في مثل هذا الشهر قبل 25 عاماً، كان المشاهدون وصلوا إلى منتصف الموسم الأول من مسلسل “الجناح الغربي” The West Wing للكاتب آرون سوركين. وصدر المسلسل خلال اللحظات الأخيرة من حقبة رئاسة كلينتون، وكان بمثابة ترنيمة لشكل من أشكال الذكورية الليبرالية الاستعراضية. وبالنسبة إلى جيل من الطامحين إلى دخول عالم السياسة، شكل المسلسل تصوراً لما يمكن أن تكون عليه الحياة داخل البيت الأبيض: حملة أخلاقية نبيلة. لكن هذه الصورة كانت بالطبع مجرد خيال، خيال يعاد إحياؤه عبر مسلسل الإثارة السياسي “يوم الصفر” Zero Day الذي تبدأ شبكة “نتفليكس” بعرضه هذا الأسبوع.

يستمتع الرئيس السابق جورج مولن (روبرت دي نيرو) بتقاعده الهادئ وينشغل بصياغة مذكراته. لكن عزلته تنتهي فجأة حين يتعرض البلد لهجوم إلكتروني عبر برمجيات خبيثة تشل الاتصالات في جميع أنحاء الولايات المتحدة لمدة دقيقة واحدة، وهي لحظة قاتلة تودي بحياة 3402 مدني ويطلق على الحدث اسم “يوم الصفر”. وبينما تحاول البلاد، بقيادة الرئيسة ميتشل (أنجيلا باسيت)، احتواء الكارثة، يستدعى مولن لقيادة لجنة تحقيق في الهجوم، بخاصة بعد ظهور رسالة مروعة على شاشات كل الهواتف المحمولة في البلاد تقول: “سيحدث هذا مجدداً”.

يتلقى مولن في مهمته يد العون من مساعده المخلص روجر (جيسي بليمونز) ورئيسة موظفيه فاليري (كوني بريتون)، لكنه في المقابل يجد نفسه في مواجهة مع ابنته أليكس (ليزي كابلان)، النائبة المتطرفة في الكونغرس التي تعرقل تحركاته. ينطلق مولن الذي كان في السابق مدعياً عاماً مهيباً يخشاه الجميع- في رحلة كشف الستار عن مؤامرة تمتد جذورها إلى قلب المنظومة السياسية والمالية في البلاد. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتبر مولن النموذج المثالي لـ”الحلم الأميركي”: الرئيس الأخير الذي حظي بـ “إجماع الحزبين” والذي انسحب من المشهد السياسي بعد ولاية واحدة إثر وفاة ابنه. يقف في وجه منظّري المؤامرات مخاطباً إياهم بأنهم “لا يتصرفون كأميركيين، ولا كوطنيين”، ويطرح أسئلة حادة مثل: “هل نبحث عن شخص نحمله اللوم، أم أننا نريد الحقيقة؟”، غير أن هوسه المطلق بالواجب والعدالة يواجه اختباراً قاسياً خلال هذا التحقيق، إذ تطارده رؤى ابنه الراحل، فضلاً عن نغمات أغنية “من قتل بامبي؟” Who Killed Bambi لفرقة “سيكس بيستولز” Sex Pistols. فهل بدأ يفقد عقله؟ أم أنه بدوره ضحية لهجوم عصبي دقيق ومقصود؟ 

على رغم أن مولن رئيس سابق للولايات المتحدة، فإن دي نيرو يؤديه بشخصية رجل بسيط، أشبه بعم ودود، غارق في عالم تناظري في زمن الرقمنة، بأسلوب يذكرنا بدوره في فيلم “المتدرب” The Intern الصادر عام 2015 (هل تذكرون فيلم “السيد سميث يذهب إلى واشنطن؟” هذا يشبه إلى حد كبير شخصية دي نيرو هنا، إذ يظهر كرجل نزيه ومثالي في مواجهة السياسة الفاسدة). إنه أداء فاتر بصورة مذهلة، ومع ذلك، فإن دي نيرو، حتى وهو يعمل بنصف طاقته، لا يزال يتفوق على معظم الطاقم التمثيلي في العمل.  

أما شبكة “نتفليكس”، فملأت “يوم الصفر” بـ’مجموعة كاملة‘ من الممثلين من الفئة المتوسطة (للمصادفة، شركة التكنولوجيا الشريرة في المسلسل تحمل اسم ’مجموعة كاملة‘ panoply)، فيضم العمل كلاً من غابي هوفمان وكلارك غريغ وبيل كامب وجوان ألين وماثيو مودين ودان ستيفنز وغيرهم. وكما يقول ليندون، بائع الأسهم النفعي والمراوغ الذي يؤديه كلارك غريغ: “يبحث الناس دائماً عن التشكيلات بين النجوم”، وهكذا، فإن نجوم “يوم الصفر” يشكلون كوكبة خاصة بهم.

على أية حال، هناك مشكلتان كبيرتان في “يوم الصفر”، تتعلق الأولى بالحبكة التي تفتقر إلى المنطق. فأي محاولات مفرطة لربط الأحداث بقانون “باتريوت” (الإجراء المثير للجدل في فترة رئاسة بوش الذي منح الدولة سلطات مراقبة واستجواب موسعة) تُقوض بطابع غير سياسي بحت. فلا يمكن تحديد الجهة التي تنتمي إليها الشخصيات، بل لا يتم توضيح حتى المواقف الأيديولوجية التي يحملها كل منهم داخل حزبه. بدلاً من ذلك، هناك رائحة عداء مبهم تجاه الشركات الكبرى في مجال التكنولوجيا، وقلق غير محدد حيال البراغماتية السياسية. كما أن الهفوات في الحبكة كبيرة جداً (على سبيل المثال، لماذا لم تعمل المولدات الاحتياطية أبداً على ما يبدو؟)، والقفزات السردية المطلوبة في الحبكة غير مبررة ومبالغ فيها، مما يشغل انتباه المشاهد في محاولة معرفة ما يحاول المسلسل قوله، ولكنه يفشل في تحقيقه.

وتتعلق المشكلة الثانية بالكتابة. فهناك فرق بين مواجهة فريق الكتاب بقيادة إيريك نيومان الذي عمل سابقاً في مسلسل “ناركوس” (تجار المخدرات) Narcos، صعوبة في خلق قصة إثارة سيبرانية قابلة للتصديق (فمن الممكن أن يكون هذا النوع من القصص في حد ذاته متناقضاً)، وبين وقوعهم في فخ التكرار الممل للأفكار المستهلكة. يظهر مولن نفسه كشخص يميل إلى التحدث بصوت منخفض قائلاً عبارات مثل “التاريخ يراقب”، بينما تمنح ابنته ذات الشخصية الهشة سطوراً مثل “يقيم الأثرياء حفلات كوكتيل مرفهة بينما يحترق العالم!”. ولم يفوت الكتاب أي فرصة للسقوط في فخ التكرار السطحي. فعلى سبيل المثال، عندما تسأل فاليري رئيسها “كيف تشعر؟”، يرد قائلاً “أبداً لم أكُن أبداً في حال أفضل”، كما لو أن أحداث الأسابيع الأخيرة لم تحدث إطلاقاً (وبعد حلقات عدة، يسأل مولن أحد رؤسائه السؤال نفسه، ليجيب الرجل “لم يسبق لي أن كنت أفضل”).

في النهاية، يعتبر “يوم الصفر” تجربة محدودة للغاية. فهو يفتقر إلى القدرة على مفاجأتنا، ويمتلك اهتماماً محدوداً بإثارة التفكير، ويعجز عن تقديم الترفيه الحقيقي. بالطبع، هناك أمور أسوأ في الحياة من مشاهدة وجه روبرت دي نيرو لمدة ست حلقات، ولكن حضوره يُقوض من خلال نص يعرض شخصية الرئيس المضطرب بصورة مبتذلة، ليحوّلها إلى صورة كاريكاتيرية عن الجدية الأميركية. وفي ظل المناخ السياسي الحالي، يبدو تصديق هذا الطرح صعباً أكثر من فكرة أن أميركا قد تسقط على يدي مجموعة من القراصنة الإلكترونيين الخارجين عن السيطرة. إنه أمر غير قابل للتصديق، وفي الوقت نفسه فرصة ضائعة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية