بعد أكثر من عام من المفاوضات، تدنو الولايات المتحدة والصين من ”حل“ لصفقة نقل العمليات الأميركية لمنصة التواصل الاجتماعي ”تيك توك“ إلى اتحاد مستثمرين جديد، وفقاً لوزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت.
قال على شبكة ”فوكس بيزنس“ عقب اجتماع الرئيس دونالد ترمب مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في العاصمة الماليزية: “في كوالالمبور، انتهينا من اتفاقية (تيك توك) من حيث الحصول على الموافقة الصينية، وأتوقع أن يمضي ذلك قدماً في الأسابيع والأشهر المقبلة، وسنرى أخيراً حلاً لذلك”.
ناقش المسؤولون الأميركيون والصينيون صفقة بموجبها تستثمر شركة ”أوراكل“ وعدة شركات أخرى في النسخة الأميركية من “تيك توك”. إذا تمت الصفقة، فستحل مشكلة مستمرة في العلاقات بين بكين وواشنطن وتزيل عاملاً معقداً في المحادثات الأوسع بشأن التجارة.
بموجب قانون الأمن القومي الذي وقعه الرئيس جو بايدن العام الماضي – قانون حماية الأميركيين من التطبيقات الخاضعة لسيطرة الخصوم الأجانب – أُمرت مالكة التطبيق، شركة ”بايت دانس“ التي تتخذ من بكين مقراً لها، إما ببيع ”تيك توك يو إس“ أو أن تواجه حظراً في البلاد.
الصين: سنعمل مع أميركا على حسم مصير “تيك توك”
كان الموعد النهائي الأولي في يناير 2025، لكن ترمب مدد ذلك عدة مرات بعد إعادة توليه منصبه. الموعد النهائي الآن هو يناير 2026، بعد عام واحد من سريان القانون لأول مرة. وبموجب ترتيب الانفصال المنصوص عليه في أمر تنفيذي وقعه ترمب في 25 سبتمبر، ستكون أغلبية ملكية ”تيك توك“ لأميركيين.
لم يُعلن عن العديد من التفاصيل الدقيقة للاتفاقية بعد. ستساعد النتيجة النهائية في تشكيل مصير ”بايت دانس“، وهي شركة ناشئة بقيمة 400 مليار دولار، كما أنها الشركة الخاصة الأكبر قيمةً في الصين، ويستخدم منصة ”تيك توك“ للمقاطع المصورة لديها 170 مليون أميركي.
يُرجح أن يكون لكيفية تطور الإطار تداعيات على المشهد الأوسع لوسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة أيضاً، وفيها تتنافس شركتان هما ”ميتا بلاتفورمز“ و“ألفابيت“ مالكة ”جوجل“ على حصة السوق.
من سيملك منصة ”تيك توك يو إس“؟
نص الأمر التنفيذي لترمب في سبتمبر على أن ”بايت دانس“ ستملك حصة تقل عن خمس ”تيك توك يو إس“ – كما هو مطلوب بموجب قانون الأمن القومي – وأن بقية الشركة سيملكها “مستثمرن معينون”، دون تحديد من سيكونون.
يُتوقع أن يشمل اتحاد المشترين شركة ”أوراكل“. كما نقلت ”بلومبرغ نيوز“ أن شركة الاستثمار في الملكية الخاصة ”سيلفر ليك مانجمنت“ (Silver Lake Management) وشركة الاستثمار “إم جي إكس” (MGX) ومقرها أبو ظبي تجريان محادثات للاستثمار في الشركة الأميركية الجديدة.
أوراكل و”سيلفر ليك” و”MGX” الإماراتية تبحث شراء 45% من تيك توك أميركا
تقدم ”أوراكل“ حالياً خدمات سحابية لمنصة ”تيك توك“ وتستضيف بيانات المستخدمين في الولايات المتحدة ودول أخرى. إذا تمت هذه الصفقة، فستعمل ”أوراكل“ كمزود أمان لصالح ”تيك توك“ وستساعد كيان ”تيك توك“ الأميركي الجديد على مراقبة التطبيق من أجل الأمان، والعمل مع الحكومة الأميركية، وفقاً لمسؤول كبير في البيت الأبيض.
أشار ترمب في مقابلة مع قناة ”فوكس نيوز“ إلى أن رئيس مجلس إدارة شركة ”فوكس“ لاكلان مردوخ ووالده روبرت مردوخ يشاركان أيضاً في عملية الاستحواذ. كما ذكر لاري إليسون، رئيس مجلس إدارة ”أوراكل“، ومايكل ديل، رئيس مجلس إدارة شركة “ديل” أيضاً.
عضو مجلس الإدارة الصيني خارج اللجنة الأمنية
تتمثل الخطة المقترحة في أن يشغل الأميركيون ستة من أصل سبعة مقاعد في مجلس إدارة ”تيك توك يو إس“، وسيكون لديهم مؤهلات اعتماد في مجال الأمن القومي والأمن السيبراني. وستختار ”بايت دانس“ عضو مجلس الإدارة المتبقي، الذي سيُقصى عن لجنة الأمن، وفقاً لمسؤول كبير في البيت الأبيض.
البيت الأبيض: صفقة “تيك توك” تمنح أميركا السيطرة على مجلس الإدارة
لقد أعطى الأمر التنفيذي الطرفين 120 يوماً لإتمام الصفقة. في حين قال ترمب ومسؤولون آخرون إن الرئيس شي جين بينغ أجاز الصفقة، فإن الحكومة الصينية لم تعلن بعد ما إذا كانت قد منحت موافقتها.
بعد الاجتماع الذي طال انتظاره بين الزعيمين في أكتوبر، قالت وزارة التجارة الصينية فقط إنها ملتزمة بحل المشاكل المتعلقة بمنصة ”تيك توك“ بشكل صحيح، دون تقديم تفاصيل أو تأييد كامل للإطار الذي طرحته الولايات المتحدة. وستستمر منصة “تيك توك“ بالعمل في الولايات المتحدة بشكلها الحالي حتى الانتهاء من الاتفاق.
كم ستبلغ قيمة تيك توك الولايات المتحدة؟
قال نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس إن الصفقة ستقدر قيمة ”تيك توك يو إس“ بحوالي 14 مليار دولار. وهذا أقل بكثير من التقديرات السابقة لقيمة النشاط الأكبر ربحيةً لدى شركة ”بايت دانس“ خارج الأراضي الصينية، وقد تراوحت بين 35 مليار دولار و50 مليار دولار.
لطالما كان تقييم عمليات ”تيك توك“ في الولايات المتحدة أمراً صعباً، لا سيما بالنظر إلى تعقيد خوارزمية المحتوى المرغوبة للتطبيق. لكن حتى وفقاً للتقديرات الأكثر تحفظاً، فإن هذا النشاط يولد أكثر من 10 مليارات دولار من الإيرادات سنوياً – رغم أن هذا لا يكفي لتحقيق أرباح.
هل مستقبل الترفيه أرانب تتقافز وكلاب تتكلم؟
عند تقييم 14 مليار دولار، فإن ”تيك توك يو إس“ ستحمل نسبة سعر إلى مبيعات تبلغ حوالي 1.4 مرة، بما يتماشى مع الشركات الناضجة منخفضة النمو مثل ”إكسون موبيل“ (Exxon Mobil) و“جنرال ميلز“ (General Mills). تُتداول شركة ”ميتا“ التي تشغل تطبيق ”إنستغرام“ و“ألفابت“ مالكة ”جوجل“، بحوالي ثمانية أضعاف المبيعات.
ما هو مصير خوارزمية ”تيك توك“؟
جاء نجاح ”تيك توك“ المذهل مستنداً إلى خوارزمية المنصة، التي توجه المحتوى للمستخدمين بناءً على أنشطتهم واهتماماتهم الأخيرة كي يستمروا بالتنقل من مقطع مصور إلى آخر.
بموجب الصفقة المقترحة، سيستأجر مالكو ”تيك توك“ في الولايات المتحدة نسخة من الخوارزمية من ”بايت دانس“ وسيْعاد تدريبها “من الألف إلى الياء” تحت إشراف ”أوراكل“، وفقاً لمسؤول في البيت الأبيض. وستوفر ”أوراكل“ بعد ذلك الأمان للنسخة الأميركية الجديدة من الخوارزمية، وفقاً للمسؤول.
تحالف بقيادة “أوراكل” يجدد محاولة الاستحواذ على “تيك توك” أميركا
بيّن المسؤول أن بيانات المستخدمين الأميركيين ستُخزن في سحابة آمنة تديرها ”أوراكل“، وستكون هناك ضوابط لإبعاد الخصوم الأجانب، بما في ذلك الصين. وقال المسؤول إن ”بايت دانس ”لن تتمكن من الوصول إلى معلومات حول مشتركي ”تيك توك“ في الولايات المتحدة، ولن يكون لها أي سيطرة على الخوارزمية في الولايات المتحدة.
لماذا هناك اهتمام كبير بعمليات ”تيك توك“ في الولايات المتحدة على أي حال؟
من حيث الاستخدام النشط اليومي، تحتل ”تيك توك يو إس“ المرتبة الأولى بين منصات التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية في أميركا، وتنافس أمثال ”يوتيوب“ التابعة لشركة ”ألفابيت“ و“إنستغرام“ التابعة لشركة ”ميتا“. هذا المستوى من المشاركة يجعله عملاً مربحاً مع المعلنين الذين يحرصون على جذب انتباه قاعدة مستخدميه الضخمة.
في عام 2024، قاد تطبيق ”تيك توك“ توسعاً عالمياً في الإيرادات لشركة ”بايت دانس“ مما ساعد في تعويض التباطؤ في الصين، ما دفع المبيعات من العمليات الخارجية للشركة الأم إلى 39 مليار دولار لهذا العام، وفقاً لما نقلته ”بلومبرغ“.
ترمب يمدد مهلة “تيك توك” في الولايات المتحدة حتى 16 ديسمبر
الأهم من ذلك، كما أكد ترمب نفسه مراراً، هو تأثير ”تيك توك“ على جمهور أصغر سناً من الجيل زد. كما أن الإمكانات طويلة المدى للفروع الأحدث مثل ”تيك توك شوب“ لتحدي ”أمازون“ و”ولمارت“ في التجارة الإلكترونية تجذب المستثمرين أيضاً.
لا يزال “تيك توك” من بين أنجح الغزوات الخارجية لقطاع التقنية الصيني، الذي كان مقيداً في السنوات الماضية بالتوترات الجيوسياسية.
لماذا أعطت الولايات المتحدة ”بايت دانس“ هذا الإنذار؟
لطالما شعر المشرعون الأميركيون بالقلق من إمكانية استخدام ”تيك توك“ للتجسس على المواطنين الأميركيين. ينبع هذا من حقيقة أن الصين تلزم شركاتها، بأن تشارك عند الطلب أي بيانات متعلقة بالأمن القومي مع حكومتها. (تقول ”تيك توك“ إنها لم يُطلب منها تقديم مثل هذه البيانات إلى الحكومة الصينية، ولن تفعل ذلك إذا طُلب منها ذلك).
يشعر المسؤولون الأميركيون أيضاً بالقلق من أن الحكومة الصينية قد تسيء استخدام بيانات مستخدمي ”تيك توك“ الأميركيين – على سبيل المثال، من خلال جمع ملفات المعلومات الشخصية لأغراض الابتزاز.
السطوة على “تيك توك” بعد الصفقة ستكون للبيت الأبيض
هناك أيضاً مخاوف من أن ”تيك توك“ قد تستخدم خوارزميتها للتلاعب بنوع مقاطع الفيديو التي يشاهدها المستخدمون لتقسيم الأميركيين أو نشر دعاية مواتية للمسؤولين الصينيين في بكين.
سعت منصة ”تيك توك“ إلى مواجهة هذه المخاوف من خلال نقل تخزين بيانات المستخدمين الأميركيين إلى خوادم سحابية مقرها الولايات المتحدة تديرها ”أوراكل“ في عام 2022. ومع ذلك، فشلت هذه الجهود في تهدئة المشرعين ومسؤولي الأمن القومي.
المصدر : الشرق بلومبرج
