قد تفاجئك الإجابة على سؤال كم من الوقت يتوقع المستهلكون أن تستمر منتجاتهم التكنولوجية والغذائية نظراً إلى الطرق التي تغيرت بها توقعات المستهلكين على مدى الأعوام الـ 20 الماضية وانحدارها بصورة دراماتيكية.

وفي ظل العصر الاستهلاكي الذي نعيشه يعمد بعض المصنعين إلى تصنيع منتجات بطرق تجعل عمرها قصيراً مما يزيد الحاجة إلى الاستهلاك المستمر، وهكذا أضحت أعمار كثير من المواد الغذائية المصنعة وأجهزة الكمبيوتر والهواتف وأجهزة التلفاز والطابعات وغيرها من الأجهزة الحديثة أقصر فأقصر، واكتسب مصطلح “التقادم المخطط” الذي يرمز إلى تقصير عمر المنتجات عمداً شعبية خلال الفترة الأخيرة بين المستهلكين.

ما هو “التقادم المخطط”؟

“التقادم المخطط” يكون عبر ممارسة تصميم وإنتاج منتجات ذات عمر افتراضي قصير بحيث يضطر المستخدمون إلى استبدالها قبل الأوان، وهي سياسة يجري بموجبها تصنيع أو بناء منتج بخصائص هشة عمداً، وعلى هذا النحو يكون للمنتج عمر افتراضي قصير ويصبح قديماً أو غير صالح للأكل أو للاستخدام بعد فترة محددة مسبقاً، وباختصار يجري تصنيع المنتج كي يخرج من السوق بسرعة كبيرة وتزيد وتيرة الاستهلاك.

ويمكن القيام بذلك بطرق عدة مثل استخدام مواد منخفضة الجودة أو جعل المنتجات صعبة الإصلاح أو إصدار نماذج محدثة من المنتجات بتغييرات طفيفة، وقد اقترح تاجر العقارات الأميركي برنارد لندن للمرة الأولى فكرة “التقادم المخطط” خلال عشرينيات القرن الـ 20، من طريق خطة يجري بموجبها تحديد تاريخ انتهاء صلاحية للمنتجات ليتعين على العملاء استبدالها بنموذج جديد، مؤكداً في الوقت عينه أن القيام بذلك من شأنه أن يقلل الهدر ويعزز التقدم الاقتصادي.

وأصبح “التقادم المخطط” خلال الأعوام الأخيرة تكتيكاً أكثر شراسة خصوصاً عندما تقوم الشركات عمداً بإنشاء منتجات تتعطل أو تصبح قديمة بسرعة، وبسبب هذا الأمر يضطر العملاء إلى ترقية واستبدال منتجاتهم بانتظام، وتهدف هذه السياسات والإستراتيجيات إلى زيادة أحجام المبيعات من خلال تحفيز أو حتى فرض إعادة الشراء بسبب تقصير عمر المنتج، مما يتطلب استبداله أو ترقيته بصورة متكررة ويزيد أرباح الشركات.

وكي ينجح “التقادم المخطط” يجب أن يكون لدى الشركة المصنعة للمنتج قاعدة قوية من المستهلكين تميل إلى شراء منتجات مماثلة من المصدر نفسه، وتستطيع الشركات التكاتف والتلاعب بالأسعار لمصلحتها خصوصاً مع سيطرة عدد صغير منها على جزء كبير من السوق.

المنتجات الغذائية

بدأ المصنعون في أوائل القرن الـ 20 طباعة معلومات البيع على المنتجات الغذائية، ففي البداية كان التاريخ يكتب بالرموز وكان على موظفي التجزئة مطابقة كل رمز بتاريخ من خلال استخدام مفتاح غير مفهوم للعملاء، وبعدها بأعوام وتحديداً خلال سبعينيات القرن الـ 20 طالب المتسوقون في محال البقالة بمزيد من المعلومات حول جودة الطعام، وتحت ضغط من النشطاء بدأ مصنعو الأغذية في وضع تواريخ الصلاحية على ملصقاتهم.

وفي دراسة أجرتها “وزارة الزراعة الأميركية ومعهد بحوث المستهلك” عام 1973، خلص الباحثون إلى أن وضع تاريخ انتهاء الصلاحية على المنتجات الغذائية خفض بمقدار النصف عدد شكاوى المستهلكين من شراء طعام فاسد، وتشير بعض الدراسات الحديثة من دول متفرقة إلى أن مدة صلاحية كثير من المنتجات الغذائية أصبحت أقصر من الأعوام الماضية، مما يعني من الناحية النظرية دفع الشركات الناس نحو شراء حاجاتهم الغذائية بمعدلات أسرع فتزيد بذلك أرباحها.

ويمكن أن يكون تقليل مدة الصلاحية متعمداً أو غير مقصود، وعلى سبيل المثال قد يقلل المصنّع مدة صلاحية المنتج لزيادة المبيعات أو تتسبب كارثة طبيعية في تلف المنتج قبل استهلاكه، كما يمكن أن يؤدي “التقادم المخطط” في صناعة الأغذية إلى إهدار الطعام، إذ يضطر المستهلكون إلى استبدال المنتجات الغذائية بصورة متكررة ويكونون أكثر عرضة للتخلص من الطعام الفاسد.

صناعة التكنولوجيا والإلكترونيات

يشتهر قطاع التكنولوجيا باستغلال “التقادم المخطط” وغالباً ما يستخدم المصنعون إستراتيجيات مختلفة لإقناع العملاء بترقية أو شراء منتجات أحدث بدلاً من إصلاح أو صيانة المنتجات غير العصرية، فالكيابل والشواحن التي عادة ما تكون غير متوافقة مع الأجهزة الأخرى هي خير مثال على ذلك، فكلما أراد العملاء ترقية أجهزتهم إلى طرز أحدث أو التحول إلى علامة تجارية مختلفة سيتعين عليهم شراء شواحن جديدة.

واستخدام مواد دون المستوى هو أحد التكتيكات التي تتبعها بعض الشركات، فتستخدم البلاستيك غير المكلف بدلاً من المعدن الذي يجعل الجهاز أقوى وأكثر مرونة، كما أن متوسط العمر المتوقع للهواتف الذكية وغيرها من الأدوات الإلكترونية المحمولة محدود بسبب بطارياتها الحساسة أو مكوناتها التي تتلف بسهولة.

ومن الأمثلة الرئيسة على ذلك شاشات عرض الهاتف المحمول والتي تحوي كابلات شريطية ضعيفة تنكسر بسهولة، مما يجعل الشاشة أو ربما الجهاز بالكامل غير صالح للاستخدام ويفرض على المستخدم استبداله بسرعة.

وتعد البطاريات مثالاً شائعاً آخر، إذ تفقد قدرتها على الاحتفاظ بالشحن مع مرور الوقت مما يؤثر سلباً في تشغيل الجهاز، وإحدى الإستراتيجيات التي يستخدمها المصنعون هي تصميم أجهزة مثل الهواتف أو الأدوات الكهربائية أو فرشاة الأسنان الكهربائية بطريقة لا يستطيع المستخدم فيها استبدال البطارية، فيجري تزويد الجهاز بصورة دائمة ببطاريات “ليثيوم أيون”، وبالتالي فإن الجهاز له عمر افتراضي محدود بسبب بطاريته الحساسة، ويصبح بالكامل عديم الفائدة عند تعطل البطارية وسيجد المستهلك نفسه حينها مضطراً إلى شراء جهاز جديد.

ويصمم المصنعون أجزاء باهظة الثمن أو يصعب الوصول إليها أو استبدالها مما يجعل عملية الشراء الجديدة أكثر فعالية من حيث الكلفة، ومن الأمثلة على ذلك الطابعات النافثة للحبر ذات رؤوس الطباعة القابلة للإزالة والتي تساوي كلفة إصلاحها سعر الطابعة الجديدة، وبالتالي يضطر المستهلك إلى الحصول على طابعة جديدة كاملة.

ولعل أبرز الدراسات التي أجريت في هذا الخصوص كانت من قبل “الوكالة الفيدرالية للبيئة الألمانية” وغطت ما بين عامي 2004 و 2012، وسعت إلى تحديد ما إذا كانت الأجهزة يجري استبدالها حتى لو كانت لا تزال تعمل، وما إذا كان هذا بسبب سلوك المستهلك، أو ما إذا كان المصنعون يتعمدون تقصير عمر منتجاتهم، ووجدت الدراسة أن متوسط عمر أجهزة التلفزيون التي يجري استبدالها يتراوح ما بين خمسة وستة أعوام وحسب في عام 2012، في حين كان متوسط عمر أجهزة التلفزيون القديمة من عام 2005 إلى ما قبل عام 2012 بين 10 و12 عاماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صناعة الألبسة

تمثل صناعة الألبسة جزءاً رئيساً من حياتنا اليومية ونريد جميعاً مواكبة أحدث الاتجاهات والأنماط، لذا تعمل بعض الشركات على تصميم ملابس ذات عمر افتراضي محدود، إما من خلال مواد منخفضة الجودة أو من خلال خلق اتجاه سيخرج بسرعة من الموضة، وتهدف هذه الممارسة إلى تشجيع المستهلكين على شراء ملابس جديدة بصورة متكررة مما يؤدي إلى زيادة مبيعات شركات الأزياء.

ويعود مفهوم “التقادم المخطط” في الموضة إلى عشرينيات القرن الـ 20 عندما بدأ مصممو الأزياء في إنشاء مجموعات جديدة كل موسم، واستمر هذا الاتجاه في النمو خلال العقود التالية مع انتشار الموضة السريعة بصورة أكبر خلال تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الـ 21.

وتعتبر شركات تجزئة الأزياء السريعة من الأمثلة الأكثر شهرة لـ “التقادم المخطط” في الموضة، إذ تصنع هذه الشركات ملابس مصممة لارتدائها مرات عدة ثم التخلص منها، مما يؤدي إلى حاجة المستهلك المستمرة إلى عناصر جديدة.

التأثيرات في المستهلكين والبيئة

يمكن أن يؤثر “التقادم المخطط” في العملاء بشدة على المستوى النفسي والمالي، وقد يكون استبدال المنتجات بانتظام مكلفاً وخصوصاً بالنسبة إلى أولئك الذين لديهم دخل متواضع، ونظراً إلى أن المستهلكين يشعرون بالاستغلال فإن هذا يولد عدم الرضا وعدم الثقة تجاه الشركات.

وإضافة إلى ذلك قد ينتج من “التقادم المخطط” انخفاض في جودة المنتج، فعندما تعطي الشركات الأولوية للإيرادات قبل الجودة فمن المرجح أن تتلف منتجاتها أو تتعطل مما يؤثر في رضا العميل.

ولـ “التقادم المخطط” تأثير كبير في البيئة، إذ تعد مشكلة القمامة الإلكترونية المتنامية نتيجة مباشرة للإنشاء والتخلص المستمر من العناصر، ومع أكثر من 50 مليون طن يجري توليدها سنوياً توصف النفايات الإلكترونية بأنها مجرى النفايات الأسرع نمواً في العالم.

ويمكن أن تكون المركبات الخطرة الموجودة في النفايات الإلكترونية ضارة بالبيئة والصحة البشرية إذا جرى التخلص منها بصورة غير صحيحة، وتشير الدراسات العلمية إلى أن الموضة السريعة وإنتاج الأقمشة الاصطناعية، مثل البوليستر، يتطلب كمية كبيرة من الطاقة والموارد، ويسهم استخدام هذه الموارد في استنفاد الموارد الطبيعية وإطلاق الغازات المسببة للانحباس الحراري في الغلاف الجوي.

وتنتج الموضة السريعة كمية هائلة من نفايات الملابس المهملة إلى مواد التغليف، وفي الولايات المتحدة وحدها ينتهي الأمر بنحو 11 مليون طن من المنسوجات في مكبات النفايات كل عام، فتسهم بذلك في تلوث الهواء والماء والتربة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية