«الأسر الممتدة».. نسيج متماسك يضمن تلاحم المجتمع

«الأسر الممتدة».. نسيج متماسك يضمن تلاحم المجتمع

تحقيق – مرفت عبدالحميد وجميلة إسماعيل

لا تزال العائلة الإماراتية تعرف بـ«البيت الكبير»، الذي يحتضن الجد والجدة، والأبناء، والأحفاد، تحت سقف واحد، تتلاقى فيه الأصوات والذكريات، وتختصر فيه الحكايات على وجبة غداء جماعية أو في جلسة مسائية بنكهة القهوة.

وأكد مختصون لـ«البيان» أن نموذج الأسرة الممتدة والعائلة الكبيرة يشكل نسيجاً اجتماعياً متماسكاً يحمل جملة من الإيجابيات تعود على أفراد الأسرة، وهي: ضمان الدعم النفسي والمادي، وغرس قيم التعاون والتراحم في نفوس الأبناء، وتعزيز السنع في نفوس النشء، وتبادل الخبرات بين الأجيال، وتعزيز روابط المودة والتكافل والمساندة، وتحقيق التوازن، والتماسك، وتقبل الرأي الآخر، والحفاظ على الموروث الثقافي، وتعزيز الهوية الوطنية.

وأشار المختصون إلى أن التحول إلى «الأسر النووية» وهي الأسرة المكونة من أب وأم وأبناء فقط، قد يؤدي إلى بروز جملة من التحديات الاجتماعية والنفسية، تنعكس على تماسك العائلة واستقرارها، الأمر الذي قد يخلق حالة من الانفصال العاطفي والاجتماعي بين أفراد العائلة الواحدة.

وقالوا إن حضور فئة كبار السن في المشهد اليومي لحياة الأبناء والأحفاد يسهم في توفير حلقة تربوية مهمة تنقل الخبرة والحكمة للأجيال الجديدة، عوضاً عن أن تتحمل «الأسرة النووية» وحدها الأعباء المادية والنفسية لتربية الأبناء، ما يزيد من الضغوط الأسرية ونسب التفكك.

ودعا المختصون إلى 5 توصيات أساسية للحفاظ على «الأسر الممتدة» في المجتمع وهي: تعزيز التواصل العائلي المنتظم بين أفراد الأسرة الممتدة، ولو عبر الوسائل الرقمية، وإطلاق برامج مجتمعية وتوعوية تشجع على صلة الرحم والتكافل بين الأجيال، وترسيخ دور الجد والجدة كمصدر دعم وتوازن نفسي للأسرة، وإدماج قيم العائلة والتواصل الاجتماعي في المناهج الدراسية ووسائل الإعلام، بما يعيد إلى المجتمع العربي روح الترابط التي شكلت عبر عقود أساس قوته وتماسكه، توفير حلول سكنية وأنظمة عمل مرنة.

موروث ثقافي

وقالت ناعمة الشرهان، عضو المجلس الوطني الاتحادي إن الأسرة الإماراتية الممتدة تسهم في تعزيز الهوية، وترسيخ العديد من القيم والحفاظ عليها، وعلى الموروث والثقافة الإماراتية الأصيلة التي تنتقل عبر الأجيال، إضافة إلى تعزيز الروابط الأسرية وترسيخ المعاني النبيلة، التي تسهم في بناء هوية قوية ومتماسكة لأفراد الأسرة الواحدة التي تحتضن الأجداد إلى الآباء.

وأكدت على الدور البارز والمهم الذي تقوم به الأسرة الممتدة في توفير بيئة آمنة وداعمة تساعد الأبناء على التطور والنمو الصحيح، وتطوير مهاراتهم العاطفية والاجتماعية، من خلال تقديم نماذج إيجابية للسلوك والتعامل مع الآخرين، وتعزيز القيم والأخلاق والإبداع. وشددت على ضرورة أن تأخذ الجهات المعنية على عاتقها تقديم البرامج الهادفة التي تدعم هذا المفهوم، من خلال توفير المبادرات والخدمات المختلفة، التي من شأنها تعزيزه، وتسليط الضوء على أدوار «الأسرة الممتدة» في حياة أفرادها كافة.

تعاون ومحبة

بدوره أوضح هلال الكعبي، عضو المجلس الوطني الاتحادي أن الأسرة الممتدة تحتضن أعداداً كبيرة من الأفراد تحت سقف واحد، يسوده الألفة والتعاون والمحبة والتقارب والحرص على المساعدة في مختلف شؤون الحياة.

وأضاف أن هذا النموذج يوفر للأبناء التحلي بالسنع والأخلاق الحميدة والتربية الصالحة، مع التمسك بعادات وتقاليد الآباء والأجداد وتوجيهاتهم المستمرة، لافتاً إلى أن الأسر الإماراتية هي الحاضنة والنواة الأولى لوطن متسامح وآمن.

وأشار الكعبي إلى أن الأسرة الإماراتية تتميز بمواصفات استثنائية تعكس القيم المتوارثة من الأجيال السابقة وأنها هي اللبنة الأساسية التي تصنع الروابط العائلية القوية المبنية على احترام العادات والتقاليد وحب الوطن والولاء له وللقيادة الرشيدة.

ويؤكد اللواء الدكتور علي سنجل أن الأسر الممتدة تمثل صمام أمان نفسي واجتماعي للجد والجدة، إذ توفر لهم الشعور بالانتماء والدعم المستمر، وتشعرهم بقيمتهم ودورهم داخل العائلة.

وأضاف أن وجود أكثر من جيل في بيت واحد يعزز التواصل والتكافل، وينقل الخبرات والقيم من الكبار إلى الصغار، مما يخلق توازناً إنسانياً واجتماعياً يصعب تحقيقه في نمط الأسر النووية الحديثة، التي غالباً ما تعاني من العزلة وضعف الترابط العائلي.

وأشار إلى أن التحول المتسارع نحو الأسر النووية قد يفقد المجتمع واحدة من أهم ركائزه الاجتماعية، داعياً إلى تبني مبادرات تعيد تعزيز الترابط بين الأجيال وتمنح كبار السن مكانتهم الطبيعية داخل النسيج الأسري.

تحول حضري

من جهته قال الدكتور جاسم المرزوقي، استشاري العلاج النفسي والأسري ومستشار جمعية النهضة النسائية بدبي، إن المجتمعات العربية شهدت خلال العقود الماضية تحولاً بنيوياً في شكل الأسرة، من النموذج الممتد القائم على الترابط السكني بين عدة أجيال، إلى نموذج الأسرة النووية التي يقتصر تكوينها على الوالدين والأبناء، مشيراً إلى أن هذا التحول لم ينبع من عامل واحد، بل هو ناتج عن عدة عوامل تشمل التحول الحضري والاقتصادي والثقافي.

وأضاف أن مسارات التنمية السريعة رافقها انتقال كثيف للسكان نحو المدن، وارتفاع تكاليف السكن، وتغير طبيعة العمل، إضافة إلى انخفاض معدلات الخصوبة وتبدل أولويات الحياة الأسرية الحديثة.

وأشار إلى أن هذا التحول وإن كان طبيعياً في سياق التحديث، إلا أنه قد ينتج تحديات جديدة، أبرزها ارتفاع العبء النفسي والاجتماعي والاقتصادي على الأسر الصغيرة، وفقدان بعض وظائف الدعم غير الرسمي التي كانت تلعبها الأسرة الممتدة سابقاً في رعاية الأطفال والمسنين وتفريغ الضغط النفسي.

كما شدد على أهمية تعزيز «شبكات الدعم البديلة» داخل المجتمع من أصدقاء، وجيران، وزملاء، وتعزيز ثقافة المشاركة الوجدانية داخل الأسرة الصغيرة ذاتها، وبناء مهارات الحوار، وتنظيم الوقت، والمرونة من أجل المحافظة على توازن الأسرة وقدرتها على تجاوز الضغوط في زمن اجتماعي سريع التغير لافتاً إلى أن الأسرة الممتدة تسهم في توفير بيئة آمنة وداعمة تساعد الأبناء على التطور.

بدوره أشار الدكتور محمد علي نجفي، مستشار نفسي في دبي، إلى أن أبرز أسباب تقلص حجم الأسرة، الانتقال إلى المدن الكبرى، وارتفاع تكاليف المعيشة، مما أدى إلى البحث عن الاستقلالية حتى لو على حساب الدفء الأسري.

وأوضح أن هناك جملة من الإيجابيات تستفيد منها الأسر الممتدة أبرزها تبادل الخبرات بين الأجيال، وتعليم الأبناء السنع العربية والإماراتية والعادات والتقاليد الأصيلة، تعليم كبار السن التقنيات الحديثة من الأحفاد،، تقبل الرأي الآخر، بالإضافة إلى الحماية الاجتماعية للأبناء بين أحضان أجدادهم أثناء انشغال الوالدين في العمل، ورعاية كبار السن.

إعادة صياغة

من جهتها رأت أمينة محمد الطاهر (تربوية)، أن التحول لا يعني بالضرورة فقدان الروابط، بل هو إعادة تنظيم لها بشكل يناسب العصر، مشيرة إلى أن الأسرة العربية بشكل عام تمر بمرحلة إعادة تعريف، وإعادة صياغة نفسها بما يتماشى مع إيقاع الحياة الحديثة، مشيرة إلى أن الكثير من الأسر أصبحت نووية لكنها ما زالت تحمل قيم الترابط. وأضافت أن الحل ليس في مقاومة التغير، بل في تطوير أشكال جديدة من العلاقات العائلية تحافظ على الود والالتزام، حتى لو اختلف شكل السكن أو نمط الحياة.

وأشارت مريم حمد الشامسي، الأمين العام لمؤسسات الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الثقافية والتعليمية إلى أن رمز الأسرة الممتدة في دولة الإمارات له العديد من المفردات والدلالات الاجتماعية العميقة المعاني وسامية الأهداف التي توضح الكثير من القيم النبيلة والمثل العليا والجميلة التي مازالت تسود مجتمعنا الإماراتي الأصيل. وأضافت أن هذا النموذج يوفر المرجعية الآمنة والحكمة كما أنه الضامن للترابط وتجاوز التحديات التي قد تمر بها العائلة.

من ناحيته أكد الدكتور محمد بن دلوان الكتبي، مسؤول نادي بركة البيت في جمعية الإمارات لأصدقاء كبار المواطنين، على أهمية العودة للأسرة الممتدة، لترسيخ القيم والعادات الصحيحة بين أفرادها، لاسيما في ظل الانفتاح والعولمة، وانتشار العديد من العادات الدخيلة على المجتمع.

وأضاف أن مفهوم الأسرة الممتدة في مجتمعنا الإماراتي يكسب الأبناء العديد من السلوكيات والمهارات الإيجابية مثل التعايش مع الآخر، واكتساب خبرات مختلفة في شتى المجالات، كما يعزز شعورهم بالتقدير والامتنان للنعم الحياتية.

دفء إنساني

وقال عدد من الأسر إنه على الرغم من أن الأسرة النووية توفر خصوصية واستقلالية، إلا أن الكثيرين يشعرون أن هذا النمط أفقد العائلة شيئاً من روحها القديمة، حيث ترى نوال البلوشي أن الأسرة الصغيرة قد تبدو مريحة، إلا أن الأبناء يشعرون بالوحدة، ففي الأسر الكبيرة يلعبون مع أولاد العم والخال طوال اليوم وتتوطد علاقتهم ببعضهم، أما الآن فقد لا يتمكنون من رؤية بعضهم إلا في عطلة نهاية الأسبوع.

وقال ناصر أكرم (جد) إن الأسر الممتدة هي دفء إنساني لا يمكن أن يعوضه أي بديل آخر، وتمنح كبار السن شعوراً بالانتماء والاهتمام، وفي الوقت نفسه تساعد الأبناء على اكتساب القيم والعادات الطيبة من الأجداد.

المصدر : البيان