مرّت ثلاث سنوات تقريباً منذ أن أطلقت الولايات المتحدة طفرة الذكاء الاصطناعي، وما يزال مُعظم العالم يحاول اللحاق بها، وتقترب دولة واحدة فقط من مضاهاتها في تطوير الذكاء الاصطناعي وتلك هي الصين.
أصدرت شركات صينية مثل “ديب سيك” (DeepSeek) و”علي بابا غروب هولدينغ” (Alibaba Group Holding) و”مونشوت” (Moonshot) نماذج ذكاء اصطناعي تقترب من قدرات الأنظمة الرائدة من الشركات الأميركية، بدفع من حكومة جعلت قيادة الذكاء الاصطناعي أولوية وطنية. لتحقيق هذه الغاية، تطلق الصين حزمة دعم حكومي سخي وشبكة وطنية من مراكز معالجة البيانات المترابطة. وقد دق صعود الصين ناقوس الخطر في وادي السيليكون وواشنطن.
اقرأ أيضاً: “مايكروسوفت” تستهدف الذكاء الفائق بعد اتفاقها الجديد مع “أوبن إيه آي”
للحفاظ على الصدارة، وضعت إدارة ترمب خطة عمل للذكاء الاصطناعي في يوليو تدعو إلى تقليل البيروقراطية لبناء مزيد من مراكز البيانات والاستفادة من الكهرباء الكافية لتشغيلها. وقال الرئيس دونالد ترمب في خطاب: “ستفعل الولايات المتحدة كل ما يلزم لقيادة العالم في مجال الذكاء الاصطناعي”.
قد تحدد نتيجة هذه المسابقة أي دولة هي القوة التقنية العظمى الحقيقية في القرن الحادي والعشرين.
أميركا تقود عصر الذكاء الاصطناعي
قادت الولايات المتحدة الطريق مع الاختراقات الرئيسية التي حددت عصر الذكاء الاصطناعي الحالي. كانت الشركات الأميركية رائدة في رقائق الحوسبة المتقدمة ونماذج اللغة الكبيرة التي تدعم روبوتات الدردشة التوليدية للذكاء الاصطناعي اليوم. كما أطلقت شركات أميركية مثل “أوبن إيه آي” (OpenAI). و”ألفابت” مالكة “جوجل” أنظمة ذكاء اصطناعي تحاكي عملية التفكير البشري وتُنتج مقاطع مصورة وصوراً ومقاطع صوتية. كما أصدرت ما يسمى بالوكلاء المصممين للتعامل مع المهام المعقدة بشكل متزايد نيابة عن المستخدم.
سارعت شركات التقنية الصينية لتقفي خطاها، ما يُشير إلى مدى سرعة تحول هذه التطورات التقنية إلى سلع. وفي مواجهة القُيود المتعلقة بالوصول إلى الرقائق الأميركية، قامت الشركات الصينية ببناء نماذج ذكاء اصطناعي قادرة على القيام بمزيد من العمل بقوة حوسبة أقل. ولعل الأهم من ذلك هو أنها تبنت معايير مفتوحة المصدر، فأصبحت منتجات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها متاحة مجاناً لأي شخص لاستخدامها وتكييفها لأغراضه، على عكس الأنظمة الاحتكارية التي تُفضلها بعض الشركات الأميركية الكبرى.
اقرأ أيضاً: هل ظهر البديل الصيني لمجموعة “السبعة العظماء”؟
تغمر الصين السوق العالمية بهذه المنصات، بينما تفرض “أوبن إيه آي” و”أنثروبيك” وغيرهما مئات الدولارات شهرياً للوصول إلى بعض نماذجها المغلقة عالية المستوى، بهدف تعويض التكلفة الهائلة لتطوير الذكاء الاصطناعي.
يعكس دفع الصين نحو المصدر المفتوح خياراً استراتيجياً للتضحية ببعض الأرباح على المدى القصير لضمان اعتماد الذكاء الاصطناعي الصيني عالمياً. وقد شجعت الخطة الخمسية الرابعة عشرة لتنمية البلاد، التي نشرتها في عام 2020، تقنيات المصدر المفتوح.
لم يكن هناك توجيه صريح من بكين يلزم مطوري الذكاء الاصطناعي بتبني هذا النهج. وبدلاً من ذلك، فإن الاستراتيجية هي نتيجة تفاعل معقد بين الحوافز التي يحركها السوق وأولويات الدولة. قال مديرو بعض الشركات الناشئة الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي إنهم يرون أنها أسرع طريقة لدخول أسواق جديدة والتنافس مع النماذج الأميركية هناك.
في خطة عمله، يشجع البيت الأبيض على تطوير النماذج المفتوحة، مشيراً إلى قدرتها على “أن تصبح معايير عالمية” في مجال الأعمال والبحث الأكاديمي. وتقول الخطة: “لهذا السبب، فإن لها أيضاً قيمة جيوستراتيجية“.
بعد أن فاجأت شركة “ديب سيك” السوق العالمية بإصدارها نموذج (R1) في يناير، الذي تزعم أنها بنته بجزء بسيط من تكلفة المنصات الأميركية الرائدة، قالت قيادة “أوبن إيه آي” إن الشركة بحاجة إلى إعادة التفكير في استراتيجيتها مفتوحة المصدر. في أغسطس، أصدرت “أوبن إيه آي” زوجاً من نماذج الذكاء الاصطناعي المفتوحة والمتاحة مجاناً.
الذكاء الاصطناعي ضرورة اقتصادية
في كلا البلدين، يُعد الذكاء الاصطناعي ضرورةً اقتصادية وسياسية ودفاعية وطنية وأداة لممارسة القوة الناعمة في الخارج.
قال نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس في فعالية للذكاء الاصطناعي في واشنطن في أواخر يوليو: “نريد أن يبنى العالم على مجموعة تقنيات أميركية، وليس على مجموعة تقنيات صينية أو أي دولة أخرى”. وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن الذكاء الاصطناعي لا ينبغي أن يكون “لعبة الدول الغنية”، في انتقاد غير مباشر لنهج أميركا القائم على الربح تجاه الذكاء الاصطناعي.
في 26 يوليو، أعلن رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ عن إنشاء هيئة دولية لضمان ألا يصبح الذكاء الاصطناعي حكراً على عدد قليل من الدول. وقد أدلى بهذا الإعلان في مؤتمر الذكاء الاصطناعي العالمي في شنغهاي، حيث تم تقديم الذكاء الاصطناعي كمنفعة عامة وركزت عدة جلسات على وضع معايير وحوكمة عالمية للصناعة.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي الصيني قادر على الصمود أمام الحرب التجارية
تحركت بكين بسرعة مذهلة، إذ قدمت فصول الذكاء الاصطناعي في المدارس الابتدائية، وأطلقت صندوقاً استثمارياً للاستثمار في التقنية، وسمحت للشركات التي تدعمها الدولة بنشر خدمات الذكاء الاصطناعي لمجموعة متنوعة من الوظائف، بما في ذلك مراقبة المجال العام والتمويل الرقمي.
يطلب النظام السياسي المركزي في الصين من مطوري الذكاء الاصطناعي إعطاء الأولوية للاستقرار المجتمعي ورقابة نتائج معينة. على سبيل المثال، يقتصر تطبيق “ديب سيك” على الإجابات المتعلقة بالأسئلة المتعلقة بالقضايا الحساسة في الصين، مثل قمع الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في ميدان تيانامين في بكين عام 1989 وحركة الاستقلال في تايوان، التي تعتبرها الصين أرضاً خسرتها.
وفي الوقت نفسه، تدفع الولايات المتحدة أيضاً إلى إعادة التفكير في خطاب معين في أنظمة الذكاء الاصطناعي. أصدر ترمب أمراً تنفيذياً في يوليو يفرض على الشركات التي لديها عقود حكومية – كل شركة ذكاء اصطناعي رئيسية تقريباً – إثبات أنها “لا تتلاعب بالاستجابات لصالح العقائد الأيديولوجية مثل التنوع والشمول”، من بين أحكام أخرى.
لم يتضح بعد كيف سيُثبت المطورون أن أنظمتهم خالية من المصطلحات ووجهات النظر التي يجدها ترمب مرفوضة.
تدور المناقشات حول الملكية الفكرية والتحيز الخوارزمي ومخاطر السلامة التي يُشكلها الذكاء الاصطناعي في المحاكم الأميركية وقاعات الاجتماعات والمنتديات العامة. إن مبدأ “الاستخدام العادل” المنصوص عليه في القانون الأميركي يجعل ممكناً – في ظروف معينة – استخدام الكتب والقصص الإخبارية وكلمات الأغاني وغيرها من المواد المحمية بحقوق الطبع والنشر دون دفع أموال لمبدعيها.
لكن إذا ما كان هذا المبدأ ينطبق على تطوير الذكاء الاصطناعي ما يزال منطقة رمادية قانونية. يتورط مطورون رائدون، ومنهم “أوبن إيه آي” و”أنثروبيك”، في قائمة متزايدة من دعاوى حقوق الطبع والنشر من شركات إعلامية ومؤلفين وفنانين تستخدم الشركتان إنتاجهم في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.
طالع أيضاً: مايكروسوفت ستحمي عملاءها من دعاوى حقوق الملكية في الذكاء الاصطناعي
يتطور المشهد القانوني الصيني المتعلق بالذكاء الاصطناعي وحقوق الطبع والنشر أيضاً. كانت هناك معارك قانونية حول استخدام المحتوى المستخرج من خدمات البث ومنصات مشاركة الفيديو عبر الإنترنت ومصادر أخرى. لكن لم تكن هناك سوى قرارات ملزمة قليلة تُعاقب مجتمع الذكاء الاصطناعي في الصين على انتهاك حقوق الطبع والنشر.
قضت محاكم البلاد بأن استيعاب المواد المحمية بحقوق الطبع والنشر لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي هو نوع من إعادة الإنتاج المؤقت الذي لا ينتهك قوانين حقوق الطبع والنشر في البلاد طالما أنها لم تُنتج مجدداً على شكلها الأصلي.
دعت شركات التطوير الأميركية الرائدة، ومنها “أوبن إيه آي”، إدارة ترمب إلى تحريرها من القوانين على مستوى الولاية التي تجعلها عرضة للمخاطرة عبر الوصول إلى الأعمال المحمية بحقوق الطبع والنشر. قالت “أوبن إيه آي” إنه إذا “تمتع مطورو الصين بإمكانية الوصول غير المقيدة إلى البيانات وتركت الشركات الأميركية دون وصول عادل”، فإن “سباق الذكاء الاصطناعي قد انتهى فعلياً”.
طبقت الولايات المتحدة مجموعة من لوائح الذكاء الاصطناعي لجعل التقنية أكثر أماناً، لكن المسؤولين التنفيذيين في مجال التقنية يجادلون بأنها تخاطر بإبطاء التطوير. تأتي خطة عمل ترمب للذكاء الاصطناعي مع تهديد بحجب بعض الأموال عن الولايات التي تضع قواعد مرهقة على التقنية الناشئة.
استثمارات الذكاء الاصطناعي
أظهرت “ديب سيك” نهجاً أكثر فعاليةً من حيث التكلفة لتطوير الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، ما يزال مسعى بناء ودعم خدمات الذكاء الاصطناعي مكلفاً.
هذا العام، ضخ أصحاب رؤوس الأموال المغامرة 193 مليار دولار في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة اعتباراً من أوائل أكتوبر، وهو رقم قياسي عالمي جديد، وفقا لمزود البيانات “بيتشبوك” (PitchBook). ويُتوقع أن تنفق أربع شركات تقنية كبيرة هي “جوجل” و”ميتابلاتفورمز” (Meta Platforms) و”مايكروسوفت” و“أمازون دوت كوم“- أكثر من 370 مليار دولار في عام 2025، مع توجيه معظمها لبناء مراكز البيانات اللازمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي.
رئيس مجلس إدارة “أوبن إيه آي” تؤرقه الفقاعات لكنه ما زال مطمئناً
في العقد الذي سبق طفرة الذكاء الاصطناعي، استثمر رأس المال الاستثماري المدعوم من الحكومة الصينية ما يقدر بنحو 912 مليار دولار في قطاعات تعتبر بالغة الأهمية لتنمية البلاد، حيث ذهب ما يقرب من ربع هذا المبلغ إلى 1.4 مليون شركة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
ويُتوقع أن يصل الإنفاق الرأسمالي للذكاء الاصطناعي في الصين هذا العام إلى 98 مليار دولار، وهذه زيادة بقدر 48% عن مستوى 2024، وفقا لتقرير “بنك أوف أميركا”.
الإنفاق على الذكاء الاصطناعي يثقل كاهل “ميتا” ويهز ثقة المستثمرين
كما يُنتظر أن يأتي الجزء الأكبر من ذلك – 56 مليار دولار – من الحكومة، و24 مليار دولار أخرى من شركات التقنية الكبرى بما في ذلك ”علي بابا“ و“تينسنت هولدينغز“. يضخ صندوق استثمار صناعة الذكاء الاصطناعي الجديد 8.2 مليار دولار في مشاريع في مراحلها المبكرة، وتتسابق الحكومات الإقليمية لجذب الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ أنها تقدم إعانات ومنح وإسكان لجذب رواد الأعمال وخبراء الذكاء الاصطناعي.
تخصصات الذكاء الاصطناعي
على مرّ عقود، سيطرت الولايات المتحدة على مجال مواهب الذكاء الاصطناعي من خلال جذب الباحثين والمبرمجين والأكاديميين من الخارج. كان وراء ورقة ”جوجل“ البارزة لعام 2017 بعنوان “الاهتمام هو كل ما تحتاجه” والتي أدت إلى ظهور منتجات الذكاء الاصطناعي التوليدية اليوم، ثمانية مؤلفين، ستة منهم ولدوا خارج الولايات المتحدة. والاثنان الآخران من خلفيات مهاجرة.
الأمر لا يختلف في الولايات المتحدة، حيث تضم 60% من كبرى شركات الذكاء الاصطناعي مهاجراً واحداً على الأقل بين مؤسسيها، و70% من طلاب الدراسات العليا في التخصصات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي دوليين. ويواجه خط أنابيب المواهب هذا خطر الانقلاب بسبب أنظمة التأشيرات الأشد، وتغير الرياح السياسية، وتقلب تمويل الأبحاث الاتحادية.
ميتا تسرح “ضعاف المواهب” للفوز بسباق الذكاء الاصطناعي
تعمل الصين، التي عانت تاريخياً من هجرة الأدمغة، على عكس هذا التيار. فقد أعيدت تسمية خطة ألف موهبة في البلاد، التي أطلقتها في عام 2008، بهدوء في السنوات الأخيرة إلى خلفاء مثل برنامج ”تشيمينغ“. وقد جذبت أكثر من 7000 عالم ورائد أعمال – كثير منهم مواطنون صينيون تلقوا تعليمهم في الخارج – إلى المختبرات والجامعات المحلية.
في حين بدأت بعض الشركات الأميركية في تقديم حزم رواتب تبلغ 100 مليون دولار أو أكثر لكبار الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي، فإن عرض الصين لا يتعلق بالمال بقدر ما يتعلق بالوطنية.
البنية التحتية للذكاء الاصطناعي
أنشأت الصين نظاماً بيئياً هائلاً للذكاء الاصطناعي متجذراً في مجموعات ضخمة من البيانات التي تديرها الدولة والمستمدة من مصادر منها وسائل التواصل الاجتماعي ولقطات المراقبة والمعاملات المالية. كما استفادت من شبكة مترامية الأطراف من مراكز البيانات التي تعمل بالطاقة المتجددة بشكل متزايد.
يُمثل الإنترنت المغلق والخاضع للرقابة في الصين عيباً محتملاً، إذ يُرجح أن تكون مجموعات البيانات المرسومة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية غير مكتملة أو متحيزة، وبالتالي فإنها تخاطر بتوليد استجابات غير دقيقة. يمكن أن يكون هذا حافزاً إضافياً لإعطاء الأولوية للنماذج مفتوحة المصدر: يمكن للعملاء في جميع أنحاء العالم هندستها بسهولة أكبر لاستكمال وإثراء مجموعات البيانات الخاصة بهم بحيث تكون أفضل في مهام محددة.
طفرة الذكاء الاصطناعي تنتج أعلى الاحتكارات قيمةً في التاريخ
تتمثل إحدى العقبات الأخطر أمام الصين في افتقارها إلى رقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة. أدت ضوابط التصدير التي تقودها الولايات المتحدة إلى خنق حصول الصين على وحدات معالجة الذكاء الاصطناعي المتطورة التي تنتجها شركة “إنفيديا” ومقرها سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا، ما دفع بكين إلى مضاعفة الإنتاج المحلي.
لا تعد الرقائق من الشركات الصينية العملاقة ”هواوي تكنولوجيز“ وشركة ”سيميكوندكتر مانوفاكتشرنغ انترناشونال“ (Semiconductor Manufacturing International) فعالة مثل رقائق ”هوبر“ و“بلاكويل“ من ”إنفيديا“ عندما يتعلق الأمر بتدريب نماذج أكثر تطوراً، لكنها جيدة لكثير من حالات الاستخدام وتُنشر بشكل متزايد لتشغيل أنظمة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. كما أن ”هواوي“ مقيدة أيضاً بعدد الرقائق التي يمكنها تقديمها مقارنة مع ”إنفيديا“، لكن الشركة تتوسع بسرعة.
كيف تعيد “إنفيديا” تعريف الشركات الكبيرة؟
في الولايات المتحدة، تستثمر شركات التقنية الكبرى في مراكز بيانات أكبر حجماً مزودة بآلاف رقائق ”إنفيديا“ لتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر تطوراً. في أيامه الأولى بعد عودته إلى البيت الأبيض، دافع ترمب عن مشروع مشترك بين شركة “أوبن إيه آي” وشركة ”أوراكل“ ومجموعة ”سوفت بنك“اليابانية لاستثمار ما يصل إلى 500 مليار دولار في البنية التحتية المادية لدعم الذكاء الاصطناعي. كما تدعو خطة عمل الذكاء الاصطناعي إلى تسريع تصاريح مراكز البيانات وتبني مصادر جديدة للطاقة لتشغيلها.
كانت الولايات المتحدة مقيدة بشبكات الكهرباء القديمة. أضافت الصين 429 غيغاواط من قدرة التوليد الجديدة في عام 2024 وحده – وهذا أكثر بكثير من الولايات المتحدة. دعت بعض رائدات القطاع، ومنهم”أوبن إيه آي”، الولايات المتحدة إلى بذل المزيد من الجهد لزيادة كمية الطاقة المتاحة لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، بما يشمل التحرك بعزم أكبر لتعزيز قدرة التوليد النووي.
قال الرئيس التنفيذي لشركة “أمازون” آندي جاسي في عام 2024: “لا توجد طاقة كافية في الوقت الحالي”. بعد أن اشتكت شركات الذكاء الاصطناعي الصينية من فواتير الطاقة المرتفعة المرتبطة باستخدام أشباه الموصلات المصنوعة محلياً لتشغيل نماذجها، تحركت الحكومة لتوفير طاقة بأسعار مخفضة لعملياتها. في حين أن منافساتها في الولايات المتحدة لديهم إمكانية الوصول إلى أشباه الموصلات الأكثر كفاءة للذكاء الاصطناعي، فإنهم يدفعون أيضاً أكثر بكثير مقابل الكهرباء اللازمة لتشغيلها. وقد استشهد بهذا العائق التنافسي الرئيس التنفيذي لشركة صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي “انفيديا” جينسن هوانغ عندما تحدث في أوائل نوفمبر عن الإقدام الهائل من المنافسات الصينيات في الذكاء الاصطناعي.
اللاعبون الكبار في الذكاء الاصطناعي
أطلقت “أوبن إيه آي” طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي بإطلاق “تشات جي بي تي”، وما تزال أشهر مختبر للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، إن لم يكن في العالم. ومن بين مطوري الذكاء الاصطناعي الرائدين الآخرين في البلاد شركة ”جوجل“ الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى ”أنثروبيك“و“إكس إيه آي“ (xAI)، وهي شركة ناشئة تابعة لإيلون ماسك.
وقد تراجعت ”ميتا“ في الأشهر الأخيرة، لكنها تعمل على اللحاق بالركب من خلال استقطاب أفضل المواهب من المنافسين بحزم رواتب غير مسبوقة.
يهيمن على سوق الذكاء الاصطناعي في الصين مزيج من شركات الإنترنت الكبيرة هي ”بايدو“ (Baidu) و“علي بابا“ و“بايت دانس“ (Bytedance) مالكة ”تيك توك“ – ونجمات صاعدة مثل ”جيبو“ (Zhipu) و“مونشوت“ (Moonshot). وقد سدّ ”إيرني“ (Ernie) من ”بايدو“ و“كوين“ (Qwen) من ”علي بابا“ الفجوة مع المنصات الأميركية في مجالات مثل إتقان التفكير والبرمجة.
يمكن لروبوت “ديب سيك” معالجة مسائل الكلمات المعقدة، بينما يمكن مطالبة ”جيبو“ بإنشاء مقطع فيديو قصير، ويحصل المستخدمون على نتائج تبدو مشابهة لأي خدمة في الولايات المتحدة.
حظيت شركة ”مانوس“ (Manus) الصينية الناشئة باهتمام عالمي من خلال إطلاق وكيل ذكاء اصطناعي للأغراض العامة يمكنه إنشاء جداول بيانات وإجراء أبحاث للمستخدمين، تماماً مثل الأدوات من “أوبن إيه آي” وغيرها.
قال مسؤولون تنفيذيون في مجال التقنية في الولايات المتحدة إن نظرائهم الصينيين ما يزالون يحاولون اللحاق بالركب، على الأقل راهناً. وما تزال نماذج الشركات الأميركية تحتل الصدارة في العديد من قوائم المتصدرين، بما في ذلك (Chatbot Arena) و(Humanity‘s Last Exam)، وقد صممت الأخيرة على وجه الخصوص، من قبل باحثي سلامة الذكاء الاصطناعي مع آلاف الأسئلة لاختبار كيفية أداء أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً في الرياضيات والعلوم وغيرها من المواد.
اعتباراً من منتصف عام 2025، تجاوزت ثلاث شركات فقط دقة 20% في الاختبار: “أوبن إيه آي” و“جوجل“ و“إكس إيه آي“. وجاء “ديب سيك” بنسبة 14% وبعده حل إصدار ”كوين“ بنسبة 11%.
قال الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي” سام ألتمان خلال جلسة استماع في مايو في واشنطن: “صعب جداً تحديد مدى تقدمنا… لكنني أقول ليس قدراً كبيراً من الوقت“.
المصدر : الشرق بلومبرج
