الأساطير ..حكايات إغريقية مكتوبة بالماء

الأساطير ..حكايات إغريقية مكتوبة بالماء

الشارقة: يوسف أبو لوز

يعود اهتمام مصر بالترجمة من اليونانية إلى العربية إلى أواسط النصف الأول من القرن العشرين، وربما قبل ذلك، وهذه حقيقة ثقافية لا يعرفها الكثير من الكُتّاب العرب، وشخصياً، لولا بحثي منذ أكثر من ثلاثة شهور في الثقافة اليونانية، لما عرفت مترجماً وكاتباً مصرياً أساسياً في ترجمة الكلاسيكيات اليونانية، وهو أمين سلامة (١٩٢١- ١٩٩٨)، هذا الرجل المترجم المباشر من اليونانية إلى العربية.
ترجم أمين سلامة الإلياذة، كما ترجم الأُوديسة وأكثر من ذلك له كتاب بعنوان (اليونان وشاهد عيان)، وترجم كتاب (الأساطير اليونانية الرومانية)، هذا الكتاب الذي سأعتمد عليه في المادة وصدر عام ٢٠١٧ عن مؤسسة هنداوي، ومن الواضح أن الكتاب جاء في طبعة جديدة بناء على طبعات قديمة لهذه الأساطير.
يستخدم أمين سلامة كلمة (الأغارقة) لتسمية (الإغريق) فكيف بدأ العالم تبعاً لقدامى الأغارقة؟ كما يتساءل سلامة، يقول أمين سلامة: «لما تزوج أورانوس جايا، أنجبا عدة أولاد، بعضهم جميل جداً، والبعض الآخر وحوش عمالقة مفزعون، أطلق على النوع الأول اسم «تيتان»، وهما اثنا عشر تيتاناً ضخام الأجسام ذوي قوة جبَّارة يُشبهون البشر، ولكنهم، أضخم منهم بكثير، ومن أشهرهم: أوقيانوس ونيثيس اللذان حكَما البحر، وهيباريون وثيا إلها الشمس والقمر، وريا التي عُرفت في ما بعد باسم «الأم العظمى»، وثيميس حارس القانون والعدل، ونيموسيني ربة الذاكرة، وكرونوس أصغر هؤلاء جميعاً وأقواهم. كان العمالقة المتوحشون الذين أنجبَهم أورانوس وجايا نوعَيْن: ثلاثة من هؤلاء لكل واحدٍ منهم مئة يد، وثلاثة آخرون لكل واحد منهم عين واحدة في وسط رأسه تماماً، وأطلق على النوع الأول «هيكاتو نخيريس»، أي العمالقة ذوو المئة يد، والثاني «سيكاوبس» أي العمالقة ذوو العين الواحدة».

*بدايات

قصة طويلة جداً، حكاية بدء العالم من زاوية أسطورية يونانية، بل، إن كل مادة الكتاب هي سرد أو إعادة سرد للأساطير اليونانية، والإشكال هنا أنه لا يمكنك اختصار القصة أو اختزالها إلى حكاية موجزة، بحيث أن المرء يجد نفسه يعيش هذه الأساطير ويتأملها، كما يتأمل أبطالها الخارقين لكل ما هو مألوف.
إن الأساطير، بل، أية أساطير في ثقافات الشعوب هي قصص أبطال أو قصص بطولة، من أدونيس إلى جوبيتر، إلى أنكيدو في الميثولوجيا الرافيدينية، إلى أبطال أساطير وادي النيل وبلاد الشام، لا بل، قد تلتقي هذه البطولات الأسطورية مع بطولات مماثلة أو متناظرة في الحضارات الآسيوية، والشرقية، والمتوسطية، وحتى الأوروبية الغربية.
أردت القول، بناء، على بحث أمين سلامة أن الأساطير اليونانية، مهما كانت خصوصيتها المرجعية الإغريقية، هي في النهاية نتاج حضارات سابقة على ثقافة كريت العريقة العتيقة..
كانت آلهة السماء هي الأقرب لجبال الأولمب في الثقافة اليونانية، لكن الآلهة أيضاً نزلت إلى الأرض، فكيف كانت نظرة (الأغارقة) القدامي إلى الأرض؟.. يجيب أمين سلامة: «ظل الإغريق، لعدة عصور، يعتقدون أن الأرض مسطحة، وأن بلادهم تقع في وسطها تماماً، وأن البحر الأبيض المتوسط (البحر الأوسط كما يدل اسمه) يمر بمركز قرص الأرض، وأن نهر أوقيانوس يجري حول الحافات، وفي أقصى الشمال يقيم سكان الشمال، في أرض الربيع الدائم إلى مسافة بعيدة وراء الجبال التي تهبُّ على منحدراتها وتجاويفها رياح الشتاء الشمالية، ونحو الجنوب يقيم الإثيوبيون الذي أحبهم الآلهة كثيراً، ولا سيما بنتيون، ونحو الغرب تقع الجزر الإليوسية، وهي نوع من الفردوس».

*تحول

نجد في الأسطورة اليونانية أيضاً ما يمكن أن أسميه ثقافة الماء، أو حضارة الماء، ونجد أيضاً الإشارات الأولى لفكرة (التحوّل)، التحوّل من كائن إلى كائن، أو التحوّل من صورة إلى صورة.
يأخذنا أمين سلامة إلى آلهة الماء، وذلك الرجل العجوز الذي يتحوّل من صورة إلى أخرى:
«إبان حكم كرونوس، حكم أوقيانوس وتيثيس المياه بمساعدة عدد لا يحصى من حوريات المحيط، وقد أقام هذا الملك وزوجته في قصر عجيب تحيط به الحدائق، ولهما ابنة تدعى دوريس، تزوجت أحد سكان المحيط المسمى نيريوس، وهو رجل عجوز حكيم له موهبة التنبؤ، وموهبة أخرى هي استِطاعَتهُ التحول إلى أية صورة يريدها، ويُصوَّر نيروس كغيره من سكان الأعماق، وجسمه مغطى بالأعشاب البحرية بدلاً من الشعر، وكان لنيريوس ودوريس خمسون ابنة يُسَمَّيْن النيرياد، يشكلن نوعاً من حوريات البحر، وقد اشتهرن جميعاً بفرط جمالهن الساحر، وأقمن في شتى أجزاء البحر المتوسط ويُصوَّرْن أيضاً في صورة نصفها لفتاة، والنصف الآخر لسمكة».

*بحر عوليس

سيلاحظ قارئ كتاب «الأساطير اليونانية والرومانية» أن الرحم أو البطن الجغرافي لهذه الأساطير هو البحر الأبيض المتوسط، بحر عوليس، وبحر حرب طروادة، وبحر إيثاكة، وبحر بنيلوب، وغير ذلك من سرديات الماء التي تحوّلت إلى ميثولوجيات كبرى مقروءة إلى اليوم.
الحب، الغيرة، الندم، الجرأة، الشجاعة، الانتقام.. كل هذه المواصفات البشرية أي الموجودة عند البشر الأرضيين الأدميين، هي أيضاً كانت عند ملوك، وصعاليك الأساطير..
أولئك الذين قد كانوا مصنوعين فقط من الخيال، ولعلّ موجز قصة (سوخي) تلخص هذه (الصناعة) وسوخي عند (الأغارقة) تعني روح أو فراشة.
كان لأحد الملوك ثلاث بنات تُسمَّى صغراهن بسوخي (ومعنى اسمها بالإغريقية، إما «روح» أو «فراشة») وكانت أجملهن، ومن فرط جمالها كانت إذا سارت في الطريق نثر الناس الأزهارأمامها، ومن شدة إعجاب الناظرين بها، أهملوا مذابح فينوس.
غضبت ربة الحب إذا رأت أن بسوخي قد خلعتها من مركز محبة الناس لها، فصمَّمت على أن تعاقب تلك الفتاة ذات الجمال الخارق الساحر، فاستدعت ابنها كيوبيد، وأمرته بأن يُعَّد وسيلة لانتقامها. أمرته بأن يذهب إلى سوخي ومعه شيء من الماء من نافورة معينة في حديقة فينوس، فيوحي إلى تلك الفتاة بواسطة ذلك الماء بأن تُحبَّ شخصاً وضيعاً. فطار كيوبيد لتنفيذ هذه المهمة، ولكنه ما إن أبصر بسوخي راقدة في نوم لذيذ، حتى ندم على قبوله ما كلفته بها أمه، ومع ذلك فقد أخذ ينفذ رسالته، وعندما انحنى فوقها جرح نفسه بأحد سهامه، ولكنه لم يكترث لجرحه، وأخذ يعمل على إبطال مفعول المياه السحرية، فصبَ عليها عقاراً حلواً من قارورة أخرى، وطار.

المصدر : صحيفة الخليج