منذ إعلان نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة، كان صباح عيد الميلاد بالنسبة إلى المؤمنين والداعمين للعملات المشفرة، إذ حققت السوق خلال الفترة الماضية ما لم تستطع تحقيقه من مكاسب منذ ظهورها في 2008.

وبعد أعوام من الشكوى من أن الأصول الرقمية كانت مقيدة بصورة غير عادلة من قبل الجهات التنظيمية المعادية التي لا تفهم الأمر، يمكن للصناعة الآن أن تتطلع إلى رئيس أميركي يروج لمنتجاتهم علناً ويضع مشجعين في مناصب.

وفيما تتدفق الأموال على السوق، فإن احتياط الـ”بيتكوين” الأميركي أصبح على الطاولة.

“لا يوجد شيء تقريباً يقف في طريق العملات المشفرة، ربما باستثناء العملات المشفرة نفسها”، هكذا قال ماثيو هومر، وهو منظم مالي سابق وشريك عام في شركة “إكس واي زد” وهي شركة مغامرة في سوق العملات المشفرة الذي أضاف، “لقد كان لدينا تاريخ من إطلاق النار على أنفسنا، وأخشى أن نصبح جامحين بعض الشيء، ثم تنهار الأمور مرة أخرى”.

4 عوامل عززت مكاسب العملات المشفرة

خلال الفترة الماضية، تجاوزت “بيتكوين” وهي مؤشر إلى الصناعة، حاجز 100 ألف دولار بسهولة في وقت سابق من هذا الشهر، بعدما ارتفعت بنحو 50 في المئة منذ يوم الانتخابات وحده وتضاعفت أكثر من الضعف على مدار العام الماضي.

وهذا أمر جنوني بصورة خاصة، نظراً إلى أن علامة العملات المشفرة كانت في الحضيض بهذا الوقت من العام الماضي، عندما كان الجميع لا يزالون يحاولون الزحف من أسفل في ظل المخاوف التي ضربت السوق بسبب أزمات سام بانكمان فريد، زعيم العملات المشفرة السابق الذي دين بالاحتيال بمليارات الدولارات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

حتى بالنسبة لقطاع معروف بدورات الازدهار والكساد، كان هذا الارتفاع مختلفاً، وقد كانت هناك أربع قوى رئيسة تلاقت هذا العام وأشعلت شرارة العملات المشفرة، أول هذه العوامل، موافقة إحدى المحاكم هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية على منتج مالي جديد كانت صناعة العملات المشفرة تدفع به لأعوام، والمعروف باسم صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة، باختصار سهلت هذه الصناديق على المستثمرين التقليديين التعرض لحركات أسعار الـ”بيتكوين” من دون كل المتاعب المتمثلة في امتلاك العملة والاحتفاظ بها في محفظة رقمية.

ثاني هذه العوامل يتمثل في الخفض إلى النصف أو ما يعرف بالتنصيف، فكل أربعة أعوام تقريباً، تخفض مكافأة تصنيع “بيتكوين” إلى النصف، مما يزيد من ندرتها، وعادة ما يؤدي إلى تضخيم قيمتها، وحدث الخفض إلى النصف في أواخر أبريل (نيسان) الماضي، مما أضاف الوقود إلى الارتفاع الذي بدأ بصناديق الاستثمار المتداولة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما العامل الثالث، فيتجسد في أن الأصول المالية الخطرة مثل العملات المشفرة، تميل إلى تحقيق أداء أفضل عندما تكون الأموال رخيصة، لذا فإن تحول بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) إلى خفض أسعار الفائدة في الأشهر الثلاثة الماضية كان بمثابة أخبار سارة للمستثمرين من جميع الأطياف.

في حين أن رابع هذه العوامل يتمثل في تأثير ترمب، فخلال الانتخابات الرئاسية، أحدث ترمب تغييراً جذرياً في العملات المشفرة، بعد أن رفضها سابقاً باعتبارها عملية احتيال، ووعد بتلبية مصالح الصناعة إذا أعيد انتخابه، ومن بين هذه المصالح الرئيسة، التخلص من رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات جاري غينسلر الذي لم يخف ازدراءه للعملات المشفرة.

في الوقت نفسه ضخت لجان العمل السياسي للصناعة مبلغاً قياسياً من المال في السباق، وبينما ذهبت تلك الأموال إلى كلا الحزبين، استهدفت مجموعات التشفير المعارضين الرئيسين، بما في ذلك إنفاق 40 مليون دولار للمساعدة في إقالة رئيس لجنة البنوك في مجلس الشيوخ شيرود براون.

أكبر مقامرة يخوضها المستثمرون

ومنذ ذلك الحين، استعان الرئيس الأميركي المنتخب بمؤيدين كبار للعملات المشفرة لشغل مناصب رئيسة في إدارته، بما في ذلك هوارد لوتنيك، الممول الذي تربطه علاقات عميقة بعملة “تيثير” المستقرة، لإدارة وزارة التجارة، وبول أتكينز المدافع عن التنظيم الأكثر ليونة، لإدارة لجنة الأوراق المالية والبورصات.

وقال هومر الذي أشرف سابقاً على ترخيص الأصول الرقمية في إدارة الخدمات المالية لولاية نيويورك، “إذا كنت جهة تنظيمية، فلن تتمكن من اختيار الأسواق الموجودة”، مضيفاً “فمهمتك هي قبول وجود الأسواق ومعرفة أفضل طريقة لوضع حواجز حولها”، متابعاً “أنا متحمس للعودة إلى الأساسات المتمثلة في وجود أشخاص في هذه الأدوار منفتحين على إجراء حوار مع الصناعة”.

في الوقت نفسه، لا يزال المتشككون ينظرون إلى العملات المشفرة باعتبارها جنوناً، إذ يرون أنها لعبة حمقاء أكبر من أي لعبة أخرى، ولكن حتى بعض أكبر منتقدي القطاع يشعرون حالياً بالتغيير الجذري.

في بداية حديثه إلى شبكة “سي أن أن”، بدا كاس بيانس مراسل مجلة “بروتوس” التجارية والمستضيف المشارك لبودكاست “ركن منتقدي العملات المشفرة”، مستسلماً، قائلاً إنه “عندما بدأ للمرة الأولى في تقديم التقارير عن العملات المشفرة، فإنه كان يأمل في تحذير الناس من الأخطار حتى لا يهدروا أموالهم”.

وأضاف، “أدركت أنني كنت في كازينو وأصرخ في المقامرين، يا إلهي، ستخسرون!”، مستدركاً “لكن بمرور الوقت شعرت أن تحذيراتي ليس لها من مستجيب في وقت تتسارع فيه السوق وتنمو بصورة مرعبة”.

وعلى رغم المكاسب التي حققتها السوق خلال الفترة الماضية، فإن بيانس يرى أن دخول سوق العملات المشفرة أكبر مقامرة يتعرض لها المستثمرون.

وأشار إلى أن هذه المخاوف أو الأخطار ستبدأ في التلاشي بمجرد تنظيم السوق وصدور قواعد تنظم عملية التداول والشراء والبيع، لافتاً إلى أنه في هذه الحال فحسب، يمكن أن ينضم هو إلى مناصري سوق العملات المشفرة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية