أحجم متداولو “وول ستريت” الذين يستعدون لنتائج “إنفيديا” وتقارير الوظائف، عن الأصول عالية المخاطر، إذ سيشكّل الحدثان عنصرين أساسيين في رسم ملامح التوقعات المالية العالمية لبقية عام 2025.
وقبيل اختبار الركيزتين الرئيسيتين لسوق الأسهم الصاعدة، آفاق الذكاء الاصطناعي وخفض الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي، تراجعت الأسهم إلى جانب العملات المشفرة.
وهبط مؤشر “إس آند بي 500” بنحو 1%، مخترقاً مستوى تقنياً يراه كثيرون بوابة إلى مزيد من الخسائر. كما أنهى المؤشر سلسلة امتدت 138 جلسة، ظلّ خلالها فوق متوسطه المتحرك لـ50 يوماً، وهي ثاني أطول فترة له هذا القرن.
نتائج “إنفيديا” حاسمة للسوق
ستصدر نتائج “إنفيديا” يوم الأربعاء وسط حالة من عدم ارتياح المستثمرين بشأن تقييمات الذكاء الاصطناعي التي بلغت مستويات قياسية، رغم توقّع تسجيل الشركة تفوقاً جديداً في الأرباح. ويعقب ذلك صدور تقرير وظائف سبتمبر يوم الخميس، بعد تأجيله بسبب الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة.
وقال كريس لاركن من “إي تريد” التابع لـ”مورغان ستانلي”: “عادةً ما يسيطر تقرير الوظائف الشهري على جدول البيانات الاقتصادية لهذا الأسبوع، لكن مع تعثر تداولات الذكاء الاصطناعي خلال الأسبوعين الماضيين، تبدو أرباح إنفيديا مرة أخرى قطعة أساسية في أحجية زخم السوق”.
وقال نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي فيليب جيفرسون إنه يرى أن مخاطر سوق العمل “تميل إلى الجانب السلبي”، لكنه حذّر من أن على صناع السياسات التحرك بحذر. ويدعم عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر خفضاً للفائدة في ديسمبر، مستنداً إلى ضعف بيانات الوظائف.
غالبية شركات “إس آند بي 500” تتراجع
تراجعت أكثر من 400 شركة من شركات مؤشر “إس آند بي 500″، ليغلق المؤشر قرب 6670 نقطة. وهبط سهم “إنفيديا” بعدما باع صندوق التحوط “ثايل ماكرو” المملوك لبيتر ثايل كامل حصته في الشركة خلال الربع الماضي. في المقابل، صعد سهم “ألفابت” بعدما استحوذت “بيركشاير هاثاواي” التابعة لوارن بافيت على حصة بقيمة 4.9 مليار دولار خلال الربع الثالث.
وتراجع عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بنقطتي أساس إلى 4.13%. وتستعد “أمازون دوت كوم” لجمع 15 مليار دولار من أول طرح لسنداتها الدولارية منذ ثلاث سنوات. وارتفع الدولار، بينما انخفضت “بتكوين” دون 92 ألف دولار.
تاريخياً، عندما يكسر مؤشر “إس آند بي 500” متوسطه المتحرك لـ50 يوماً بعد فترة طويلة مماثلة، يميل إلى مزيد من التراجع على المدى القصير. ووفق بيانات تعود إلى عشرينيات القرن الماضي جمعها جاي كابيل من “سينتيمنت تريدر”، تكبّد المؤشر خسارة قصوى متوسطة قدرها 1.3% بعد أسبوعين من نهاية مثل هذا المسار، لكنه حقق ارتفاعاً متوسطاً قدره 1.9% بعد شهر.
تزايد الشكوك حول طفرة الذكاء الاصطناعي
قال كريغ جونسون من “بايبر ساندلر”: “مع أن الاتجاه الصاعد على المدى الطويل لا يزال قائماً، نعتقد أن مرحلة تراجع أو تصحيح إضافي قد بدأت بالفعل بعد مكاسب السوق الممتدة لستة أشهر”. وأضاف أن الأدلة التقنية تُظهر تراجعاً في اتساع السوق، مع تناوب يمتد إلى خارج قطاع التكنولوجيا.
ويرى جونسون سيناريوهين بعد كسر متوسط 50 يوماً. الأول هو تراجع سريع إلى مستوى دعم مؤشر “إس آند بي 500” قرب 6500 نقطة، ما يؤدي إلى مزيد من “التراجع والتذبذب” وتناوب القطاعات في الأسابيع المقبلة.
أما السيناريو الثاني فيتضمن انخفاضاً أعمق يستهدف متوسط 200 يوم قرب 6150 و6200 نقطة، ليُمهّد في النهاية لتعافٍ معتدل بنهاية العام، ويغلق المؤشر قرب هدفه البالغ 6600 نقطة.
اقرأ أيضاً: لهذه الأسباب ينبغي التعامل بحذر مع ارتفاع الأسهم الأميركية
وقال مايكل براون من “بيبرستون” إن أرباح “إنفيديا” يوم الأربعاء باتت تشكّل حالياً الخطر الأكبر التالي الذي يتعين على المستثمرين التعامل معه، خصوصاً مع النظرة الأقل حماسة تجاه موجة الذكاء الاصطناعي خلال الأسابيع الأخيرة.
انقسام صناديق التحوط بشأن “إنفيديا”
وأظهر تحليل لإفصاحات “13F” الصادرة عن 909 صناديق تحوط، انقساماً شبه متساوٍ في معنويات المستثمرين تجاه “إنفيديا”، إذ رفع 161 صندوقاً مراكزهم الاستثمارية، فيما خفّض 160 صندوقاً مراكزهم خلال الأشهر الثلاثة حتى سبتمبر.
ولا تزال الآراء منقسمة بشأن آفاق شركات الذكاء الاصطناعي، التي تواصل جمع وإنفاق الأموال بمعدلات مرتفعة، لكنها لم تُظهر بعد نماذج تحقيق أرباح تتناسب مع الاستثمارات الضخمة.
وأشار توم إيساي مؤسس “ذا سيفنز ريبورت” إلى أن تزايد الآراء المشككة في استدامة طفرة الإنفاق الرأسمالي على الذكاء الاصطناعي يرفع مستوى الشكوك. ويتوقع المستثمرون حالياً أن تُخفف أرباح “إنفيديا” القوية حالة عدم اليقين الأخيرة.
وقال: “لكن ماذا لو لم يحدث ذلك؟ ماذا لو كانت نتائج إنفيديا غير كافية لوقف الزيادة المتواضعة في الشكوك حول الذكاء الاصطناعي؟ في تلك الحالة، هل تستطيع السوق الصمود بينما تتراجع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي؟ التاريخ يشير إلى أن ذلك غير مرجّح، لكنه ممكن”.
اقرأ أيضاً: هل بيع “حوت ناسداك” لأسهم “إنفيديا” يعبر عن يأس؟
من جهته، رأى مات مالي من “ميلر تاباك” أن أهمية نتائج الأرباح قد لا تضاهي أهمية السؤال عمّا إذا كان السرد المحيط بظاهرة الذكاء الاصطناعي يتغير أم لا.
وأضاف: “يصبح من الصعب أكثر فأكثر الدفاع عن وجهة نظر صاعدة تستند إلى ربحية الذكاء الاصطناعي”.
ارتفاع الاعتماد على الديون بين شركات التكنولوجيا الكبرى
مع استعداد المتداولين لنتائج آخر أفراد “العظماء السبعة” (أبل، إنفيديا، أمازون، ألفابت، ميتا، مايكروسوفت، تسلا)، أشار نيكولاس واره وجيمس دوناهو ومايك تالاكا من “جانوس هندرسون” إلى أن شركات التكنولوجيا العملاقة أصبحت تعتمد أكثر على أسواق الدين بإصدارات أكبر، مبتعدة عن نموذج التمويل النقدي بالكامل، مع اشتداد المنافسة في سباق الذكاء الاصطناعي.
وقالوا إن “أسواق الائتمان لا تزال مفتوحة لكن بحذر، إذ تطلب علاوات حتى من جهات إصدار تكنولوجية عالية التصنيف، ما قد يعرقل استمرار تضييق فروق الائتمان”. وأضافوا أن أساسيات الائتمان لشركات التكنولوجيا العملاقة تبدو قوية، غير أن زيادة إصدارات الديون تعني ضرورة دراسة العلاقة بين استثمارات الذكاء الاصطناعي والإصدارات الائتمانية وفروق الائتمان.
اقرأ أيضاً: هل نشهد فقاعة ذكاء اصطناعي؟ سوق السندات لا تعتقد ذلك
وقالت تريسي تشين من “برانديواين غلوبال”: “على المستوى الكلي، لا نرى أن فقاعة الذكاء الاصطناعي أو انهياراً محتملاً من التقييمات الحالية للشركات السحابية هو السيناريو الأساسي لدينا؛ نرى أن أيّاً من الأمرين سابق لأوانه”. لكنها شددت على أن تركّز السوق في شركات “العظماء السبعة” وضعف اتساع السوق يستوجبان الحذر.
وقالت “إنفيسكو” إن المستثمرين بدا أنهم يستعدون لتراجع في السوق. وبعد موجة صعود قوية من مستويات أبريل، ارتفعت الأصوات المحذرة من فقاعة أسهم، ومن تقييمات مبالغ فيها.
واعتبر براين ليفيت وبنيامين جونز من “إنفيسكو”: “قد يكون ذلك المشهد هو ما جعل تراجع الأسبوع الماضي يبدو محتوماً”. وأضافا: “كان التراجع مركزاً في أسهم النمو ذات القيمة السوقية الضخمة، وهي الأسهم التي قادت الارتفاع. بالنسبة إلينا، لا يتعلق الأمر بنماذج أعمال منهارة، بل بشكوك حول التقييمات المرتفعة”.
ولهذا لا يرون في ذلك انفجاراً لفقاعة أسهم، بل “إعادة ضبط صحية” بعد مكاسب كبيرة.
رؤى متباينة حول مسار السوق حتى نهاية العام
قال دينيس فولمر من “مونتيس فاينانشال”: “بينما يجب أن نتوقع في نهاية المطاف مراجعة حاسمة لنهج ضخ تريليونات الدولارات في استثمارات الذكاء الاصطناعي من دون مسار واضح للربحية، فإن الأسواق من غير المرجح أن تنهار بينما الفيدرالي لا يزال في وضع تخفيف السياسة والاقتصاد لا يزال قوياً”.
ويتوقع مايكل ويلسون من “مورغان ستانلي”، أحد الأصوات الأكثر تفاؤلاً حول الأسهم الأميركية، أن يتداول مؤشر “إس آند بي 500” قرب 7800 نقطة بحلول نهاية 2026، وهو من أعلى الأهداف بين المحللين الذين ترصدهم “بلومبرغ”، ويمثل رابع عام على التوالي من المكاسب المزدوجة للمؤشر.
وكتب ويلسون في مذركة: “نحن وسط سوق صاعدة جديدة ودورة أرباح جديدة، خصوصاً في العديد من القطاعات المتأخرة داخل المؤشر”.
وقال آرون نوردفيك، رئيس استراتيجية الأسهم الكلية في قاعة التداول لدى “يو بي إس”، إنه يرى مؤشر “إس آند بي 500” يكسر حاجز 7000 نقطة قبل نهاية العام، ونصح العملاء بشراء أي تراجع.
وأضاف أنه من منظور موسمي، فإن عوائد “الشراء في نوفمبر”، وهي الفترة الممتدة حتى أبريل، تكون قوية عندما تتحدى فترة “البيع في مايو” سمعتها السلبية كما حدث هذا العام.
ومنذ عام 1950، ارتفع المؤشر بمتوسط 7.3% في آخر شهرين من العام عندما تجاوزت مكاسب مايو إلى أكتوبر نسبة 10%. وقد صعد المؤشر 17% خلال تلك الفترة هذا العام.
انتظار بيانات الوظائف وتأثيرها على قرار الفائدة
فولمر من “مونتيس فاينانشال” أكد أن “الصورة ستتضح أكثر هذا الأسبوع مع أرباح إنفيديا وإصدار تقرير وظائف سبتمبر المؤجل يوم الخميس، لكن الحدثين قد يزيدان من تقلبات السوق”.
وأضاف أن رقم وظائف قوي جداً أو ضعيف جداً من شأنه أن يؤثر بحدة على توقعات خفض أسعار الفائدة في ديسمبر، نظراً لانقسام الفيدرالي حول الخطوات المقبلة.
وقال: “بينما يجب أن نتوقع في النهاية مراجعة لنهج ضخ تريليونات الدولارات في استثمارات الذكاء الاصطناعي من دون مسار ربحي واضح، فإن الأسواق لن تتدهور بينما الفيدرالي مستمر في وضع التيسير والاقتصاد قوي”.
أما خوسيه توريس من “إنتراكتيف بروكرز” فرأى أنه “من المؤكد أن متعاملي السوق يريدون تفوقاً في الأرباح من إنفيديا، لكن عندما نأخذ في الاعتبار ما هي النتيجة المرغوبة بالنسبة للوظائف، يصبح الأمر معقداً”.
وأوضح توريس أن نتيجة “هشة” ستميل بالاحتمالات إلى خفض في ديسمبر، لكن نتيجة تعكس ضعفاً شديداً قد تثير مخاوف التباطؤ، وقد لا تؤدي إلى ارتفاع الأسهم، رغم أنها قد تدعم السندات. أما نتيجة قوية فستضغط على فئتي الأصول لأنها ستبرر الموقف المتشدد للفيدرالي حالياً.
وقالت أولريكه هوفمان-بورشارد من “يو بي إس لإدارة الثروات العالمية”: “رأينا أن سوق العمل ستظل العامل الحاسم في أسعار الفائدة في الوقت الحالي. وتواصل البيانات البديلة مثل طلبات إعانات البطالة وتقارير إيه دي بي وتشالنجر، رسم صورة ضعيفة لسوق العمل، ولذلك ما زلنا نتوقع خفضاً في ديسمبر”.
وفي الأسبوع الماضي، خفّض متداولو العقود الآجلة احتمالات خفض للفائدة بمقدار ربع نقطة في ديسمبر إلى ما دون 50%، إذ أشار بعض مسؤولي الفيدرالي إلى أن مثل هذه الخطوة ليست مضمونة.
ويتوقع محللو أسعار الفائدة في “غولدمان ساكس” و”باركليز” و”بنك أوف أميركا” أن البيانات الاقتصادية الأميركية التي تأخرت بسبب الإغلاق الحكومي، ستعزز مجدداً الدعوة لخفض الفائدة في ديسمبر.
وكتب فريق “غولدمان”، بقيادة ويليام مارشال وجورج كول، في تقرير بتاريخ 14 نوفمبر، أن “عائدات سندات الخزانة لم تتغير كثيراً عن مستويات نهاية سبتمبر، لكن انخفاض توقعات الخفض القريب وتراجع توقعات التضخم القصير خلال فترة الإغلاق يعكسان تحولاً متشدداً في تقييم السوق للفيدرالي”.
تأخر البيانات الرسمية يربك قراءة الاقتصاد الأميركي
يواصل المستثمرون وصناع السياسات انتظار تحديثات جديدة على جداول البيانات الاقتصادية من وكالات الإحصاء الرسمية.
وعلى الرغم من استئناف تمويل الحكومة قبل أيام بعد أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، فإن الوكالات ما زالت متأخرة في جمع البيانات لمعظم تقارير أكتوبر المتعلقة بالوظائف والتضخم. ومن المرجح أن تستمر عملية اللحاق بالركب حتى نوفمبر، وسط بيانات اقتصادية “فقدت جزءاً من حداثتها”.
اقرأ أيضاً: إحصاءات العمل: تقرير الوظائف الأميركي لسبتمبر يصدر في 20 نوفمبر
ويساعد النقص في البيانات الرسمية في تفسير تعليقات العديد من صناع السياسات مؤخراً بأن عليهم الإبقاء على سعر الفائدة كما هو عندما يجتمعون الشهر المقبل. وسيصدر الفيدرالي يوم الأربعاء محضر اجتماعه في أكتوبر.
وقال إل. توماس بلوك من “فاندسترات غلوبال أدفايزورز”: “سيكون هناك اهتمام كبير بالمحضر، إذ أثار جيروم باول رئيس الفيدرالي بعض الشكوك حول الإجراءات المحتملة للبنك المركزي خلال مؤتمره الصحفي بعد اجتماع أكتوبر”.
المصدر : الشرق بلومبرج
