دعا رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية التي تتخذ من العاصمة طرابلس (غرب) مقراً لها، عبدالحميد الدبيبة، إلى إعادة تفعيل دور “الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور”، مؤكداً أن ذلك يعتبر “أساساً لاستقرار ليبيا ومستقبلها السياسي”.

واعتبر الدبيبة خلال لقائه عدداً من أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور أمس الأربعاء، أن تعطيل الاستفتاء على الدستور “مؤامرة وعرقلة تمثل استهدافاً لإرادة الشعب الليبي”، مؤكداً أن “أية محاولات لعرقلة هذا المسار هي عرقلة مباشرة لمسيرة الشعب الليبي نحو بناء دولة القانون والمؤسسات”.

خوف من الشعب

وانتهت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور من إعداد مشروع الدستور الليبي عام 2017 وأحالته إلى مجلس النواب الليبي لعرضه على الشعب للاستفتاء، غير أن هذه العملية تعطلت بسبب احتجاج البرلمان وجناحه العسكري، معسكر الرجمة الذي يقوده المشير خليفة حفتر شرق ليبيا، على عدد من القوانين التي جاءت في المشروع.

واختارت لجنة التواصل المكلفة من الهيئة التأسيسية بصياغة مشروع الدستور منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي اللجوء إلى المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، لمقاضاة من وصفتهم بـ “سلطات الأمر الواقع في ليبيا”، متهمة إياهم بمنع الاستفتاء على مشروع الدستور الذي أعدته الهيئة في الـ 29 من يوليو (تموز) 2017”.

وينعقد لقاء الدبيبة في ظل استمرار الانقسام بين الأجسام السياسية الليبية حول مصير العملية الديمقراطية، إذ يرى البرلمان (شرق) أن من الضروري الذهاب نحو تشكيل حكومة موحدة جديدة مهمتها الأساس الإشراف على الانتخابات الوطنية، بينما يصر رئيس حكومة الوحدة الوطنية، المنتهية الولاية بحسب قرار البرلمان، على إجراء استفتاء على مشروع الدستور، وهو قرار تؤيده بشدة الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور.

وقال عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور عمر النعاس إن المبادرة الحقيقية النابعة من إرادة الشعب الليبي هي مشروع الدستور الذي أقرته الهيئة التأسيسية في الـ 29 من يوليو 2017 بمدينة البيضاء (شرق)، موضحاً أن هذه الهيئة هي الجهة الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي في جميع أنحاء البلاد، والموكل إليها إقرار مشروع الدستور الليبي الدائم. 

وتابع أن الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور أتمت مهمتها وفق النصوص الدستورية الواردة في الإعلان الدستوري، والكلمة الفصل الآن لدى الشعب الليبي ليقول كلمته من خلال الاستفتاء، سواء بالقبول أو بالرفض.

وتساءل عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور “هل نحن أمام خوف من قبول الشعب بالدستور أم من رفضه إياه؟ وفي حال الذهاب نحو انتخابات رئاسية فما هي الوثيقة التي ستحتكم إليها السلطات المنتخبة؟”.

دستور موقت

ويؤكد بعض المحللين أن إجراء استفتاء على مشروع الدستور صعب خلال المرحلة الحالية، بسبب جملة من الظروف الأمنية أو الفنية أو غيرها،  وقد طرح عمر النعاس مبادرة تتضمن سبع نقاط قادرة على انتشال ليبيا من مستنقع المراحل الانتقالية الذي تجاوز عقداً كاملاً من الزمن، تبدأ بإقرار مشروع الدستور الذي أقرته الهيئة التأسيسية واعتماده في أسرع وقت كدستور نافذ موقت للبلاد، تخضع له كل مؤسسات الدولة القائمة وكل الكيانات الأخرى، ترسيخاً لقيام دولة القانون.

وأضاف أن النقطة الثانية هي قيام مجلس النواب بإصدار قوانين الانتخابات التشريعية والرئاسية وفق أحكام الدستور خلال 60 يوماً من تاريخ نفاذه، وفي حال تعذر ذلك لأي سبب فتصدرها الهيئة التأسيسية.

وتابع أن النقطة الثالثة تتمثل في قيام المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بإصدار اللوائح المنظمة للعملية الانتخابية وفق قوانين الانتخابات الصادرة، وتلتزم كل المؤسسات والمصالح بالتعاون مع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.

أما النقطة الرابعة، بحسب النعاس، فتركز على إجراء الانتخابات التشريعية بمشاركة كل الشعب من دون إقصاء ووفق أحكام الدستور، خلال 120 يوماً من صدور قانون الانتخابات، والخامسة أن تقوم بمقتضاها المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بإجراء الانتخابات الرئاسية بمشاركة كل الشعب من دون إقصاء ووفق أحكام الدستور خلال 30 يوماً من تاريخ إعلان النتائج النهائية للانتخابات التشريعية.

وتتعلق النقطة السادسة من المبادرة بضرورة التزام كل مؤسسات الدولة المدنية والأمنية والعسكرية ومؤسسات المجتمع المدني ومنظمة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالعمل والإسهام الفعال في إنجاح عملية الانتقال السياسي في البلاد خلال المرحلة الانتقالية.

وسابعاً أنه بعد مضي خمس سنوات من العمل بهذا الدستور فيطرح لاستفتاء الشعب عليه، سواء للقبول أو لإجراء التعديلات اللازمة أو رفضه وإصدار دستور جديد، تحقيقاً لمبدأ “الشعب يصنع دستوره”، وفق النعاس.

قوانين “6+6”

“إن تأكيد الدبيبة على إعادة تفعيل الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور غير قابل للتطبيق، لأن تركيبة الهيئة شهدت تفتتاً بانظمام عدد من أعضائها للعمل الدبلوماسي كسفراء في عدد من الدول الغربية، بينما أصبح آخرون مستشارون لدى المجلس الرئاسي، وهو أمر يضعنا محل شك في نزاهتهم”.

هكذا علق المحلل السياسي محمد أمطيريد على دعوة رئيس حكومة الوحدة الوطنية لإعادة تفعيل دور الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، وقال لـ “اندبندنت عربية”، “لماذا اختار الدبيبة هذا التوقيت بالذات للذهاب نحو استفتاء على الدستور، بينما يستعد مجلس النواب لتشكيل حكومة موحدة جديدة مهمتها الأساس الإشراف على الانتخابات؟”، مؤكداً أن توجه الدبيبة نحو الاستفتاء على الدستور هو مجرد معاضدة للمجلس الرئاسي الذي أعلن تأسيس مفوضية وطنية للاستفتاء، وهو عمل خارج اختصاصه، فتكوين مثل هذه الأجسام من صلب عمل مجلس النواب فقط”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح أمطيريد أنه لا يمكن الذهاب نحو استفتاء على دستور عدد من نقاطه محل اعتراض من قبل السلطة الحاكمة في الشرق الليبي، متابعاً أن إطلاق دعوة للاستفتاء على الدستور تحتاج عودة الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور لمجلس النواب، وفق ما تمليه المواثيق التأسيسية للهيئة.

وعلى عكس ما ذهب إليه النعاس بأن من الأنسب وضع دستور موقت لأنه لا يمكن إجراء استفتاء عام على الدستور في الوقت الحالي، أكد أمطيريد أن الأمر ليس بالصعب وبخاصة بعد نجاح ليبيا في تنظيم انتخابات بلدية منتصف نوفمبر الماضي، لكن هناك عوائق أخرى على رأسها طريقة التصويت التي ستكون إلكترونية مما يعرض الاستفتاء للتزوير، بخاصة وأن المزود الرئيس للخدمات الإلكترونية الليبية موجود في طرابلس. 

ونوه أمطيريد بأن “حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة منبثقة من اتفاق جنيف، أي من رحم المجتمع الدولي، فكيف لها أن تدعو إلى استفتاء على دستور يحدد مصير الدولة الليبية بينما أجندتها تتحكم فيها دول غربية، وهو أمر يعرض الأمن القومي للدولة الليبية للخطر” وفق تعبيره.

ورأى أن “من الأفضل الذهاب نحو انتخابات وطنية وفق قوانين الانتخابات الصادرة عن لجنة (6+6)، بخاصة أنها محل اتفاق من مجلسي النواب والدولة، كما أن قوانينها نافذة ولا تحتاج إلى استفتاء، هذا في حال كانت لديهم نية لإنهاء الانقسام السياسي والأمني والذهاب نحو انتخابات وطنية، ولكن الدبيبة يرفض قوانين (6+6) بسبب تمسكه بالسلطة”.

دستور 1951

في المقابل قال المحلل السياسي وسام عبدالكبير إن الذهاب نحو استفتاء على الدستور يستوجب تجاوز القوانين الصادرة عن لجنة (6+6)، لأن شرعية الدستور أقوى كونه صيغ من قبل هيئة منتخبة من الشعب الليبي، منوهاً بأن قوانين اللجنة أُقرت لعرقلة المسار السياسي فقط، باعتبارها غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع. 

وأكد أن الهدف من إقرار قوانين لجنة (6+6) هو أن “الأطراف الرئيسة في ليبيا لا ترغب في انتخابات حتى إشعار آخر”، وهو ما جاء على لسان المبعوث الأممي السابق عبدالله باثيلي”، مشيراً إلى أن “مشروع قانون (6+6) الانتخابي مصيره الفشل لأنه يؤكد إلزامية الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية حتى لو تحصّل الفائز في الجولة الأولى على 90 في المئة من أصوات الناخيين، إضافة إلى أن المٰشرع ربط مصير الانتخابات التشريعية بنجاح الانتخابات الرئاسية التي تضمن قوانين (6+6) فشلها بنسبة 100 في المئة، وحال فشل الانتخابات الرئاسية تلغي العملية الانتخابية برمتها”.

وبرى عميد كلية العلوم السياسية بجامعة “نالوت” إلياس الباروني أن الحل يقتضي العودة لدستور 1951 تفادياً للجدل الحاصل بين البرلمان وحكومة الدبيبة، واصفاً لقاء رئيس حكومة الوحدة الوطنية بعدد من أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور بأنه “لا يعدو كونه رد فعل من الدبيبة تجاه ضغوط البرلمان الرامية إلى تشكيل حكومة موحدة جديدة، وأيضاً لتخوفه من اجتماع لندن المقبل الذي قد تكون أحد مخرجاته حكومة جديدة.

وقال الباروني إن “جميع الأجسام السياسية الموجودة حالياً في ليبيا تتخذ من إرادة الشعب الليبي مظلة لتمرير مصالحها، دفاعاً عن الاستمرار في سدة الحكم لفترة أطول”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية