بعد حصار دام أكثر من عام ونصف العام، أصبح فك الحصار عن القيادة العامة للجيش السوداني وسط العاصمة السودانية الخرطوم على مرمى حجر وفي حكم الأمر الواقع، بعد التقاء جيشي منطقتي وادي سيدنا والكدرو بقوات سلاح الإشارة بحري، مما يعني عملياً قرب فك الحصار المضروب على القيادة العامة للجيش بواسطة قوات “الدعم السريع” منذ ما يقارب عامين، منذ بدء الحرب منتصف أبريل (نيسان) 2023.

وأكد تعميمٌ صحافيٌّ لمكتب الناطق الرسمي باسم الجيش أن قواته أكملت المرحلة الثانية من عملياتها، بالتقاء قوات محور الخرطوم بحري مع قواته المرابطة في القيادة العامة شرق الخرطوم.

وهنأ التعميم القوات في كل محاور القتال بهذا الانتصار المتزامن مع دحر هجوم قوات الميليشيات على مدينة الفاشر الصامدة بدارفور.

 التحام وتظاهرات

وخرجت مسيرات وتظاهرات بثها التلفزيون الرسمي السوداني في أم درمان وبورتسودان ومدن أخرى عدة، احتفالاً بالتقاء جيشي أم درمان والكدرو مع سلاح الإشارة، وقرب فك الحصار عن القيادة العامة.

وأوضحت مصادر ميدانية بدء الالتحام بالتقاء الجيوش وفك حصار القيادة العامة للجيش، تزامناً مع وصول رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان في جولة تفقدية على الخطوط الأمامية لمتحرك المصفاة بمنطقة الجيلي، شمال الخرطوم بحري.

وأوضحت المصادر أن قوات “الدعم السريع” بدأت الانسحاب من محيط القيادة العامة بعد الالتحام مباشرة، وبخاصة قواتها في شرق المطار بمنطقة بري وامتداد ناصر ودار ومستشفى الشرطة وجامعة الرباط الوطني، نحو أطراف شرق النيل.

وتزامن اقتراب كسر الحصار عن القيادة العامة شرق العاصمة الخرطوم اليوم الجمعة الـ24 من يناير (كانون الثاني) الجاري، بعد قرابة عامين أيضاً مع صد هجوم كبير متعدد المحاور شنته قوات “الدعم السريع” على مدينة الفاشر عاصمة دارفور.

“الدعم” تنفي

من جانبها، نفت قوات “الدعم السريع” في بيان لها حقيقة الالتحام في سلاح الإشارة، وما وصفته بـ”محاولات اختلاق معارك وهمية وتحقيق انتصارات مزعومة بنشر فيديوهات مفبركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ضمن فصول أكاذيب تضليل الشعب السوداني”. وأضاف البيان “تحاول غرف وأبواق الفلول مدفوعة الأجر بث الإشاعات من حين إلى آخر، بغرض تضليل الرأي العام وطمأنة أنصارهم المهزومين نفسياً، ورفع الروح المعنوية لقواتهم التي تتجرع الهزيمة تلو الأخرى”.
وأشار البيان إلى أن “الحقيقة هي أن قوات “الدعم السريع” حققت انتصارات عظيمة في جميع جبهات القتال، بما في ذلك محاور الخرطوم بحري حيث سلاح الإشارة”.

انتصارات المحاور

وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية وزير الثقافة والإعلام خالد الإعيسر “إن انتصارات جيشنا القوي في الخرطوم بحري والفاشر، وفي كردفان وعدد من محاور القتال تمثل نقطة فارقة في مسيرتنا نحو استعادة الأمن والاستقرار لوطننا الحبيب”.

وجاء في منشور معمم للوزير أن “التماسك الشعبي والإرادة القوية هما الدافع الأساس الذي يعطينا الثقة لجيشنا وكل الشعب السوداني بأن النصر قريب”.

ووصف الإعيسر تقدم الجيش مع القوات المساندة والمستنفرين بأنه “شهادة حية على وحدة شعب السودان، وصلابته في الدفاع عن أرضه وكرامته”.

وأكد الناطق باسم الحكومة أن “الجيش يتقدم بكل عزم وقوة في عدد من المحاور، بينما الميليشيات تنهار ليل نهار، وسيستمر المسير بعزيمة لا تلين حتى القضاء على كل الميليشيات والتمرد والمرتزقة وأعوانهم في الداخل والخارج حتى يتحقق النصر الكامل ويوعد للوطن السلام”.

هجوم وصمود

أما على المحور الغربي وفي أعقاب تحذيراتها وإمهالها قوات الجيش و”المشتركة” مدة 48 ساعة لمغادرة مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور، شنت قوات “الدعم السريع” هجوماً متعدد المحاور على المدينة. واستمرت المواجهات مع قوات الجيش والقوات المشتركة المدافعين على المدينة، لأكثر من ست ساعات بعد فجر اليوم الـ24 من يناير الجاري.
وأكد حاكم إقليم دارفور قائد حركة جيش تحرير السودان المشرف العام للقوات المشتركة مني أركو مناوي أن “الجيش والقوات المشتركة تمكنوا من صد هجوم كبير تعرضت له مدينة الفاشر من خمسة محاور، في لحظة واحدة”. وأضاف مناوي مغرداً عبر حسابه على منصة “إكس”، “هاجمت الميليشيات الفاشر من خمسة محاور في لحظة واحدة، لكن القوات المسلحة والمشتركة المقاومة الشعبية لقنتهم درساً جعلهم يجرون ذيول الخيبة. إن قواتنا ترصد وتراقب وإن عادوا مجدداً للهجوم فمرحباً بهم”.

ومن جانبها، أفادت “تنسيقية لجان مقاومة الفاشر” اليوم باندلاع اشتباكات خلال ساعات الصباح، مشيرة إلى أن وتيرة الاشتباكات تراجعت خلال الساعات الماضية مع استمرار سماع أصوات الرصاص بصورة متقطعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الهجوم 171

في الموازاة، قال بيان للقوات المشتركة إنها تمكنت في “ملحمة بطولية جديدة” مع قوات الجيش وشرطة ولاية شمال دارفور، والقوة الشعبية للدفاع عن النفس (قشن) والمقاومة الشعبية وميارم الفاشر وجهاز الأمن والاستخبارات، والاحتياط المركزي والمستنفرين من أبناء الفاشر من “التصدي للهجوم رقم 171 من ميليشيات “الدعم السريع” لاختراق مدينة الفاشر من خمسة محاور مختلفة، مع قصف مدفعي مكثف على الأحياء ومراكز الصحة والإيواء ومعسكرات النازحين”. وأضاف البيان “حاولت الميليشيات الهجوم من المحاور الجنوبية والشرقية والشمالية والغربية والجنوبية الشرقية خلال وقت متزامن، إلا أن قواتنا تصدت للهجوم بقوة وشجاعة، وكبدتهم خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وأجبرتهم على الفرار إلى خارج المدينة تاركين خلفهم مئات الجثث متناثرة في أطراف المدينة وداخل شوارعها وطرقاتها”.

وحذرت القوات المشتركة في بيانها “الدعم السريع” من “مغبة تكرار محاولاتها الفاشلة”، ودعت عناصرها إلى “وضع السلاح والخروج من المناطق السكنية الآمنة في القرى والمدن، وتسليم أنفسهم للاستفادة من قرار العفو العام عمن كل من يضع السلاح الصادر عن رئيس مجلس السيادة الانتقالي”.

لكن “الدعم السريع” أعلنت من جانبها عبر حسابها على “إنستغرام” استسلام العشرات من أفراد القوات المشتركة لقواتها في شمال دارفور.

عودة الحكومة

وفي السياق، أشار المحلل العسكري إسماعيل يوسف إلى أنه ومنذ انفتاح الجيش وعبور قواته للجسور الثلاث نحو الخرطوم ظلت قوات “الدعم السريع” في حال استنزاف مستمر ومحرومة من وصول أية إمدادات بشرية أو بالعتاد سوى قليل من بعض جيوبها في شرق النيل، التي ظل الطيران يتعامل معها بطلعات جوية يومية ودقيقة. وأضاف أن “فك الحصار عن القيادة العامة يعني تلقائياً التقدم في معركة محور وسط الخرطوم الذي يضم القصر الجمهوري والوزارات ودواوين ومرافق الدولة الحيوية، ويفتح الباب أمام تحرير كل العاصمة وعودة الحكومة المركزية إلى العاصمة الخرطوم. والسيطرة على وسط الخرطوم تعني انهيار جميع قوات ’الدعم السريع‘ المتبقية سواء في وسط أو أطراف الخرطوم”.

الصبر الاستراتيجي

وعَدَّ يوسف أن “القيادة العامة تمثل رمزية ووقعاً خاصاً لدى الشعب والجندي السوداني، مما يجعل كسر حصارها أشبه بكسر قيود مارد سيمثل بداية تحرير كامل ولاية الخرطوم العاصمة”. وأضاف “لقد كانت استراتيجية الجيش منذ البداية هي ما يمكن تسميته الصبر الاستراتيجي، وعدم الانجرار وراء مخطط قوات ’الدعم السريع‘ باستدراجه للانخراط معها في حرب شوارع منذ اليوم الأول، لأن ذلك هو ما كانت تخطط له تلك القوات”.
وزاد أن “حرب الشوارع كانت ستحرم الجيش من استخدام عدد من أسلحته الاستراتيجية، لكنه اتجه نحو خطة النفس الطويل والاستنزاف طويل الأمد، وتمكن أخيراً من امتلاك زمام المبادرة مما يعد إنجازاً عسكرياً كبيراً”.

القيادة العامة

ويقع مقر القيادة العامة وسط العاصمة بجوار مطار الخرطوم الدولي، ويتكون من خمسة أقسام هي مباني رئاسات القوات البرية والقوات البحرية والقوات الجوية، إلى جانب مبنيي وزارة الدفاع والاستخبارات العسكرية، ويضم المقر بيت الضيافة الذي يقيم فيه عادة القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية.

وأُنشئت القوات المسلحة السودانية عام 1925 وشاركت وحدات منها في الحرب العالمية الثانية، ولها عقيدة قتالية تقوم على أساس الدفاع عن الوطن والحفاظ على سيادته ووحدته الوطنية، وتتمتع بنظام وانضباط عسكري صارم وتقوم بمهام مدنية تتمثل في تقديم المساعدات أثناء الكوارث الطبيعية وحفظ الأمن في حال الأوضاع الأمنية المضطربة، وحُدد سن الخدمة العسكرية عند 18 سنة.

وخاض الجيش السوداني معارك لمدة تزيد على 50 عاماً خلال الحرب الأهلية في جنوب السودان منذ أغسطس (آب) 1955 إلى عام 2005، انتهت بتوقيع “اتفاق نيفاشا” للسلام.

وأسهم الجيش السوداني عندما كان تحت اسم “قوات دفاع السودان” في الحرب العالمية الثانية. وكذلك أسهمت القوات المسلحة السودانية في حرب أكتوبر العربية الإسرائيلية عام 1973.

تنظيم الجيش

وتتكون البنية التحتية للقوات المسلحة السودانية من قوة عسكرية كبيرة تتمثل في مصانع للمدرعات والآليات الثقيلة ومصانع للأسلحة والذخائر وموارد بشرية تشمل أفراداً مدربين في مجالات عدة ذات صلة بالنشاط العسكري والحربي.

وتنظيمياً، تتكون القوات المسلحة السودانية من ست قيادات إقليمية رئيسة، هي القيادة المركزية في الخرطوم والقيادة الشرقية في القضارف، والقيادة الغربية في الفاشر والقيادة الوسطى في الأبيض والقيادة الشمالية في شندي، وكانت القيادة الجنوبية في جوبا قبل انفصال الجنوب عام 2011، وتتبع لتلك القيادات لواءات وحاميات متعددة داخل عواصم المحليات وبعض المدن الاستراتيجية.

نقلاً عن : اندبندنت عربية