العقوبات الأميركية تعطل واردات الصين النفطية من روسيا وإيران

العقوبات الأميركية تعطل واردات الصين النفطية من روسيا وإيران

بدأ تشديد العقوبات على الموانئ ومحطات التكرير الصينية يلقي بثقله على تدفقات النفط الروسي والإيراني نحو أكبر مستورد للخام في العالم، رغم أن محاولات الالتفاف الناشئة عليها تُوحي بأن هذا التباطؤ قد لا يدوم طويلاً.

علّقت شركات التكرير الصينية الكبرى المملوكة للدولة مشترياتها من خام “إسبو” الذي يشكّل العمود الفقري للواردات الصينية من روسيا، بعدما فرضت واشنطن عقوبات على شركتي “روسنفت” و”لوك أويل”. كما أدى استهداف الولايات المتحدة لمحطة “ريتشاو” النفطية -التي كانت يمر عبرها نحو 10% من واردات الخام إلى البلاد- إلى تقليص تدفقات الخام الإيراني.

الخوف من العقوبات يؤثر على المصافي

حتى بعض المصافي الخاصة، التي تميل إلى المخاطرة بشكل أكبر فيما يتعلق بالتعامل مع الشحنات “الحساسة”، بدأت تتجنّب استيراد الخام الروسي القادم من الشرق الأقصى، بعدما أدرج الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة شركة “شاندونغ يولونغ للبتروكيماويات” (Shandong Yulong Petrochemical) على قوائمهما السوداء، حيث تُعدّ الشركة، المصنفة ضمن فئة “مصافي أباريق الشاي”، من كبار المشترين للنفط الروسي. وقد أحدثت هذه التطورات مجتمعة حالة من التوجّس غير المسبوق في السوق.

اقرأ أيضاً: الغاز الروسي يواصل تدفقه إلى الصين رغم عقوبات المملكة المتحدة

وقالت فاندانا هاري، مؤسسة شركة التحليلات “فاندا إنسايتس” (Vanda Insights) ومقرها في سنغافورة، إن العقوبات الأميركية هذه المرة تختلف عن القيود الغربية السابقة لما سببته من تصاعد للمخاوف في السوق، مضيفة أن “العقوبات على روسنفت ولوك أويل قد تغير قواعد اللعبة إلى حدّ ما”.

هذا التوتر المتزايد في صفوف المشترين الصينيين يتزامن مع خفض المصافي الهندية أيضاً لمشترياتها من النفط الروسي، في إشارة إلى أن الجهود الغربية لحرمان الكرملين من مصادر تمويل حربه في أوكرانيا بدأت أخيراً تؤتي ثمارها.

مع ذلك، فإن صمود بعض الموانئ الخاضعة سابقاً للعقوبات —مثل ميناء “دونغجياكو” في مقاطعة شاندونغ— يشير إلى احتمال عودة تدفقات النفط إذا لم تقترن العقوبات بآليات تدقيق صارمة وتطبيق حازم.

النفط المحظور يتراكم بلا مشترين

وفق تقديرات شركة “ريستاد إنرجي” (Rystad Energy)، قد تنخفض واردات الصين من الخام الروسي المنقول بحراً هذا الشهر بما يتراوح بين 500 و800 ألف برميل يومياً، أي أقل بنحو ثلثي المعدلات المعتادة. في المقابل، قد تتراجع التدفقات الإيرانية بما يتراوح بين 200 و400 ألف برميل يومياً، أو نحو 30%.

وقالت إيما لي، كبيرة محللي السوق الصينية في شركة “فورتكسا” (Vortexa) لتعقب السفن والتحليلات، إن هناك تخمة متزايدة من شحنات النفط الحسّاسة التي تواجه صعوبة في العثور على مشترين. كما أشارت إلى أن المصافي الخاصة في الصين، أو “مصافي أباريق الشاي”، تعاني من نقص في حصص استيراد الخام الممنوحة لها، فيما يسعى البائعون إلى تصريف الشحنات بأي ثمن، وهو ما يدفع الأسعار إلى الهبوط.

اقرأ أيضاً: عقوبات أميركية تربك حركة النفط والناقلات تغير مسارها بعيداً عن الصين

في غضون ذلك، لا تزال واردات الصين من النفط الإيراني، الذي يُعدّ ميناء “ريتشاو” بوابة رئيسية له، دون المستويات المعتادة، بعدما فُرضت عقوبات على الميناء في أكتوبر بسبب صلاته بإيران. ووفقاً لـ”فورتكسا”، فإن وفرة المخزونات في مقاطعة شاندونغ، إلى جانب قلة الحصص الاستيرادية المتوفرة لدى المصافي الخاصة، يواصلان كبح الطلب على هذه الشحنات.

في ظلّ هذا الواقع، ارتفعت كميات النفط الإيراني المخزّنة في البحر إلى نحو 48 مليون برميل بنهاية الأسبوع الماضي، وهو أعلى مستوى يُسجّل منذ أكثر من عامين، وفق بيانات شركة “كبلر” (Kpler). وبحسب الشركة، فإن نحو 40% من هذه الكميات ترسو في مضيق سنغافورة، بينما تنتشر نسبة مماثلة في مياه البحر الأصفر وبحر الصين الجنوبي.

كما يواجه خام “إسبو” تخمة في المعروض، ويُعرض بخصم يصل إلى 4 دولارات للبرميل مقارنة بالأسعار المرجعية للشحنات المتجهة إلى الصين، بحسب ما أفاد به متعاملون في السوق. يُشكل ذلك ارتفاعاً مقارنة بنهاية أكتوبر، حين لم يكن الفارق يتجاوز 50 سنتاً.

اقرأ أيضاً: النفط الروسي يهبط قبل أيام من سريان العقوبات على “روسنفت” و”لوك أويل”

التفاف على العقوبات

هذه الأسعار المغرية قد تدفع بعض المصافي الصينية إلى العودة للأساليب التقليدية في الالتفاف على القيود، مثل إطفاء أجهزة التتبع وتنفيذ عمليات نقل من سفينة إلى أخرى لإخفاء مصدر الشحنات.

وكان ميناء دونغجياكو برز مجدداً كمسار لشحنات النفط الحساسة، وأُدرج الميناء على قائمة العقوبات الأميركية في أغسطس الماضي، مما أدى إلى وقوع مخاطر على المتعاملين والممولين ومالكي السفن الذين يستخدمونه. ورغم تراجع التدفقات من خلاله لفترة وجيزة عقب فرض العقوبات، عاود الميناء استقبال كميات ضخمة من الخام الإيراني، في مؤشر على أن بعض المشترين لا يزالون يرون أن فرص الربح تفوق مخاطر العقوبات.

اقرأ أيضاً: مصافي نفط حكومية في الصين تبتعد عن النفط الروسي وسط العقوبات الأميركية

نقص في مخصصات الاستيراد

ويُعزى التباطؤ الحالي في مشتريات الخامين الروسي والإيراني جزئياً إلى نقص حصص الاستيراد المتاحة للمصافي الخاصة مع اقتراب نهاية العام، ما قد يدفع هذه الشركات إلى طلب مخصصات إضافية من الحكومة.

لكن حتى في حال منحت الحكومة الصينية المصافي حصص استيراد إضافية، من المرجّح أن يتريّث بعضها في استئناف مشترياتها من النفط الروسي، في انتظار تبيان مدى صرامة تنفيذ العقوبات، وفقاً لجيانان سون، المحلل في شركة الاستشارات “إنرجي آسبكتس” (Energy Aspects)، الذي قال “ترسيخ قنوات توريد وسلاسل إمداد جديدة يحتاج إلى وقت”.

المصدر : الشرق بلومبرج