أزمة الصين واليابان تتصاعد وبكين تلوح بسلاح الاقتصاد

أزمة الصين واليابان تتصاعد وبكين تلوح بسلاح الاقتصاد

تُصعّد الصين مواجهتها مع اليابان على خلفية تصريحات رئيسة الوزراء ساناي تاكايشي بشأن تايوان، إذ هددت وسائل الإعلام الرسمية باتخاذ إجراءات مضادة واسعة، بعدما أثارت التحذيرات الصينية المتعلقة بالسفر شبح المناوشات الاقتصادية.

نشر حساب التواصل الاجتماعي “يُويُوانتانتيان” (Yuyuantantian) المرتبط بهيئة البث الرسمية الصينية، والذي يُستخدم عادة كقناة لإيصال توجهات السياسة الرسمية، مقال رأي في عطلة نهاية الأسبوع يحذر من أن بكين “أكملت تماماً استعداداتها لردود انتقامية فعلية”. أشار المنشور إلى إمكانية فرض عقوبات، وتعليق الروابط الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية، وفرض قيود تجارية كخيارات محتملة للرد.

تهديد اليابان

وبعد ساعات، عززت صحيفة “جيش التحرير الشعبي اليومية” (Liberation Army Daily) هذه الرسالة بنشر مقال رأي لباحث مرتبط بالدولة يحذر فيه من أنه إذا تدخل الجيش الياباني في مضيق تايوان، “فسيُخاطر البلد بأكمله بأن يتحول إلى ساحة حرب”.

تهديد للهدنة التجارية… أميركا تتخطى خطوط الصين الحمراء بقضية تايوان.. تفاصيل أكثر هنا

تهدد هذه الأزمة الدبلوماسية بنسف التقدم الأحدث في العلاقات الثنائية، بعد أسابيع فقط من لقاء تاكايشي بالرئيس الصيني شي جين بينغ والاتفاق على تحسين العلاقات. كما يُعرض الشركات التي تعمل بين البلدين لمخاطر إضافية، مع تحذير الصين للسياح والطلاب من المخاطر المتزايدة في اليابان.

وتُعرّض هذه الإجراءات ملايين السياح الصينيين -يشكلون نحو ربع إجمالي زوار اليابان سنوياً- للخطر، ما أدى إلى تراجع أسهم شركات السياحة والسفر، إذ هبط سهم شركة “شيسيدو” (Shiseido) بنسبة وصلت إلى 11% اليوم. كما حدّثت هونغ كونغ إرشادات السفر الخاصة باليابان.

من المقرر أن ترسل اليابان دبلوماسياً رفيع المستوى إلى الصين اليوم في محاولة لتهدئة التوترات، بحسب ما ذكرته هيئة البث العامة “إن إتش كيه” نقلاً عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية. قد توفر قمة قادة مجموعة العشرين المرتقبة في جنوب أفريقيا نهاية الأسبوع الحالي فرصة لتاكايشي للقاء رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ وإعادة بناء الجسور، رغم عدم تأكيد أي اجتماع حتى الآن.

التصعيد ضد اليابان 

قالت جنيفر ويلش من “بلومبرغ إيكونوميكس: “يتعلق الأمر بوضع الشروط مبكراً في فترة تاكايشي وردع الدول الأخرى عن تبني خطاب مشابه، ومنع طوكيو من اتخاذ خطوات إضافية. اليابان هدف سهل نسبياً، والسياحة أداة يسهل استخدامها”.

دافعت تاكايشي حتى الآن عن تصريحاتها بشأن تايوان، بينما تؤكد طوكيو أن موقفها لم يتغير عن الإدارات السابقة.

اقرأ المزيد: تصاعد التوتر بين الصين واليابان بعد تعليقات تاكايتشي بشأن تايوان

يأتي الخلاف الصيني الياباني بعد فترة قصيرة من استقبال أوروبا رسمياً نائب رئيس تايوان لأول مرة منذ 2002، وذلك بخلاف المقابلات التي كانت تجرى في محطات الترانزيت الجوية، ما أثار غضب بكين. حدث ذلك ضمن موجة من التحركات الدبلوماسية بين تايوان والاتحاد الأوروبي، على نحو يتعارض مع استراتيجية بكين لعزل مركز صناعة الرقائق العالمي.

بالنسبة لطوكيو، فإن الرهانات الاقتصادية كبيرة. تُعد الصين أكبر شريك تجاري لليابان، وأشار مقال “يُويُوانتانتيان” صراحة إلى أن الشركات اليابانية تعتمد بشكل كبير على الواردات الصينية للحصول على مواد أساسية. شهد نزاع سابق خلال 2012 بين البلدين حول جزر متنازع عليها مقاطعة صينية للبضائع اليابانية استمرت لأشهر وأثرت سلبياً على التجارة.

أبحرت 4 سفن صينية خلال اليومين الماضيين تابعة لخفر السواحل ومزودة بالسلاح في مياه متنازع عليها تخضع للسيطرة اليابانية قبل مغادرتها.

 

انتقام الصين

سبق أن أظهرت الصين استعدادها لاستخدام إجراءات اقتصادية انتقامية ضد دول مجاورة بسبب خلافات سياسية. في 2017، استخدمت بكين أدوات تجارية ضد كوريا الجنوبية على خلفية نشر نظام الدفاع الصاروخي “ثاد” (THAAD)، الذي قالت الصين إنه يخل بالتوازن الاستراتيجي في المنطقة.

تضمّن ذلك تعليق بيع الرحلات السياحية إلى كوريا الجنوبية وتعطيل عمليات الشركات الكورية، ما خفض النمو الاقتصادي لكوريا الجنوبية 0.4 نقطة مئوية في 2017، وفق تقديرات بنك كوريا المركزي. قد تلجأ بكين إلى أساليب مشابهة ضد طوكيو.

يمثل هذا التصعيد تحولاً مفاجئاً في العلاقات بعد لقاء تاكايشي وشي على هامش قمة “أبيك” في كوريا الجنوبية، حيث تعهدا بـ”تعميق علاقتهما الشخصية”. كما استغلت تاكايشي الاجتماع لإثارة مخاوف بشأن قيود بكين على تصدير المعادن النادرة اللازمة لصناعة كل شيء بداية من السيارات الكهربائية إلى الهواتف الذكية.

هل يعتبر ترمب تايوان ورقة ضغط خلال مفاوضاته مع الصين؟ الإجابة هنا

رغم ذلك، تملك تاكايشي تاريخاً من التقارب مع تايوان، ما جعلها تتولى منصبها وسط تشكك صيني مُسبق. تتعامل بكين بحساسية شديدة مع التصريحات المتعلقة بتايوان، الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي وتتعهد الصين بضمها يوماً ما ولو بالقوة إذا لزم الأمر.

قال ديلان لو، الأستاذ المشارك في جامعة “نانيانغ” التكنولوجية في سنغافورة: “لأنها في بداية ولايتها ولأن موقعها ليس مستقراً بالكامل بعد، ترى الصين أنها قادرة على اختبار الحدود بشكل أكبر. لكن من المؤكد أن ردود بكين ليست مصطنعة، بل العكس تماماً”.

مخاوف اليابان

تخشى طوكيو منذ سنوات من أي محاولة صينية لضم تايوان الديمقراطية الحكم، نظراً لقربها الجغرافي، إذ تقع جزيرة يوناغوني، أقرب الجزر اليابانية إلى تايوان، على بُعد نحو 100 كيلومتر فقط شرق الساحل التايواني.

اليابان تبلغ شركاتها في تايوان: “أنتم بمفردكم” إذا غزت الصين الجزيرة

تجنب رؤساء الوزراء اليابانيون المتعاقبون مناقشة تفاصيل أي صراع محتمل حول تايوان، وفضلوا الدعوة إلى الحفاظ على الوضع القائم، نظراً لحساسية الملف.

إلا أن تاكايشي خرجت عن هذا النهج في بيانها الشهر الجاري، إذ أشارت إلى أن استخدام القوة العسكرية في أي صراع حول تايوان قد يُصنف كـ”وضع يهدد البقاء”، وهي صياغة تمنح أساساً قانونياً لليابان لدعم الدول الصديقة التي تختار الرد.

استدعت وزارة الخارجية الصينية السفير الياباني مستخدمة عبارة “بناءً على تعليمات”، وهي صياغة قال حساب “يُويُوانتانتيان” إنها تشير إلى أن التدخل جاء من مستويات قيادية أعلى، وأن الأمر يتجاوز احتجاجاً دبلوماسياً روتينياً.

ظلت العلاقات بين بكين وطوكيو متوترة لعقود بسبب قضايا تاريخية، بما في ذلك الغزو الياباني في ثلاثينيات القرن الماضي، إلى جانب الخلافات الإقليمية المزمنة حول الجزر المتنازع عليها.

تحذيرات تايوان

اتهم رئيس تايوان لاي تشينغ تي اليوم بكين بتقويض السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ عبر مهاجمتها اليابان، داعياً المجتمع الدولي إلى الانتباه كما حث الصين على ضبط النفس.

اقرأ أيضاً: ترمب يطمئن آسيا ويؤكد على النفوذ الأميركي في مواجهة الصين

ولم تُصدر الولايات المتحدة الأميركية حتى الآن أي رد رسمي على الخلاف الصيني الياباني. تجنبت واشنطن وطوكيو تاريخياً الإدلاء بتصريحات صريحة بشأن الدفاع العسكري عن تايوان.

المصدر : الشرق بلومبرج