هل يمكن أن تعوض دول أخرى دور الصين اقتصادياً؟

هل يمكن أن تعوض دول أخرى دور الصين اقتصادياً؟

يبدو أن الولايات المتحدة والصين توشكان على إبرام صفقة تجارية من شأنها أن توفر يقيناً طويل الأجل بشأن الرسوم الجمركية الثنائية وتوضح ما إذا كان الرئيس دونالد ترمب ما يزال ملتزماً بتخفيف المخاطر من الدولة الآسيوية. وهذا يحيي سؤالاً دائماً: ما هي الاقتصادات الأخرى التي يمكنها أن تصبح مراكز للتصنيع العالمي؟

لقد أنشأنا مؤشراً لإمكانات التصدير للمساعدة في الإجابة على هذا السؤال. والنتيجة الرئيسية هي أن الصين تحتفظ بميزة هيكلية كبيرة على الاقتصادات الناشئة والمتقدمة الأخرى، ما يوضح استمرار جاذبيتها كقاعدة للإنتاج العالمي والحاجة إلى مراعاة أكثر من مجرد افتقاد الصين لميزتها بسبب نظام الرسوم الجمركية الأميركي الحالي.

تتفوق إن الصين في العوامل الهيكلية وتقود العالم في توافر العمالة الماهرة والخدمات اللوجستية التجارية. ومن بين الأسواق الناشئة، تجعل العمالة منخفضة التكلفة وعالية المهارة نسبياً الهند في المركز الثاني وتليها فيتنام. 

لماذا تقدم البناء الصيني وتخلف البريطاني والأميركي؟

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن انخفاض تكاليف الطاقة، ومناخ الاستثمار المواتي، وقاعدة التصنيع الكبيرة تضعها في مقدمة الاقتصادات المتقدمة، على الرغم من أن تكاليف العمالة هي الأعلى بين جميع الاقتصادات التي قيمناها. تميل الاقتصادات المتقدمة إلى التفوق على الصين في مناخ الاستثمار، لكنها تتخلف في مقاييس أخرى.

مع ذلك، فإن الميزة الهيكلية للصين كبيرة. إذ أن الفجوة بين نتيجتها الإجمالية في المؤشر وأقرب منافس، أي الهند، أكبر من الفجوة بين الهند واليابان، التي تحتل المرتبة العاشرة. وتترجم هذه الميزة إلى تكاليف إضافية للشركات التي تتطلع إلى نقل قدراتها التصنيعية إلى أماكن أخرى.

وتتفوق الصين على متوسط ​​درجات الاقتصادات المتقدمة والناشئة في جميع فئات المؤشرات الفرعية باستثناء تكاليف العمالة، وفي هذا تتصدر الاقتصادات الناشئة، وفي مناخ الاستثمار، إذ نجد أن لدى الدول المتقدمة ميزة طفيفة.

تحتل الاقتصادات الناشئة أربعة من المراكز الخمسة الأولى خلف الصين في مؤشر إمكانات التصدير، والولايات المتحدة هي السوق المتقدمة الوحيدة.

بدائل الصين

يكشف مؤشرنا أن الأسواق الناشئة، في المتوسط، لا تتمتع إلا بميزة هامشية على الاقتصادات المتقدمة. ومع ذلك، تظهر أكبر 10 أسواق ناشئة نطاقاً أكبر في الأداء مقارنة بالاقتصادات المتقدمة، وذلك مدفوع بالتباين الكبير في براعة التصنيع الحالية وتكاليف العمالة والخدمات اللوجستية التجارية وتكاليف الطاقة.

استفادت فيتنام والمكسيك وأسواق ناشئة أخرى من رسوم ترمب الجمركية على الصين خلال ولايته الأولى، جزئياً من خلال الاندماج في سلاسل التوريد الصناعية الصينية. كانت منطقة جنوب شرق آسيا أكبر رابح نسبياً، إذ تضاعفت حصة ما استوردته الولايات المتحدة من المنطقة تقريباً من عام 2016 إلى عام 2020 مدفوعة جزئياً بالاستثمار الصيني في الطاقة التصنيعية.

يكشف مؤشرنا عن نمط مماثل: تهيمن دول جنوب وجنوب شرق آسيا على قائمة أكبر 10 اقتصادات ناشئة، باستثناء تركيا والبرازيل والمكسيك. تتفوق الأسواق الناشئة بقوة على الصين في تكاليف العمالة، بينما تتخلف عنها في مقاييس أخرى، ما يشير إلى أنها قد تكون بدائل جذابة لقطاعات تصنيع أكثف عمالياً.

تفاوتات كبيرة في تكلفة الطاقة 

تتفاوت تكلفة الطاقة وموثوقيتها بشدة بين الأسواق الناشئة، لكن إندونيسيا وماليزيا والبرازيل تتمتع بوضع جيد للمنافسة في قطاعات التصنيع كثيفة الطاقة. ويوجد عموماً تباين أقل في الاقتصادات المتقدمة في جميع المؤشرات الفرعية الستة.

تتصدر الولايات المتحدة المجموعة بطاقة موثوقة ومنخفضة التكلفة، ومناخ استثماري ممتاز، وقاعدة كبيرة من العمالة الماهرة التي تعوض تكاليف العمالة المرتفعة بأكثر من قيمتها الحقيقية.

تسجل مراكز التصنيع الرئيسية في شرق آسيا (كوريا وتايوان واليابان) أداءً جيداً. وتتميز هذه المراكز بانخفاض تكاليف العمالة نسبياً مقارنةً مع الاقتصادات المتقدمة الأخرى، وأداء قوي في مجال الخدمات اللوجستية التجارية.

تستفيد كندا من انخفاض تكاليف الطاقة، بينما تميل الدول الأوروبية إلى التشابه في الأداء في شتى المقاييس.

نظرة تختص بجزء فقط من المعادلة

مؤشرنا ليس سوى جزء واحد من لغز صادرات الصناعات التحويلية العالمية. ولعل سياسة التجارة العالمية هي العامل الإضافي الأهم.

تواجه الصين الآن رسوماً جمركيةً أميركيةً أعلى بكثير مما كانت عليه عندما عاد ترمب إلى الرئاسة في يناير، ما قد يعاكس مزاياها الهيكلية كقوة تصنيع. قد يكون لدينا يقين أكبر هذا الأسبوع بشأن شكل العلاقة التجارية المستقبلية بين الولايات المتحدة والصين.

لكن الولايات المتحدة فرضت رسوماً جمركية كبيرة على اقتصادات أخرى، ومنها بعض المنافسين الرئيسيين في مجال التصنيع مثل الهند والبرازيل. ولا يبدو أن هناك أي تراجع في الإجراءات الجديدة، مع وضع كندا مرة أخرى في مرمى النيران.

ما البدائل المتاحة أمام ترمب لو أبطلت المحكمة الرسوم الجمركية؟

كما تنظر المحكمة العليا الأميركية في أجندة ترمب الجمركية الشهر المقبل، وهذا قد يؤدي إلى فترة متجددة من عدم اليقين.

في الوقت نفسه، يفرض الاتحاد الأوروبي تدابير تجارية جديدة تهدف إلى حماية المنتجين الصناعيين المحليين من الواردات الصينية، وتواجه دول في جميع أنحاء العالم أيضاً سيلاً من الشحنات الصينية وتدرس الخيارات كجزء من المفاوضات التجارية الثنائية مع الولايات المتحدة. وهذا يعقد قرارات الاستثمار في التصنيع، وخاصة للمنتجين الذين يبيعون إلى أسواق تصدير متعددة.

كما يخفق مؤشرنا في مراعاة العوامل الأخرى التي قد تؤثر على قرارات الشركات بشأن نقل أعمال التصنيع، بما في ذلك آثار التكتل التي تستفيد منها الصين نظراً لدورها المحوري في التصنيع العالمي، ولأن مصدّريها، الذين كانوا هدفاً للسياسة التجارية الأميركية على مدى القسم الأكبر من عقد، يرجّح أنهم في وضع فريد يمكّنهم من مساعدة المستوردين الأميركيين على إدارة مشهد الرسوم الجمركية متزايد التعقيد.

عولمة التجارة تتحدى الرسوم الجمركية

حتى مع إعادة صياغة الرسوم الجمركية الجديدة لطرق التجارة وتدفقات الاستثمار، ما يزال النظام البيئي الصناعي العميق في الصين يرسّخ سلاسل التوريد العالمية. بالنسبة للشركات، قد لا يكون الأمر متعلّقاً بمغادرة الصين، بل بكيفية موازنة التعرض (للأسواق) وتنويع الاستثمارات بما يكفي للتحوّط من مخاطر السياسات مع الاستمرار في الاستفادة من قاعدة التصنيع الأعلى كفاءةً في العالم.

منهجية تقييم الاقتصادات المطروحة

لتحديد الاقتصادات التي يمكنها الاستفادة من التنويع بعيداً عن الصين، صنفناها بناء على ستة مؤشرات فرعية:

  • براعة التصنيع: تستفيد الصين من وفورات الحجم والتأثيرات الخارجية لتكتل الصناعات التحويلية. تعتمد هذه النتيجة على ثلاثة مقاييس: صادرات الصناعات التحويلية، ونمو صادرات الصناعات التحويلية، والتشابه في نوعية صادرات الدولة مع الصين.
  • العمالة الماهرة: يعتمد قطاع التصنيع التنافسي على الوصول إلى مجموعة كافية من العمالة الماهرة. تعتمد هذه النتيجة على عنصرين: حجم مجموعة العمالة في سن العمل ومؤشر رأس المال البشري المركب.
  • تكاليف العمالة: تتأثر تنافسية التصنيع بتكاليف العمالة. تتضمن هذه النتيجة تقديرات نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وتكاليف العمالة في التصنيع.
  • اللوجستيات التجارية: تعد هذه الميزة مهمة لمصدري التصنيع، إذ أن أكثر من 80% من تجارة السلع تمر عبر البحر. وتتضمن هذه النتيجة مقياساً لأداء اللوجستيات ومؤشراً لربط خطوط الشحن البحري.
  • الطاقة: يعد الوصول إلى مصادر طاقة منخفضة التكلفة وموثوقة أمراً بالغ الأهمية لتنافسية التصنيع. تتضمن هذه النتيجة تقديرات لأسعار الطاقة الصناعية ودرجة لأمن الطاقة.
  • مناخ الاستثمار: تساعد بيئة الأعمال التمكينية على جذب الاستثمار الأجنبي. تتضمن هذه النتيجة مقياساً لجاهزية الشبكة (نضج تقنية المعلومات والاتصالات، والمناخ التنظيمي، وما إلى ذلك) ومناخ الاستثمار.

خضعت عينة الاقتصادات التي قيّمناها في هذا الإطار لاجتزاء بحيث لا تشمل إلا الاقتصادات التي تقع ضمن أفضل 50 اقتصاداً من حيث صادرات التصنيع والسكان في سن العمل.

وفقاً لتصنيف البنك الدولي للدول ومجموعات الإقراض لعام 2026، يستوفي ما مجموعه 30 اقتصاداً، منها الصين، كلا معياري التصنيف، بما في ذلك 16 اقتصاداً مرتفع الدخل و14 اقتصاداً متوسط ​​الدخل بشقيه المتوسط الأدنى والمتوسط الأعلى (وهذا يشمل الصين).

أميركا المريضة لن تكون قادرة على منافسة الصين مستقبلاً

تحسب درجات كل مكون فرعي، التي لم تُظهر على مقياس من 0 إلى 1، لكل اقتصاد باستخدام الدرجات المعيارية والتطبيع إلى مقياس من 0 إلى 1. ثم تجمع المكونات الفرعية في متوسط ​​غير مرجح للمؤشر الفرعي. ثم تضاف المؤشرات الفرعية معاً لتحديد الدرجة الإجمالية لكل اقتصاد. وتُدرج أفضل 10 اقتصادات أداءً باستثناء الصين لأغراض حساب المتوسطات.

  • الاقتصادات ذات الدخل المتوسط ​​بشقيه المتوسط الأدنى والمتوسط الأعلى المشمولة في حسابات المتوسط ​​(حسب ترتيب الأداء) هي: الهند وفيتنام وإندونيسيا وماليزيا وتايلندا وتركيا والبرازيل والمكسيك والفلبين وبنغلاديش.
  • الاقتصادات ذات الدخل المرتفع المشمولة في حسابات المتوسط ​​(حسب ترتيب الأداء): الولايات المتحدة وكوريا وتايوان وألمانيا واليابان وإسبانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا وبولندا.
  • استوفت إيران وجنوب أفريقيا وبيرو معايير التصنيف، لكنها مستبعدة من متوسط ​​الاقتصادات الناشئة. أما روسيا وهولندا والمملكة المتحدة وأستراليا وتشيلي والمملكة العربية السعودية، فهي مستبعدة من متوسط ​​الاقتصادات المتقدمة.

المصدر : الشرق بلومبرج