في سياق التحول في مجال الطاقة، إما لمكافحة التغيرات المناخية باعتماد مصادر “نظيفة” خالية من الانبعاثات الكربونية أو البحث عن مصادر مستدامة، عاد الاهتمام بمحطات الطاقة النووية حول العالم، بعد مرور سنوات طويلة على آخر كارثة نووية في اليابان عام 2011 في محطة فوكوشيما.
ومع توجه توليد الكهرباء من محطات تعمل بمفاعلات نووية، زاد الاهتمام بالمصدر الأساس للطاقة في تلك المفاعلات وهو “اليورانيوم”.
إذا كانت الفكرة الشائعة عن المشاريع النووية هي إنتاج أسلحة دمار شامل فتاكة (القنبلة النووية)، إلا أن الطاقة النووية مهمة جداً في استخداماتها للأغراض السلمية وفي مقدمها توليد الطاقة.
حالياً تولد تسعة في المئة من الطاقة الكهربائية في العالم من محطات تعمل بالوقود النووي من خلال 440 مفاعلاً، وتشكل الطاقة النووية تقريباً 25 في المئة الطاقة النظيفة والمتجددة في العالم.
مع المشاريع الكثيرة حول العالم لزيادة إنتاج الطاقة بمفاعلات نووية بالتالي الاعتماد على اليورانيوم كمصدر، نحاول في ما يأتي الإجابة عن 10 أسئلة عن الطاقة النووية وأهميتها المستقبلية.
هل الطاقة النووية آمنة؟
على مدى عقود، طورت دول العالم تكنولوجيا تشغيل تضمن “الأمان النووي” إلى حد كبير، بالطبع تظل هناك أخطار، لكنها لم تعد تختلف كثيراً عن أخطار التعامل مع أي مصادر أخرى للطاقة أو غيرها، ويبقى للطاقة النووية ميزات تفوق المصادر الأخرى، من أهمها أنها لا تصدر أي انبعاثات كربونية على الإطلاق، ثم إن قدراتها على إنتاج الطاقة تفوق بكثير بقية المصادر المعروفة حتى الآن، وفي السنوات الأخيرة بدأت الولايات المتحدة والصين وغيرهما تطوير ما يعرف بنماذج المفاعلات الصغيرة التي تتلافى مشكلات كانت تصاحب المفاعلات التقليدية الكبيرة.
ما أخطار الطاقة النووية؟
غير احتمالات التسريب نتيجة الكوارث، التي يمكن أن تحدث مع أي من مصادر الطاقة الأخرى، فإن الخطر الأهم هو “النفايات النووية”، أي الوقود النووي المستهلك الذي يمكن أن يظل مشعاً لعقود طويلة.
ومع العدد الصغير من المفاعلات حول العالم من قبل، طورت سبل التخلص “دفن” الوقود المستنفد في حاويات من الرصاص تجنباً لإضرار إشعاعه الذي لا ينتهي تماماً، لكن مع زيادة عدد المفاعلات المستقبل، ربما يصبح التخلص من النفايات النووية مشكلة تحتاج إلى استثمار كبير لضمان حماية البشرية من أخطارها.
إلى أي حد الطاقة النووية نظيفة ومستدامة؟
توليد الكهرباء من المفاعلات النووية هو أفضل الطرق لانعدام الانبعاثات الكربونية تماماً، فبالمقارنة حتى مع مصادر الطاقة النظيفة الأخرى كالشمس والرياح وغيرها تعد الطاقة النووية أفضل بكثير من ناحية التسبب في التغيرات المناخية، وأن دورة حياة محطات الطاقة النووية أقل كلفة على المدى البعيد من مشاريع توربينات الرياح وألواح الخلايا الضوئية لتوليد الطاقة من أشعة الشمس، إذا ما قيست الكلفة بكمية الطاقة المنتجة في مقابل الاستثمار الأولي في المشروع.
هل الطاقة النووية بديل للنفط والغاز؟
مع زيادة الطلب العالمي على الطاقة سنوياً، نتيجة توسع النشاط الاقتصادي وارتفاع الكثافة السكانية على كوكب الأرض، فمن الطبيعي ألا يكفي مصدر واحد لتلبية زيادة الطلب، وبالتالي يحتاج العالم إلى مختلف المصادر لإنتاج ما يكفي حاجاته من الطاقة، ويظل الوقود الأحفوري مصدراً مهماً وأساسياً للطاقة، خصوصاً أن له استخداماته متنوعة ولا تقتصر فحسب على توليد الكهرباء، لذا سيظل العالم لعقود مقبلة يعتمد على كل مصادر الطاقة الموجودة حالياً وما يمكن تطويره في المستقبل.
كيف يمكن الوقاية من الحوادث النووية؟
منذ القرن الماضي يجري العمل على تطوير إجراءات السلامة والأمان النووي، هذا إلى جانب تطوير تصميمات وعمل المفاعلات، بما يضمن القدر الأكبر من الحماية لتفادي الحوادث النووية، لكن بالطبع لا يمكن القول بصفر احتمالات للحوادث، فهذه قد تحدث نتيجة أخطاء غير متوقعة أو حروب أو حتى كوارث طبيعية مثل ما جرى في محطة جزيرة “ثري مايل” في بنسلفانيا عام 1979 وحادثة “تشيرنوبيل” الشهير عام 1986 ثم الزلزال والتسونامي الذي تبعه وضرب محطة فوكوشيما في اليابان عام 2011، وتستمر جهود البحث والتطوير والتنفيذ لزيادة الوقاية من أخطار الحوادث النووية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعتمد محطات الطاقة النووية على عنصر اليورانيوم كوقود أساس، وعلى رغم أن إنتاج اليورانيوم حالياً في العالم يتركز في دول عدة، إلا أن هناك احتياطات غير مستكشفة منه تكفي لتشغيل أية محطات جديدة في العالم ربما لقرون، حالياً تنتج كازاخستان نحو 45 في المئة من حاجات العالم، بل ولديها احتياط 12 في المئة من الاحتياط المثبت عالمياً، وهناك أيضاً مناجم في أميركا والصين وكندا وأستراليا، إضافة إلى روسيا وفي أفريقيا جنوب الصحراء ودول غرب القارة بما فيها موريتانيا، لكن توجد احتياطات كبيرة من اليورانيوم غير مستغلة في دول كثيرة مثل السعودية وأفغانستان، هذا إضافة إلى احتمال احتياطات من العنصر المشع في قاع المحيطات لم تستكشف بعد.
كيف يولد اليورانيوم الطاقة؟
عنصر اليورانيوم من أثقل المعادن ويحمل رقم 92 في الجدول الدوري للعناصر، وهناك عدد من النظائر لمعدن اليورانيوم تحمل أرقاماً مختلفة بحسب عدد النيوترونات في ذرته، أشهرها “اليورانيوم – 238” الذي يمثل القدر الأكبر من اليورانيوم الموجود على الأرض، مثل بقية الخامات المعدنية، يستخرج بعمليات تعدين “مناجم”، لكنه يكون مختلطاً بكثير من الشوائب، لذا تتم عملية أولية لفصله وإنتاج الخام الذي يسمى “الكعكة الصفراء”. وتجرى عملية تخصيب وتحويل لإنتاج قضبان الوقود النووي مركزة الإشعاع التي تستخدم في المفاعلات النووية، ولروسيا ريادة في هذا المجال، إذ تستحوذ على 44 في المئة من تخصيب اليورانيوم و22 في المئة من تحويله عالمياً، وتصدر 70 في المئة من اليورانيوم المخصب، وفي المفاعلات تنتج قضبان الوقود المخصب المشعة طاقة هائلة جداً تشغل توربينات التوليد.
ما ميزات المفاعلات الجديدة؟
كانت المفاعلات النووية في محطات توليد الطاقة القديمة كبيرة الحجم، مما يتطلب كميات هائلة من المياه لتبريد المفاعل، لذا تبنى غالباً قرب النهر أو البحر، كما الحال في بلاد مثل فرنسا والسويد التي بدأت منذ زمن توليد الكهرباء من محطات نووية شكلت النسبة الأكبر من استهلاكها للطاقة، أما المفاعلات الجديدة نماذج، فاستفادت من التطورات التكنولوجية لتقليل حجم المفاعل، وساعد ذلك في تطبيق معايير أمان وسلامة أعلى، في الوقت الذي تنتج فيه قدراً من الطاقة لا يقل عن المفاعلات القديمة، بل يزيد نسبياً.
من يبني محطات الطاقة النووية؟
في الماضي كانت الدول التي ليس لديها ما يكفي من مصادر النفط والغاز تبني محطات طاقة نووية، لتلبية حاجاتها من الكهرباء، مثل السويد واليابان وبالطبع فرنسا، لكن حتى الدول التي تنتج الوقود الأحفوري، مثل أميركا وكندا وبالطبع روسيا، لديها أيضاً محطات طاقة نووية.
الآن نجد معظم الدول تعمل على بناء محطات طاقة نووية حتى في الدول الصاعدة والنامية كما الحال في مصر، وحتى في دول الخليج النفطية مثل الإمارات والسعودية، وذلك بهدف مزدوج هو ضمان أمن الطاقة من ناحية، وأيضاً في سياق التحول في مجال الطاقة للإنتاج من مصادر نظيفة مستدامة.
هل يوجد ما يكفي من الطلب؟
إلى جانب الزيادة السنوية في الطلب على الطاقة بنسب تتراوح ما بين اثنين وأربعة في المئة، هناك زيادة إضافية نتيجة نشاطات اقتصادية صاعدة، فعلى سبيل المثال تستهلك عمليات “تعدين” العملات المشفرة كميات هائلة من الطاقة ترهق الشبكات الموجودة حالياً ومصادر إمدادها بالطاقة، ومع توقع زيادة الاهتمام بالمشفرات سيزيد الطلب على الطاقة بقوة.
أيضاً تحتاج مراكز البيانات الهائلة التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي إلى كميات هائلة من الطاقة، وبدأت بعض شركات الذكاء الاصطناعي بالفعل الاستثمار في بناء محطات نووية صغيرة، لتوليد الطاقة لتلبية جزء من حاجاتها، إلى جانب ارتباطها بشبكات الطاقة الموجودة.
نقلاً عن : اندبندنت عربية