بقدر ما تشتد الأزمة السياسية والدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا تتضاعف في الوقت عينه التساؤلات حول تداعياتها على المجال الاقتصادي الذي كان حتى وقت قريب أحد أعمدة العلاقات الثنائية بين البلدين.

مؤشرات اقتصادية وتجارية

يبدو أن مؤشرات الأوضاع الاقتصادية والتجارية بين الجزائر وفرنسا بدأت تتأثر بتدهور العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتي تزداد حدة بعدما طاولت ملفات عدة، بخاصة أن ما يجمع العاصمتين اقتصادياً وتجارياً كبير ولافت، إذ تجاوزت المبادلات التجارية بينهما 11 مليار دولار سنوياً خلال السنوات القليلة الماضية، واحتلت باريس المرتبة الأولى من حيث صادرات الزراعة والمواشي إلى الجزائر بقيمة 1.3 مليار يورو (نحو 1.362 مليار دولار) في 2022، لكن انخفضت في نهاية 2023 لتصل إلى 628 مليون يورو (نحو 657,905 مليون دولار) فقط.

أما في مجال الحبوب، وبعدما كانت فرنسا تصدر ما يقارب 5.4 مليون طن من هذه المادة الغذائية الحيوية إلى الجزائر في 2018، أي نحو 80 إلى 90 في المئة من حاجاتها، انخفضت الكمية إلى 2.1 مليون طن في 2021، ثم إلى 608 آلاف طن في عام 2023، كما تراجعت صادرات المواشي والأبقار الحلوب واللحوم إلى 73 مليون يورو (76,488 مليون دولار) في 2023، ويصل إلى الصفر تقريباً في 2024، بعدما بلغت قيمة 167 مليون يورو (نحو 174,963 مليون دولار) في 2022.

ضرب تحت الحزام اقتصادياً

وتصدرت الجزائر المرتبة الثانية في قائمة البلدان الأفريقية الشريكة تجارياً لفرنسا، كما احتلت فرنسا المرتبة الثانية في قائمة الموردين إلى الجزائر خلال 2020، بنسبة واردات قدرت بـ6.10 في المئة، والمرتبة الثانية في قائمة العملاء بعد إيطاليا بنسبة صادرات جزائرية تبلغ 3.13 في المئة، وفق تقرير للخارجية الفرنسية.

وعلى رغم أن “الصدام” بين الجزائر وباريس غلب عليه ظاهرياً الطابع السياسي فإن الضرب تحت الحزام اقتصادياً وتجارياً، الحاصل بصورة خفية، سيكون له وقع قوي قد يزيد الخصام الدبلوماسي توتراً، وهو ما عبر عنه المسؤول الاقتصادي في الغرف الزراعية الفرنسية تييري بوش بالقول، “يجب أن نتوقع انخفاضاً جديداً وشديداً للصادرات الزراعية نحو الجزائر”، مضيفاً أن “التجارة مع هذا البلد أصبحت أمراً صعباً في السنوات القليلة الأخيرة بسبب تداخل المشكلات الدبلوماسية في الاقتصاد”.

مخاوف فرنسية

من جانبه قال رئيس المجلس الفرنسي للمحاصيل الزراعية الكبرى بونوا بييتريمون لموقع “فرنس أغريكول” المتخصص في أخبار الزراعة إنه يتوقع تراجع صادرات الحبوب الفرنسية، هذا الموسم، بسبب تدهور العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر. وأضاف، “أن سوق الجزائر مغلقة تقريباً، إن لم تكن مغلقة تماماً أمام القمح الفرنسي اللين، نتيجة التوتر الدبلوماسي”، معبراً عن مخاوفه من خسارة فرنسا حصتها التسويقية في الجزائر. وقال، “من المؤكد أننا سنفتح المجال لمنافسينا، بخاصة في شمال أفريقيا التي كانت سوقنا المعتادة بصورة أو بأخرى”.

ويظهر جلياً أن التوتر الدبلوماسي المتصاعد بين البلدين سيدفع الجزائر إلى معاقبة باريس اقتصادياً وتجارياً، ولعل تراجع الصادرات وضياع عدد من الاستثمارات وخسارة مجالات كانت إلى وقت قريب حكراً على الفرنسيين، كلها ضربات توحي إلى تغيير في المشهد الاقتصادي والتجاري بين الجزائر وفرنسا. ويقول مدير الهجرة بوزارة الداخلية الجزائرية حسان قاسيمي، “إن بلاده، وعلى مدار السنوات الأربع الماضية اتخذت قرارات على الصعيدين الاقتصادي والتجاري في تعاملها مع فرنسا، وقد وصل صداها إلى الطبقة الحاكمة في باريس، وكان بمثابة إنذار لها، وتسبب في خسائر كبيرة للجانب الفرنسي”، مشيراً إلى خسائر بقيمة 18 مليار دولار طاولت الشركات والوجود الفرنسي بالجزائر على مدار أربع سنوات، وهو رقم كبير يؤثر في التوازنات المالية والاقتصادية الفرنسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا يمكن الفصل بين السياسة والاقتصاد

في السياق اعتبر رئيس الجمعية الجزائرية للمستشارين الجبائيين بوبكر سلامي “أنه لا يمكن الفصل بين السياسة والاقتصاد، فالسياسة عادةً لها تأثير كبير في الاقتصاد، والعكس صحيح، إذ إن كل العلاقات بين الدول مرتبطة، ولا يمكن أن تكون لديك علاقات اقتصادية سيئة في ظل علاقات سياسية جيدة أو العكس”، مضيفاً أن الأزمة السياسية بين الجزائر وفرنسا تعيش قمة الاضطراب “مما ينعكس بتأكيد الجانب الاقتصادي، إذ إن الجزائر باشرت سياسة تنويع إنتاجها الداخلي لعدد من المواد والمنتجات، كما بدأت في تنويع الشركاء والمتعاملين في مختلف المجالات”.

وواصل سلامي أن المصلحة السياسية لا تنفصل عن المصلحة الاقتصادية، “فالدولة التي تعمل ضدك سياسياً من المستحيل أن تبقى العلاقة الاقتصادية جيدة”، موضحاً أن التبادل الاقتصادي والتجاري بين الجزائر وفرنسا سينحصر في المواد التي لا يمكن فيها تغيير المورد، لكن كل دولة ستبحث عن البديل، وقال إنه إذا استمر التوتر السياسي “فبالتأكيد ستتواصل المشكلات الاقتصادية من حيث تغيير قوانين الاستيراد والتصدير والرسوم الجمركية”.

شعار “رابح رابح”

أما الباحث في العلاقات الدولية عبدالرحمن بوثلجة فرأى أن تأثر العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وفرنسا في ظل الأزمة الدبلوماسية بين البلدين أمر طبيعي على اعتبار أن السياسة والاقتصاد أمران لا يفترقان، وقال إن “الأزمة جدية وليست سحابة صيف”. وأشار إلى أن العلاقات الاقتصادية بين فرنسا والجزائر لم تكن أبداً ندية، بل كانت الجزائر سوقاً للبضائع الفرنسية، وهو ما باتت ترفضه الجزائر.

وتابع بوثلجة أن التعاون الاقتصادي بين البلدين سيتحسن حينما تعود العلاقات الدبلوماسية إلى مكانتها الطبيعية، مبرزاً أن هناك كثيراً من فرص التعاون بين الطرفين لاعتبارات عدة منها تاريخية وجغرافية، وشدد على أن بلاده ترفع شعار “رابح رابح”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية