يواصل معرض الشارقة الدولي للكتاب، عاماً بعد آخر، تأكيد مكانة الأدب الإماراتي كإبداع حاضر ومتجدد يعبر عن ذاكرة المكان وإنسانه، وفي دورته الجديدة، حصدت الكاتبة الإماراتية نادية النجار جائزة أفضل كتاب إماراتي عن فئة (الرواية)، تقديراً لعملها الروائي«ملمس الضوء»، الذي استوقف القراء والنقاد بما حمله من عمق إنساني وبحث فني في معنى الرؤية والنور الداخلي.
الرواية، الصادرة عن منشورات المتوسط بإيطاليا، تقدم فيها النجار حكاية بطلة كفيفة، تطرح أسئلة عميقة حول معنى الرؤية، وحدود الحواس، وطبيعة الإدراك الإنساني، وذلك من خلال لغة حسية شفافة وبناء سردي متين، تنجح معه الكاتبة في أن تدخل القارئ في عالم بطلتها «نورة»، وتجعله يرى الأشياء بطريقة مختلفة، لا بعينيه، بل بذاكرته وحسه الداخلي.
من خلال هذا الفوز والتكريم تثبت نادية النجار موقعها ضمن الجيل السردي الإماراتي الجديد، الذي يجمع بين العمق الإنساني وحس التجريب الفني، تعمل في «ملمس الضوء» على صياغة تجربة مدهشة تمزج بين الرؤية الداخلية والتأمل في معنى الوجود، وفي هذا الحوار الذي أجرته معها «الخليج» في أحد أروقة المعرض، تكشف عن مشاعرها تجاه الفوز بالجائزة، وتستعيد رحلتها مع الرواية، متحدثة عن الرسالة التي أرادت بطلتها «نورة» أن توصلها إلى القارئ.
* ماذا يعني لك الفوز على المستوى الشخصي والمهني؟
-التكريم هو شرف لي على المستويين الشخصي والمهني، لأنه يأتي من مؤسسة ثقافية عريقة مثل معرض الشارقة للكتاب، التي تمثل بيت الأدب والكتاب في الإمارات، هذا الفوز يمنحني دفعة كبيرة للاستمرار في الإبداع والكتابة، ويجعلني أكثر إصراراً على خوض تجارب جديدة تعبر عن الإنسان والمكان الإماراتي برؤية أكثر نضجاً وعمقاً.
* شرارة
* ما اللحظة أو الشرارة التي أنضجت فكرة «ملمس الضوء» ودفعتكِ لبدء كتابة الرواية؟
-في البدء شغلتني أسئلة كثيرة، منها: كيف يعيش الكفيف، ويتخيل ما حوله؟ وماذا تعني له الألوان؟ وماذا يشاهد في أحلامه؟ وسؤال مهم، وهو ماذا يعني الضوء للكفيف، وللمبصر كذلك؟ ومن تلك الأسئلة بدأت رحلتي في كتابة الرواية واكتشاف ملمس الضوء مع البطلة نورة الكفيفة، وراوية الأحداث، من خلال صور فوتوغرافية قديمة تعود إلى جدها، والتي أخذتنا إلى الماضي.
في ملمس الضوء كنتُ في رحلة اكتشاف ماهية الضوء، وكنت أكتب في عالم تتحرك فيه الحواس كلها ما عدا البصر، وتمتزج فيه ذاكرة ما قبل النفط في المنطقة بالحاضر.
بالطبع. الكتابة عن شخصية كفيفة تجربة مختلفة، وبما أن البطلة نورة هي من كانت تروي الحكاية كنتُ حذرة في وصف الأماكن حولها والأشخاص الذين تقابلهم والأحداث التي تمر بها، واعتمدتُ في الوصف على الحواس الأخرى دون حاسة البصر. كنتُ أريد أن يشعر القارئ بما تشعره نورة تماماً، ويتخيل عالمها المختلف.
* ما الذي أثار فيك فكرة أن تكون بطلة الرواية كفيفة تستخدم حواسها الأخرى لاستكشاف العالم؟ ولماذا العمى تحديداً؟
-لستُ متأكدة من الدوافع التي جعلتني أكتب عن العمى وما الذي أثار اهتمامي في الكتابة من وجهة نظر كفيف، ولكن فقد إحدى الحواس وتحديداً حاسة البصر، كان يشغلني منذ فترة طويلة، فبحثتُ عن ماهية العمى، وأسبابه الطبية، وكيف يعيش الكفيف، وكيف يتخيل ما حوله؟
فالإنسان يعتمد في حالة فقده لإحدى حواسه على حواسه الأخرى بشكل كبير، وفي حالة بطلة الرواية «نورة» الكفيفة التي فقدت بصرها في عمر مبكر، ولا تمتلك ذاكرة بصرية فهي تسرد عبر حواسها الأربع الأخرى لتعويض فقدانها للبصر.
وتعمدت أن يظهر ذلك بشكل واضح في يوميات نورة، الكفيفة منذ الطفولة، مثلاً كان مذاق الحلوى يذكرها بجدتها، ورائحة دهن العود ترتبط بوالدها، أما صوت البحر فيشعرها بالراحة.
تسرد البطلة الحكاية، عن طريق الصوت، والرائحة، والمذاق، واللمس، وهي أبواب الرواية الأربع، مع غياب حاسة البصر.
*لو أردتِ أن تختصري رسالة واحدة تودين أن يخرج بها القارئ من «ملمس الضوء»، ماذا ستكون؟
– ربما أريد من القارئ أن يرى ما حوله بعمق أكبر، وأن يكتشف الضوء الحقيقي الذي يسكن داخله، لإن النور ليس ما تراه العين فقط، بل ما يكتشفه القلب والعقل والذاكرة.
* نصوص
* ما المشروع الأدبي القادم للكاتبة نادية النجار؟
أعمل حالياً على مجموعة من النصوص الموجهة للأطفال والناشئة، فهذه الفئة تمثل بالنسبة لي مساحة خصبة للخيال والإبداع، والكتابة لهم متعة في السرد، ومسؤولية في بناء وعي جمالي ومعرفي مبكر، يسهم في تشكيل ذائقة جيل جديد يرى العالم بعين الدهشة والفضول.
أما على مستوى الرواية، فما زلت أتنقّل بين أفكار متعددة، أختبرها بصمت حتى تومض تلك الفكرة التي تشعل في الرغبة في الكتابة، أنا أؤمن أن كل رواية تختار زمنها وطريقتها في الدخول إلى الكاتب، لذلك أترك المجال للتجربة أن تنضج على مهلها قبل أن أبدأ الكتابة فعلاً.
*مساحة للإصغاء
في «ملمس الضوء»، خاضت الكاتبة رحلة إبداعية عميقة إلى عوالم لم تكن مألوفة، كأنها تمخر عباب المجهول باحثة عن الفهم قبل الحكاية. كتبت لتكتشف، وغاصت في التفاصيل لتفهم ما وراءها، محاولة أن تضيء مناطق معتمة من التجربة الإنسانية، وتمنح صوتاً لفئة من المجتمع موجودة على هامش السرد، فكانت الرواية مساحة للإصغاء والتعبير والكشف في آنٍ واحد
فوزها بجائزة أفضل كتاب إماراتي (فئة الرواية)، في معرض الشارقة الدولي للكتاب، هو تقدير لتجربة إماراتية تثبت أن الأدب المحلي قادر على التعبير عن أسئلة كونية بروح إنسانية صادقة، وربما يمكن القول إن نادية النجار كتبت في «ملمس الضوء» رواية عن الرؤية التي لا تحتاج عيناً لتبصر، رؤية تحتاج روحاً لتلمس الضوء حقاً.
المصدر : صحيفة الخليج
