أدى بيع مكثّف في أكبر شركات التكنولوجيا في العالم إلى دفع الأسهم الأميركية نحو أطول سلسلة تراجع منذ أغسطس، ما أبرز اعتماد السوق الضيق على عدد محدود من عمالقة النمو. وفقد مؤشر “إس آند بي 500” ما يقرب من 1%، متراجعاً لليوم الرابع على التوالي.
وفي الفترة التي تسبق نتائج “إنفيديا”، انخفضت أسهمها بنسبة 2.8%. ويزداد التحدي أمام شركة تصنيع الرقائق لإقناع المستثمرين بأن المليارات التي تُنفق على الذكاء الاصطناعي ستؤتي ثمارها. وقد يكون لتوقعاتها تأثير كبير نظراً لنفوذ الشركة الضخم على المؤشرات الرئيسية.
أصبحت وول ستريت قلقة بشكل متزايد من أن الذكاء الاصطناعي لم يحقق بعد إيرادات أو أرباحاً كافية لتبرير الإنفاق الهائل على البنية التحتية. وتلتزم شركتا “مايكروسوفت” و”إنفيديا” باستثمار ما يصل إلى 15 مليار دولار مجتمعين في شركة “أنثروبيك”، في خطوة تربط مطوّر الذكاء الاصطناعي باثنين من أكبر الداعمين لمنافستها “أوبن إيه آي”.
وقال سونو فارغيز من “كارسن غروب”: “السؤال ليس حقاً ما إذا كنا في فقاعة، بل السؤال الحقيقي هو كم سيستمر اتجاه الإنفاق الحالي على الذكاء الاصطناعي، وما مدى سوء التداعيات عندما ينتهي”.
ووفقاً لدانييل بينتو، نائب رئيس “جي بي مورغان تشيس”، فإن التقييمات في القطاع الذي يشهد ازدهاراً، باتت تحتاج إلى إعادة تقييم.
وقال بينتو في “قمة بلومبرغ للأعمال الأفريقية” في جوهانسبرغ يوم الثلاثاء: “ربما تكون هناك تصحيحات في هذا القطاع”، مضيفاً: “ذلك التصحيح سيؤدي أيضاً إلى تصحيح في باقي القطاعات، في إس آند بي، وفي الصناعة”.
أغلق مؤشر “إس آند بي 500” دون مستوى 6620 نقطة، وهو الأدنى في أكثر من شهر. وخسر مؤشر لأسهم شركات التكنولوجيا العملاقة 1.8%. وظل “مؤشر الخوف” (VIX) والذي يتم مراقبته على نطاق واسع، قريباً من مستوى 25 نقطة.
ارتفعت “بتكوين” بعد أن تراجعت لفترة وجيزة دون 90 ألف دولار. وانخفض عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات نقطتي أساس إلى 4.12%. وتذبذب الدولار.
وفي غضون ذلك، تراجعت مراكز السيولة لدى المستثمرين إلى ما دون مستوى حرج في استطلاع شهري لبنك “أوف أميركا”، ما أطلق ما يُسمّى “إشارة بيع” للأسهم. ومع بقاء التعرض للأسهم عند أعلى مستوى منذ فبراير في قراءة البنك، قال مايكل هارتنت إن السوق “ستتراجع أكثر” من دون خفض لأسعار الفائدة الشهر المقبل.
وأشار الاستراتيجي إلى أن التموضع حالياً “يشكّل مقاومة، لا دعماً للأصول عالية المخاطر”.
مخاوف من فقاعة الذكاء الاصطناعي وتقييمات مبالغ فيها
بينما كان التراجع الأخير فنياً “مستحقاً”، قال لويس نافلييه من “نافلييه آند أسوشييتس” إن حدّة التصحيح تضاعفت بسبب الوزن المفرط لأسهم التكنولوجيا العملاقة، والخوف من فقاعة في الذكاء الاصطناعي.
وأضاف: “لحسن الحظ، الأرباح لا تزال قوية للغاية؛ لا أحد يشكك في أن الذكاء الاصطناعي يحمل وعداً بمكاسب ضخمة في الإنتاجية”. لكنه أشار إلى أن “عدم اليقين يتمحور حول توقيت انطلاق الإنتاجية، وأين وكيف ستُحقق الأرباح”.
لم يعد السيناريو الصاعد للذكاء الاصطناعي التوليدي واضحاً، وينبغي التعامل مع مشغّلي الحوسبة السحابية بحذر، وفق محلل خفّض تصنيفه لاثنين من أكثر عمالقة التكنولوجيا تفضيلاً في وول ستريت.
فقد شهدت شركتا “مايكروسوفت” و”أمازون” تخفيض تصنيفهما إلى “محايد” من “شراء” يوم الثلاثاء، بعدما خفّض ألكسندر هايسل من “روتشيلد آند كو ريدبيرن” تقييمه للسهمين للمرة الأولى منذ بدء تغطيتهما في يونيو 2022، وفق بيانات جمعتها “بلومبرغ”.
وقالت هارييت سميث من “إتش إس بي سي”: “نحن لا نتفق مع سردية فقاعة الذكاء الاصطناعي، فمعظم الإنفاق يأتي من شركات راسخة تملك ثروات ضخمة، وليس من شركات ناشئة تعتمد على الديون”.
اقرأ أيضاً: “أمازون” تجمع 15 مليار دولار في أول إصدار سندات دولارية منذ 3 سنوات
ووفقاً لريان غرابينسكي من “ستراتيغاس”، فقد نمت “إنفيديا”، بشكل منفرد، بشكل أكبر من نمو قطاعات الطاقة والمواد والعقارات مجتمعة، وأحياناً يتجاوز وزنها الإجمالي وزن هذه القطاعات بالإضافة إلى المرافق. كما أنها أكبر من قطاع الصناعات بالكامل.
وقال غرابينسكي: “وصف تقرير أرباح الغد بأنه مهم هو نوع من التقليل”. وأضاف: “النتيجة مرشحة لإطلاق تأثيرات متتالية عبر الأسواق الأميركية والدولية. وعلى الرغم من أن توقعات الذكاء الاصطناعي بشكل عام قد تراجعت في الأسابيع الأخيرة، فإن هذا التقرير قادر على إعادة المعنويات إلى التفاؤل. ومع ذلك، فإن سقف التوقعات مرتفع بلا شك حالياً”.
نتائج إنفيديا وتأثيرها المحتمل على الأسواق العالمية
كانت “إنفيديا” واحدة من أكبر الرابحين في أسهم الشركات الكبرى بفضل طفرة الذكاء الاصطناعي، لكن رد فعلها الأخير على تقارير الأرباح كان ضعيفاً على نحو غير متوقع، حسب بيانات جمعتها “بيسبوك إنفستمنت غروب”.
وقالت الشركة: “على الرغم من النتائج القوية باستمرار، وثماني ’ثلاثيات مثالية‘ (تفوق على توقعات الإيرادات والأرباح والتوقعات المستقبلية) في آخر 11 تقريراً، فقد تراجع السهم من الافتتاح إلى الإغلاق في يوم إعلان الأرباح ثماني مرات، بما في ذلك المرات الخمس الأخيرة”. وأضافت: “لذا، ورغم النتائج القوية عموماً، ظل المستثمرون يسجّلون أرباحهم”.
ويرى جيمس ديمّرت من “ماين ستريت ريسيرتش” أن حقيقة أن سهم “إنفيديا” شهد تصحيحاً في الأيام الأخيرة قبل تقرير أرباحه غداً، تعني أن العتبة المطلوبة لتجاوزه التوقعات أصبحت أقل قليلاً.
وقال: “نتوقع أن تتجاوز إنفيديا التقديرات وأن تقدّم توجيهات مستقبلية للأرباح والإيرادات أعلى مما يتوقعه المستثمرون”. وأضاف: “من غير المرجّح أن تكون إنفيديا قد شهدت أي تباطؤ في الطلب على منتجاتها، حتى مع زيادة المنافسة، بالنظر إلى أننا في بداية دورة الذكاء الاصطناعي”.
اقرأ أيضاً: هل بيع “حوت ناسداك” لأسهم “إنفيديا” يعبر عن يأس؟
وأشار ديمّرت إلى أن أرباح الأربعاء مهمة بشكل خاص نظراً لازدياد الشكوك حول مدة دورة الذكاء الاصطناعي وتقييمات أسهم الذكاء الاصطناعي الحالية.
ورغم أن التقييمات مرتفعة، إلا أنها لا تزال تتداول عند خصومات مقارنة بمعدلات نمو الأرباح، كما أن المعنويات العامة في سوق الذكاء الاصطناعي إيجابية بشكل معتدل وليست مفرطة، بحسب قوله.
وأضاف: “تراجع السوق الأخير هو عملية إعادة ضبط طبيعية لسوق لم تشهد تقلبات تُذكر في الأشهر الأخيرة”. وأردف: “ورغم أن التراجع في نوفمبر أمر غير معتاد، إلا أنه يهيئنا جيداً لديسمبر قوي ونهاية عام قوية. نحن ما زلنا في مرحلة مبكرة جداً من دورة الأعمال والذكاء الاصطناعي”.
وترى لورين غوودوين من “نيويورك لايف إنفستمنتس” أنه بينما تبقى “إنفيديا” مؤشراً رئيسياً للطلب على الرقائق، فإن شركات الحوسبة السحابية الكبرى الأخرى أكدت بالفعل وجود حلقة تغذية قوية بين الإيرادات السحابية والتدفق النقدي الحر ونوايا الإنفاق الرأسمالي الجديدة.
وقالت أولريكه هوفمان-بورشاردت من “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت” إنها تحافظ على نظرة إيجابية تجاه قصة النمو الهيكلية للذكاء الاصطناعي، والتي ينبغي أن تدفع أداء الأسهم قدماً، مع مراقبة وتيرة ونطاق الإنفاق الرأسمالي المموّل بالدين مقارنة بالنمو في الإيرادات والأرباح.
وأضافت أن المشاركة في الاتجاهات التحولية غالباً ما تكون ضرورية للحفاظ على الثروة على المدى الطويل وزيادتها، وترى أن المستثمرين الذين لديهم انكشاف منخفض ينبغي أن يزيدوه.
ضغوط سوقية وتزايد القلق بشأن أسعار الفائدة
بالنسبة لكايل رودا من “كابيتال دوت كوم”، فإن انخفاض أسعار الأسهم هو نتيجة التموضع، وتجنب المخاطر والزخم.
وقال: “هذا يعني تقليل المخاطر قبل بيانات الوظائف الأميركية ونتائج إنفيديا، والتي ستؤثر على توقعات أسعار الفائدة الأميركية وربحية مجموعة العظماء السبعة (أبل، ألفابت، إنفيديا، أمازون، ميتا، مايكروسوفت، تسلا)”.
وقال كريغ جونسون من “بايبر ساندلر”: “نعتقد أن الباب أصبح مفتوحاً الآن لتراجع/تصحيح أعمق، وإنهاء سلسلة المكاسب الممتدة ستة أشهر في الأسهم”. وأضاف: “يجب على المستثمرين البقاء حذرين، لكن مستعدين لاقتناص فرصة تراجع أعمق في الأشهر المقبلة”.
وفي الوقت نفسه، يستعد متداولو الأسهم في وول ستريت لتحقيق أفضل عام من حيث الإيرادات منذ أكثر من عقدين، بعدما تدفّق العملاء نحو أسهم الذكاء الاصطناعي المزدهرة في الأشهر الأخيرة.
ومن المتوقع أن يصل إجمالي الرسوم في الصناعة إلى 94 مليار دولار هذا العام، وفق بيانات جمعتها “كريسل كوالشن غرينيتش”، بزيادة نسبتها 18% عن 2024.
حالة الضعف تتسلل إلى أسواق الائتمان
تتسلل حالة الضعف التي تجتاح الأسواق المالية العالمية إلى أسواق الائتمان. فقد ظلت علاوات المخاطر على كل شيء، من سندات الشركات ذات الدرجة الاستثمارية إلى السندات عالية المخاطر، قرب أعلى مستوياتها في أسابيع.
ويوم الإثنين، سحب المستثمرون نحو 40% من طلبات شراء السندات في عدة صفقات سندات شركات بعد الاطلاع على التسعير النهائي، وهي نسبة غير معتادة. وفي صفقة أخرى، تم سحب عرض سندات من الدرجة الاستثمارية بالكامل الأسبوع الماضي، وهو أمر نادر في هذه السوق. وفي سوق القروض الممولة، واجهت البنوك صعوبات في بيع بعض الديون المرتبطة بعمليات الاستحواذ.
وقال ديفيد موريسون من “تريد نيشن”: “تؤثر المخاوف بشأن قطاع التكنولوجيا على أسعار الأسهم، لكن المستثمرين عليهم أيضاً تسعير تلاشي احتمال خفض آخر للفائدة من الاحتياطي الفيدرالي الشهر المقبل”.
انقسام في الاحتياطي الفيدرالي وتأخر البيانات الاقتصادية
صعّد جناح من صانعي السياسة في الاحتياطي الفيدرالي تحذيراتهم من أن التقدم في مكافحة التضخم قد يتباطأ أو يتوقف، ما يثير الشكوك بشأن فرص خفض آخر للفائدة في ديسمبر، ويكشف عن الانقسام المتزايد داخل البنك المركزي.
ويتفق المسؤولون على أن سوق العمل قد تباطأت، لكنهم منقسمون حول ما إذا كان التباطؤ سيتعمق. وبينما يرى فريق أن ضغوط الأسعار تحت السيطرة، يحذر آخرون من أن أسعار الفائدة الحالية بالكاد تكبح الاقتصاد، وأن أي خفض إضافي قد يعرض التقدم في خفض التضخم للخطر.
وقال موريسون: “هذا دفع الكثيرين لتفضيل عدم إجراء أي تغيير في سعر فائدة الاحتياطي الفيدرالي بعد اجتماع الشهر المقبل، ما يعني إزالة رياح قوية دعمت سوق الأسهم”.
وقدم توماس باركين، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند، نظرة متفائلة بشأن التضخم، لكنه أشار إلى أن سوق العمل قد تكون أضعف مما تظهره البيانات المتاحة. ولم يقدم أي تلميحات حول ما إذا كان سيدعم خفضاً آخر للفائدة عندما يجتمع مسؤولو الفيدرالي في 9 و10 ديسمبر، قائلاً إن هناك الكثير لنعرفه حتى ذلك الوقت.
وعلى صعيد البيانات الاقتصادية، ارتفعت ثقة شركات بناء المنازل الأميركية بالكاد هذا الشهر. وبلغت طلبات إعانة البطالة 232 ألفاً في الأسبوع المنتهي في 18 أكتوبر، وفق موقع وزارة العمل الذي يعرض بيانات تاريخية. وفقدت الشركات 2500 وظيفة أسبوعياً في المتوسط خلال الأسابيع الأربعة المنتهية في 1 نوفمبر، وفق “أيه دي بي ريسيرتش”.
اقرأ أيضاً: ADP: الشركات الأميركية تخفض 2500 وظيفة أسبوعياً في أكتوبر
وساعدت بيانات “أيه دي بي” على سد الفجوة مع بيانات التوظيف الرسمية التي تأخرت بسبب أطول إغلاق حكومي في التاريخ. ورغم استعادة التمويل لوكالات الإحصاء الرسمية، لا يزال من غير الواضح موعد إصدار بيانات أكتوبر الاقتصادية.
وسيركز المتداولون قريباً على تقرير وظائف سبتمبر، المقرر صدوره يوم الخميس بعد تأخير طويل.
وقال ديمّرت من “ماين ستريت ريسيرتش”: “بدأت سوق الأسهم بالتشكيك في قدرة الفيدرالي على خفض الفائدة في ديسمبر، لذا إذا جاء تقرير وظائف الخميس أضعف من المتوقع، فقد يمهّد الطريق لخفض الفائدة في ديسمبر ويغذي الارتفاع الذي نتوقعه، والذي قد يدفع مؤشر إس آند بي 500 إلى 7100 نقطة بنهاية العام”.
وينتظر اقتصاديّو “غولدمان ساكس” الإعلان عن مواعيد جديدة لإصدارات تقارير وظائف أكتوبر ونوفمبر، مع توقع أن يتأخر تقرير وظائف نوفمبر، الذي كان من المقرر صدوره في 5 ديسمبر، لمدة أسبوع على الأقل.
وقال يان هاتسيوس من “غولدمان”: “بينما لا نتوقع أن ينتج مكتب إحصاءات العمل معدل بطالة لشهر أكتوبر، فإننا نقدر أنه كان سيرتفع، ليعكس ضغوطاً صعودية ناتجة عن الإجازات الإجبارية المرتبطة بالإغلاق، وزيادة في مؤشرات أوسع للركود في سوق العمل”.
المصدر : الشرق بلومبرج
