في ظل واقع تعليمي مليء بالأزمات التي تراكمت على مدار عقود، جاءت تجربة الوزير محمد عبد اللطيف كصفحة جديدة، مليئة بالجهد والمواجهة، بعيدًا عن الحلول الجاهزة والشعارات المكررة. منذ اليوم الأول لتوليه المسؤولية، اتضح أن هذه التجربة لا تهدف فقط إلى “إدارة الأزمة”، بل إلى “تفكيكها من جذورها”، وهو ما تجسد في اختياراته ومواقفه ومشاريعه التي وضعت الإنسان في صلب اهتمامها قبل البنية والهدف قبل الضجيج.

نجح الوزير في إدراك أن المعركة الحقيقية ليست مجرد تطوير المناهج أو تحديث الامتحانات، بل في تحطيم منظومة الفساد التي رسخت ممارسات تعليمية غير سليمة، أبرزها إمبراطوريات الدروس الخصوصية ومراكز السناتر التي أصبحت مؤسسات تجني أرباحًا طائلة على حساب المدارس والمعلمين ووعي الطلاب. من هذا المنطلق، بدأ الوزير بتحرك جريء لإعادة اعتبار المدرسة ككيان تربوي وتعليمي، وبناء جسر من الثقة بين الطلاب والمعلمين داخل الفصول الدراسية، وليس خارجها.

لم تكن مواجهة الدروس الخصوصية مجرد قرارات إدارية أو بيانات رسمية، بل شملت تحركات ميدانية وتغييرات هيكلية تهدف إلى إعادة تنظيم اليوم الدراسي، فرض الحضور الإلزامي، وتفعيل أدوات التقييم المتعددة. هذه الإجراءات أعادت هيبة المدرسة وأعادت للطلاب شعورهم بالانتماء لمصدر تعلمهم. كما سعى الوزير إلى تطوير المناهج بشكل أكثر واقعية، تربط المحتوى الدراسي بمهارات الحياة، بعيدًا عن الحشو التقليدي الذي كان يثقل كاهل الطلاب دون فائدة حقيقية.

أما في مواجهة تجار المناهج والمواد التعليمية الموازية، فقد اتخذ الوزير خطوات عملية لضبط سوق النشر التعليمي وتعزيز المحتوى الرقمي الرسمي، وتوفير مصادر تعليمية موثوقة تقطع الطريق على المتاجرين بعقول الطلاب وأولياء الأمور. كما عمل على إعادة النظر في دور المعلم، الذي أصبح شريكًا فعليًا في بناء شخصية الطالب وليس مجرد ناقل للمعلومة.

تحسين البنية التحتية وخلق بيئة تعليمية جاذبة

إدراكًا منه أن التغيير لا يكتمل دون بيئة تعليمية جاذبة، أولى الوزير اهتمامًا كبيرًا بالبنية التحتية للمدارس، بدءًا من تحسين الفصول الدراسية وصولًا إلى إدخال الوسائل التعليمية الذكية. كما حرص على التوسع في بناء مدارس جديدة خاصة في المناطق المزدحمة، وتوفير أنشطة تعليمية تشرك الطلاب بشكل فعال. لكن الأهم من ذلك هو أن تجربة الوزير محمد عبد اللطيف في وزارة التربية والتعليم كانت قائمة على قناعة راسخة بأن التغيير ليس مجرد رفاهية، بل ضرورة وطنية وأمن قومي. بناء الإنسان لا يتحقق إلا عندما يُنزع التعليم من قبضة المصالح الخاصة ويُعاد توجيهه لخدمة الوطن والمستقبل، وليس جيوب المنتفعين.

وفي مشهد يعكس الحس الإنساني العميق للوزير، برزت لفتة رائعة تجاه الطالب “حمزة” الذي تعرض لإيذاء بدني ونفسي من إحدى المدرسات في إحدى مدارس الإسكندرية. عندما رفضت المعلمة السماح له بالذهاب إلى دورة المياه، مما اضطره للتبول على نفسه أمام زملائه، ثم تعرض للسخرية والإهانة التي تركت أثراً نفسياً بالغاً عليه. استجاب الوزير بسرعة واتخذ قرارات حاسمة ضد المتورطين، وأمر بالتحقيق الفوري في الواقعة، مشددًا على أن كرامة الطلاب وسلامتهم النفسية فوق أي اعتبار. هذه الحوادث كانت بمثابة رسالة حازمة بأن وزارة التربية والتعليم تحت قيادته تضع مصلحة الطالب في المقام الأول، وأن أي مساس بكرامة طفل داخل جدران المدرسة لن يمر دون حساب.

الإصلاح الحقيقي.. إرادة صادقة ومسار واعد

تجربة الوزير محمد عبد اللطيف أثبتت أن الإصلاح الحقيقي لا يتطلب معجزات، بل يحتاج إلى إرادة صادقة، ووعي بحجم التحديات، واستعداد لتحمل ثمن المواجهة. وما تحقق حتى الآن، رغم التحديات الكبيرة، هو مجرد بداية لمسار طويل، لكنه يسير أخيرًا في الاتجاه الصحيح.