حصل بعد عقود من تلك الحادثة؟ وجد أحفاده يستخدمون الحرف اللاتيني بدلاً من العربي في محادثات الواتساب وعلى صفحات التواصل الاجتماعي”.

تواصلت “اندبندنت عربية” مع مجمع اللغة العربية في القاهرة للتعليق على الموضوع.

نقلاً عن : اندبندنت عربية