يتعرّض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لضغوط متزايدة من جانب منتقدين، لأجل الحفاظ على استمرار تشغيل الأضواء والتدفئة، في الوقت الذي تكثف فيه القوات الروسية هجماتها على إمدادات الطاقة في البلاد.
وقال الرئيس السابق لشركة الكهرباء الأوكرانية “أوكرنيرجو” Ukrenergo، فولوديمير كودريتسكي، في مقابلة مع مجلة “بوليتيكو” الأميركية، إن الرئيس زيلينسكي يخشى من رد فعل شعبي عنيف؛ بسبب انقطاع التيار الكهربائي الذي من المحتمل أن يستمر لفترة طويلة هذا الشتاء، ويحاول إلقاء اللائمة على آخرين.
وأضاف كودريتسكي البالغ من العمر 39 عاماً، والذي قاد شركة الكهرباء الوطنية، حتى أُجبر على الاستقالة العام الماضي وسط صراعات داخلية، بشأن السيطرة السياسية على قطاع الطاقة، وفق المجلة، إنه واحد من أولئك الذين يتطلع مكتب الرئيس إلى جعلهم “كبش فداء”.
وتوقع أن تواجه أوكرانيا “شتاءً صعباً للغاية” في ظل القصف الروسي المتواصل، معتبراً أن حكومة كييف جعلت الأمر أسوأ من خلال ارتكاب سلسلة أخطاء.
وذكرت المجلة أن إصدار أمر قضائي بوضع كودريتسكي قيد الاحتجاز والإفراج عنه بكفالة على خلفية اتهامه بـ”الاختلاس” الأسبوع الماضي، فاقم حدة الخلاف بينه وبين فريق زيلينسكي، وهو ما أثار غضب المجتمع المدني الأوكراني، ونواب المعارضة.
واعتبر معارضون أن توجيه الاتهام إلى كودريتسكيي بشأن عقد- من بين مئات العقود- التي أذن بها قبل 7 سنوات، عندما كان نائباً لمدير شركة الكهرباء، يعد مثالاً واضحاً على الاستغلال العدائي للحرب القانونية من قبل القيادة الأوكرانية، “لترهيب معارضين، وإسكات منتقدين، والتعتيم على أخطائهم”.
وأضاف كودريتسكي أنه ليس لديه أدنى شك في أن التهم الموجهة إليه لا بد من الموافقة عليها من قبل مكتب الرئيس، و”لا يمكن أن تكون مدبرة إلا بأوامر من زيلينسكي”، في حين رفض مكتب زيلينسكي الرد على طلبات متكررة من “بوليتيكو” للتعليق.
وقبل احتجازه، قال كودريتسكيي إنه كان موضع انتقاد “من قبل قنوات تليجرام مجهولة تدعم المكتب الرئاسي بادعاءات كاذبة بأنني اختلست أموالاً”، فيما يعد أول مؤشر على أنه من المحتمل أن يستهدف بمعاملة “أشد قسوة”.
وأشار كودريتسكي الذي أُفرج عنه بكفالة، الجمعة، أن التهم الجنائية الموجهة إليه “هراء”، لكنها وُجهت إليه حتى “يسهل على مكتب الرئيس ترويج فكرة أنه مسؤول عن الفشل في إعداد نظام الطاقة للشتاء المقبل، على الرغم من حقيقة أنني لم أكن في أوكرنيرجو لأكثر من عام حتى الآن”، وتابع: “إنهم خائفون حتى الموت من غضب الرأي العام هذا الشتاء”.
خطط متنافسة
وقال كودريتسكي إن رد الفعل العام ضد القيادة في كييف سيكون له ما يبرره جزئياً، لأن الكفاح من أجل إبقاء الأنوار مضاءة سيتفاقم جراء التأخر في نشر المزيد من أنظمة توليد الطاقة اللامركزية.
وذكر أن تحديات قطاع الطاقة في أوكرانيا مع تزايد برودة الطقس ستتفاقم بسبب فشل الحكومة في العمل على الفور على خطة قدمها إلى زيلينسكي قبل 3 سنوات.
وأضاف أن هذا المقترح كان سيضفي طابع اللامركزية على أنظمة توليد الطاقة ويحولها، في أسرع وقت ممكن، عن النظام الذي يعتمد على محطات الطاقة المركزية الضخمة التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، والتي كانت أهدافاً أكثر جاذبية للهجمات الروسية.
وتمحوّرت الخطة حول فكرة أن اللامركزية في توليد الطاقة ستكون أفضل طريقة للصمود في وجه الهجمات الصاروخية وهجمات الطائرات المسيرة الروسية.
وخلال الأسابيع الأخيرة تضاعفت الهجمات إلى نطاق ينذر بالخطر، حيث استهدفت روسيا في بعض الأيام البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا بـ500 طائرة مسيرة، و20 إلى 30 صاروخاً في كل هجوم، بحسب “بوليتيكو”.
وأشار كودريتسكي إلى أنه بدلاً من الموافقة على خطة اللامركزية بسرعة، وقال إن البطء في تعزيز منشآت الطاقة في البلاد لتتحمل بشكل أفضل تأثير الضربات المباشرة أو الانفجارات، بما في ذلك بناء ملاجئ خرسانية لحماية المحولات في محطات الطاقة، كان “فشلاً ذريعاً للحكومة”.
وأضاف أن شركة “أوكرنيرجو” بدأت في تحصين المنشآت وبناء ملاجئ خرسانية للمحولات في عام 2023؛ لكن شركات توليد الطاقة الأخرى لم تبذل إلا القليل من الجهد.
“تراجع ديمقراطي”
وأُجبر كودريتسكيي على الاستقالة بشكل مفاجئ العام الماضي، فيما يقول العديد من المسؤولين التنفيذيين الأوكرانيين في مجال الطاقة إنها “مناورة دبرها أشخاص من داخل الرئاسة عازمون على احتكار السلطة السياسية”.
وأثارت إقالته قلقاً في بروكسل وواشنطن، حتى أن دبلوماسيين غربيين وبنوك عالمية شرعت في توبيخ علني نادر انتقادات لأوكرانيا، ليكسروا بذلك صمتهم المعتاد بشأن السياسة الأوكرانية الداخلية، وحضوا كييف على تغيير مسارها.
ولم يصدر عن الشركاء الدوليين أي تعليقات علنية على احتجاز كودريتسكي وتوجيه الاتهام إليه، ولكن مجموعة من أربعة مراكز أبحاث أوكرانية بارزة أصدرت بياناً مشتركاً في 30 أكتوبر الماضي، في اليوم التالي لتوجيه الاتهام إليه، حضت فيه السلطات على إجراء التحقيقات “بأقصى درجات النزاهة، والموضوعية، والحياد السياسي”.
كما حذرت مراكز الأبحاث من إجراء ملاحقات سياسية، وقالت في بيانها إن “ممارسة إجراءات ذات دوافع سياسية ضد محترفي السلطة في أي بلد، لا سيما في بلد يمر بأوقات عصيبة للغاية من الحرب، يشكل ضربة للدولة، وليس مظهراً من مظاهر العدالة”.
ووصفت رئيسة “مركز العمل لمكافحة الفساد” (ANTAC) داريا كالينيوك، وهي إحدى أبرز نشطاء مكافحة الفساد في البلاد، قضية الاختلاس ضد كودريتسكي بأنها “غير منطقية” من الناحية القانونية.
وقالت إن المدعي العام لم يقدم أدلة على أن رئيس شركة الطاقة السابق أثرى نفسه بأي شكل من الأشكال، وقالت، إلى جانب قادة مجتمع مدني آخرين، إن القضية حلقة أخرى من حلقات “التراجع الديمقراطي”.
ومنذ أن أُجبر على الاستقالة من شركة “أوكرنيرجو”، لم يتردد كودريتسكي في تسليط الضوء على ما يقول إنه “سوء إدارة قطاع الطاقة في أوكرانيا”.
وأشار إلى أنه تعرّض بسبب ذلك للهجوم على منصات التواصل الاجتماعي باعتبار أنه “غير وطني”، لكنه يرى الأمر بشكل مختلف.
ومضى قائلاً: “معظم الأوكرانيين يفهمون أنه ينبغي انتقاد الحكومة حتى في وقت الحرب بسبب أخطائها، وإلا فإن ذلك قد يتسبب في إلحاق الضرر بالبلاد”.
المصدر : الشرق
