خولة المجيني لـ«الخليج»: «الشارقة للكتاب» فضاء إنساني للمعرفة

خولة المجيني لـ«الخليج»: «الشارقة للكتاب» فضاء إنساني للمعرفة

الشارقة: «الخليج»
على مدى أكثر من أربعة عقود، والشارقة تسجل كل عام فصلاً جديداً في تاريخ الثقافة العربية والعالمية، عبر معرضها الدولي للكتاب الذي بات أحد أبرز تظاهرات المعرفة على مستوى العالم.
وفي دورته الرابعة والأربعين، التي تُقام هذا العام تحت شعار «بينك وبين الكتاب»، يواصل المعرض ترسيخ مكانته بوصفه فضاءً إنسانياً وفكرياً يتقاطع فيه الأدب مع الفنون والتقنية، وتلتقي فيه 118 دولة بأصواتها ولغاتها المختلفة.
حول خصوصية هذه الدورة، وتفاصيل برنامجها الثقافي والفني، وجديد فعالياتها، كان هذا الحوار مع خولة المجيني، المنسق العام للمعرض، التي تكشف فيه عن الرؤية التي تقف خلف هذا الحدث العالمي، وعن العلاقة المتجددة بين القارئ والكتاب.

* يحمل المعرض هذا العام شعار «بينك وبين الكتاب»، وهو شعار بسيط لكنه عميق المعنى. ما الفكرة التي أردتم إيصالها من خلال هذا الشعار؟ وكيف يُجسّد روح الدورة الجديدة؟

– اخترنا الشعار لأنه يعبّر عن تلك العلاقة العميقة التي تجمع القارئ بالكتاب، أردنا أن نسلّط الضوء على تلك المسافة غير المرئية التي تفصل القارئ عن الكاتب، والتي لا يعبُرها سوى الفهم والتجربة الشخصية، فكل قارئ يرى الكاتب من زاويته الخاصة، ويقرأ النصّ بعينه هو، محمّلاً بخلفيته الثقافية، ومزاجه، وذكرياته، وربما بما يعيشه في تلك اللحظة.

قد يفرح قارئ بما يقرأه، وقد يغضب آخر من الفكرة ذاتها وهذا بالضبط ما يجعل الكتاب كائناً حياً، لا يُقرأ بالطريقة نفسها مرتين.

إنها علاقة متحرّكة تتغيّر بتغيّر القارئ والزمن، ولهذا جاء الشعار دعوة للتأمل في ما يحدث بيننا وبين الكتاب من تفاعل متجدد، لا في الكتاب ذاته، فالمعرض هذا العام يحتفي بهذه المسافة الجميلة التي تخلق الحوار، وتمنح الأدب حياته الحقيقية.

تنوع

* يشارك في الدورة هذا العام 118 دولة وأكثر * من 2350 ناشراً و250 ضيفاً من 66 دولة، كيف تمكنتم من الحفاظ على هذا التنوع الهائل وتطويره عاماً بعد عام؟

– الحفاظ على هذا التنوع الذي يميّز معرض الشارقة الدولي للكتاب، ليس أمراً يتحقق من تلقاء نفسه، بل هو ثمرة رؤية واضحة واستراتيجية ممتدة وضع أسسها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ورسّختها سمو الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، من خلال قيادتها المتواصلة لمسيرة النهوض بصناعة المعرفة والنشر، فقد تحوّل المعرض بفضل هذا الدعم والرؤية إلى حدثٍ تنتظره المؤسسات الثقافية والناشرون من جميع أنحاء العالم، بوصفه نافذةً تُطلّ منها على المشهد العربي، وجسراً نحو الجمهور في منطقة تعدّ من أكثر أسواق الكتاب نمواً وفاعلية.

نعمل في هيئة الشارقة للكتاب طوال العام على متابعة علاقات التعاون مع الناشرين والمؤلفين والمترجمين، واستقطاب ثقافات جديدة لم تُعرض سابقاً، وإتاحة الفرصة أمام بلدانٍ بعيدة جغرافياً لكنها قريبة معرفياً، لتكون جزءاً من المشهد الثقافي في الشارقة، نحن نؤمن أن كل دار نشر هي بوابة لثقافةٍ ما، وكل كتابٍ هو دعوة إلى الحوار، لذلك نسعى لأن يشعر كل زائر أنه مُمثَّل في هذا الحدث، وأن صوته وذاكرته حاضران بين رفوف الكتب.

وبهذا المعنى، فإن التنوع الذي يحتفي به المعرض اليوم هو امتداد طبيعي لمكانة الشارقة على خارطة عواصم المعرفة في العالم، ومؤشر على نجاح مشروعها الثقافي في بناء بيئة مستدامة للفكر والإبداع.

منظومة

* المعرض لم يعد مجرد تظاهرة كتب، بل منظومة معرفية وإبداعية متكاملة. ما الذي يجسد هذه المنظومة على أرض الواقع؟.

– هذا صحيح، أصبح المعرض فضاءً إنسانياً حياً للمعرفة والإبداع، يتفاعل فيه الفكر مع الفن، ويتقاطع فيه الأدب مع التقنية، والتعليم مع الترفيه الثقافي، فنحن نحرص دائماً أن يبقى الكتاب في قلب التجربة، لكن حوله يجب أن تدور منظومة متكاملة من الأنشطة التي ترسخ مكانة القراءة في حياة الأفراد بأساليب جديدة ومؤثرة.

هذا العام، حرصنا على أن تكون تجربة الزائر أكثر عمقاً وتنوّعاً، بحيث لا يكتفي باكتشاف عناوين جديدة، بل يعيش تجربة شاملة تمسّ جميع حواسه، فإلى جانب الفعاليات الأدبية والفكرية، أطلقنا مبادرات نوعية مثل «صيدلية الشعر» التي تقدّم القصيدة كعلاجٍ رمزيّ للروح، و«محطة الحديث الصوتي أو ما يعرف بالبودكاست، التي تتيح للجمهور الاستماع إلى الحوارات الثقافية الحية من قلب المعرض، وأكاديمية التواصل الاجتماعي «بوب أب» التي تجمع بين التعليم التفاعلي والابتكار في مجالات الاتصال وصناعة المحتوى.

كما ركزنا على جعل مسارات الزيارة أكثر سلاسة وتكاملاً، فهناك مساحات مخصصة للعائلات والأطفال، وأخرى لرواد النشر والمهنيين، وأخرى للتقنيات الإبداعية والفنون الرقمية، لتكون بذلك كل زاوية في المعرض تروي قصة، وتقدّم تجربة اكتشاف مختلفة، تُشعر الزائر بأنه ليس مجرد متلقٍ، بل شريك في صناعة هذا الحدث الثقافي الكبير.

علاقات تاريخية

تقول خولة المجيني جاء اختيار اليونان ضيف شرف المعرض امتداداً لعلاقات ثقافية وتاريخية عميقة تربط بين الشارقة واليونان، ففي العام الماضي كانت الشارقة ضيف شرف في معرض «تسالونيكي» الدولي للكتاب، لذلك يمكن القول إن استضافة اليونان هذا العام هي تتويج طبيعي لشراكة فكرية وفنية تقوم على قيم مشتركة مثل الإبداع، والعلم، والحوار الحضاري.

اليونان تُعدّ مهد الفلسفة والدراما والفنون، ومنبع كثير من الأفكار التي أسست للحضارة الإنسانية وفي المقابل، تمثّل الشارقة اليوم واحدة من أبرز الحواضر الثقافية في العالم العربي، تحمل مشروعاً حضارياً يؤمن بدور الثقافة في بناء الإنسان، هذا التقاطع بين التاريخ العريق والرؤية المستقبلية هو ما أردنا أن يراه الزائر هذا العام في جناح ضيف الشرف.

مشاركات

تؤكد خولة المجيني أن اختيار الأسماء المشاركة في البرنامج الثقافيللمعرض يخضع لرؤية دقيقة تنظر إلى الثقافة بوصفها فضاءً واسعاً ومتعدد الأصوات، تقول: نحن لا نبحث فقط عن الأسماء اللامعة، بل عن التجارب التي أضافت فكراً جديداً وأسهمت في تجديد اللغة والمحتوى والهوية الإبداعية، لذلك حرصنا هذا العام على استضافة كوكبة من المفكرين والروائيين والشعراء والباحثين من مختلف الأجيال والمدارس الفكرية، ليجتمعوا في فضاء واحد يعكس ثراء المشهد العربي.

المصدر : صحيفة الخليج