تمر سوق العقارات السعودية بتحول كبير مدفوعة بشكل أساسي بجهود المطورين العقاريين لسد الفجوة بين العرض والطلب، إلى جانب الإصلاحات التنظيمية والقوانين الجديدة، وسط تعهدات قائمة بمشاريع بقيمة 440 مليار دولار، بحسب تقرير حديث لشركة “سي بي آر إي” (CBRE) للاستشارات العقارية.
التقرير أشار إلى أن التدفق المستقبلي للمعروض من الوحدات العقارية (السكنية والتجارية والفندقية) يتركز بشكل كبير في المشاريع العملاقة، التي تمثل نحو 47% من المشاريع المرتقبة على المدى الطويل البالغ حجمها الإجمالي 1.55 تريليون دولار، والتي تتصدّرها مدينة “نيوم” المستقبلية.
“تشهد سوق العقارات في المملكة العربية السعودية مرحلة تحول كبيرة، في ظل إصلاحات تنظيمية مهمة واستثمارات استراتيجية مستمرة، مما يخلق بيئة ديناميكية للمستثمرين والمطورين والمستأجرين على حد سواء” بحسب ماثيو غرين، رئيس قسم الأبحاث في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى الشركة.
تحولات تنظيمية كبيرة
التحول الكبير في السوق مدعوم بثلاثة إصلاحات رئيسية أجرتها المملكة وهي إتاحة ملكية العقارات لغير السعوديين اعتباراً من يناير المقبل وفرض ضريبة على الأراضي البيضاء (غير المستغلة) إلى جانب تجميد الإيجارات في الرياض، المركز العقاري في المملكة، لمدة خمس سنوات.
وقالت الشركة إن قانون ملكية العقارات الذي أقره مجلس الوزراء في يوليو الماضي يعتبر خطوة حاسمة نحو تحقيق هدف المملكة المتمثل في جذب 100 مليار دولار سنوياً من الاستثمار الأجنبي المباشر بحلول عام 2030.
يسمح القانون الجديد للأجانب بالتملك الكامل للعقار داخل المملكة بطريقة مباشرة سواء للأفراد أو الشركات، بعد أن كان ذلك محصوراً على المواطنين السعوديين وبعض الفئات من المقيمين وفق شروط صارمة، وهو ما يشكل تحولاً جذرياً في سياسات السوق العقارية بالمملكة.
ضريبة مكافحة المضاربة
وفي خطوة لمكافحة المضاربة ورفع كفاءة استغلال الأراضي، فرضت المملكة ضريبة الأراضي البيضاء برسوم متدرجة بين 2.5% إلى 10% على نحو 411 مليون متر مربع عبر المدن الكبرى ضمن المبادرة وهو ما يمثل نواة كبيرة للمعروض الجديد المحتمل، بحسب التقرير.
وتوقعت الشركة أن تدفع زيادة تكلفة حيازة الأراضي الملاك إلى بيع الأراضي أو تطويرها بأنفسهم أو من خلال شراكات مع مطورين آخرين ما يخلق فرص استثمارية لرأس المال الأجنبي.
وأضافت أن ذلك قد يؤدي إلى بعض التقلبات في أسعار الأراضي وارتفاع السيولة على المدى القصير، لكن تباطؤ نمو الأسعار يبدو النتيجة المنطقية للقرار على المدى البعيد.
تثبيت الإيجارات.. الأولوية للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي
وفي سبتمبر الماضي، أعلنت المملكة تثبيت الإيجارات لمدة خمس سنوات للوحدات السكنية والتجارية في العاصمة الرياض، في إجراء قالت الشركة إنه يعطي الأولوية للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي على النمو العقاري المرتفع في محاولة للسيطرة على الارتفاع الحاد في الإيجارات.
كما اطلقت الهيئة الملكية لمدينة الرياض منصة التوازن العقاري لمعالجة الفجوة بين العرض والطلب على الإسكان واحتواء تسعير المضاربة السكنية في العاصمة. تهدف المنصة لتحقيق الاستقرار في سوق العقارات بالرياض من خلال السماح للمواطنين المؤهلين بالتقدم لشراء الأراضي السكنية المخططة في الأحياء القائمة.
وقالت الشركة إن المنصة تضمن وصول الأراضي لمالكي المنازل الحقيقيين من خلال معايير للأهلية مثل أن يكون العقار هو الأول للمتقدم وفرض قيود لمدة عشر سنوات على بيع أو نقل أو تأجير الأرض.
المشاريع العملاقة تسيطر على المعروض المستقبلي
أشار التقرير إلى أن المعروض المستقبلي يتركز بشكل كبير في المشاريع العملاقة مشيراً إلى مشاريع مثل “معرض الرياض إكسبو 2030″ و”مدينة القدية” التي سيجري افتتاحها أواخر العام الجاري بالإضافة إلى مشاريع إنشاء ثلاثة مطارات في المنطقة الشرقية باستثمارات إجمالية نحو 426 مليون دولار.
يأتي ذلك على الرغم من تقارير حول إعادة تقييم السعودية لخطط الإنفاق على المشاريع بعدما قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في سبتمبر الماضي إن المصلحة العامة هي البوصلة العليا التي توجه مسار تنفيذ برامج المملكة الاقتصادية، مشيراً إلى أن الحكومة مستعدة لإجراء “أي تعديل جذري” أو حتى “إلغاء كامل” لأي برنامج أو مستهدف إذا ثبت أنه لا يخدم هذا الهدف.
القطاع الخاص يقود التطوير المكتبي
ومن بين القطاعات المكونة للسوق العقارية في المملكة، أشار التقرير إلى أن القطاع المكتبي، الذي يرتبط بوضع الرياض كمركز أعمال دولي ناشئ، يشهد نقصاً في المعروض في ظل معدلات إشغال مرتفعة في العاصمة عند 98% إلى جانب نمو الإيجارات 15% على أساس سنوي في الربع الثالث.
وأضاف التقرير أن برنامج المقر الإقليمي للشركات العالمية يظل المحرك الرئيسي لهذا القطاع في ظل خطة معلنة من مركز الملك عبد الله المالي لمضاعفة مساحته الحالية البالغة 1.6 كيلومتر مربع، وهي خطوة ضرورية في ظل تزايد عدد الشركات العالمية التي تتخذ مقرات في الرياض.
وتوقع وزير الاستثمار خالد الفالح في وقت سابق من الشهر الجاري أن يصل عدد الشركات التي نقلت مقراتها الإقليمية للمملكة إلى 700 شركة بنهاية العام الحالي، كما كشف الفالح أواخر الشهر الماضي أن 675 شركة حصلت بالفعل حتى الآن على التراخيص اللازمة لبدء تشغيل مقراتها الإقليمية من الرياض.
وقالت الشركة الاستشارية إن القطاع المكتبي مدفوع أكثر بأنشطة المطورين من القطاع الخاص التي تمثل 80% من المعروض الجديد بينما يأتي 20% فحسب من المكاتب الجديدة في المشاريع العملاقة.
اختلال العرض والطلب في المساكن
وفي مسعى لمعالجة الاختلال بين العرض والطلب بالقطاع السكني، عززت الشركات العقارية الكبرى نشاطها في الربع الثالث من العام حيث من المتوقع تسليم خمسة آلاف وحدة سكنية جديدة في الرياض بنهاية العام الجاري.
كما أحرزت المجتمعات السكنية في المشاريع العملاقة تقدماً إذ أعلنت مجموعة “روشن” طرحاً محدوداً لمنازل جديدة في مشروع العروس السكني بشمال مدينة جدة كما وقعت “إعمار المدينة الاقتصادية” اتفاقية لتطوير 340 قطعة أرض سكنية فاخرة بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية مستهدفة المشترين الأجانب، بحسب التقرير.
المصدر : الشرق بلومبرج
