حققت شركة “ميتا بلاتفورمز” انتصاراً مهماً أمام محكمة فيدرالية لمكافحة الاحتكار، بعدما أصدر قاضٍ حكمه بعدم إلزامها بفك استحواذيها على “إنستغرام” و”واتساب”، مؤكداً أن ذلك لا يعد احتكاراً. لكن حيثيات الحكم حملت في طياتها ما قد يزعج الشركة.
اتخذ القاضي جيمس بوسبرغ موقفاً مؤيداً لـ”ميتا” مشيراً إلى أنها يمكنها الاستمرار بشكلها الحالي؛ لأن حصتها السوقية تتراجع بالفعل. وأوضح أن الشركة وإن كانت تتوسع، فإن الخيارات المتاحة أمام المستخدمين لقضاء الوقت على الإنترنت تتسع أيضاً، ما يجعلها تبدو أكثر شبهاً بمنافسيها. وأضاف أن هذا التنافس سيزداد حدة في عصر الذكاء الاصطناعي.
أشار القاضي إلى أن التطورات التكنولوجية، والذكاء الاصطناعي، والتحولات الاجتماعية خلال العقد الأخير، ساهمت في تآكل المزايا التي كانت تتسم بها “ميتا” عن غيرها. وكتب في حكمه: “فيسبوك وإنستغرام وتيك توك ويوتيوب أصبحت تمتلك خصائص رئيسية شبه متطابقة”، لافتاً إلى أن أبرز ميزات “ميتا” باتت “غير مميزة تقريباً عن تلك التي يقدمها تيك توك ويوتيوب”.
بذلك خرجت “ميتا” منتصرة في نزاعها مع لجنة التجارة الفيدرالية، لكنها تواجه واقعاً جديداً أكثر صعوبة من أي وقت مضى.
اقرأ أيضاً: “ميتا” تواجه خطر التفكيك مع بدء محاكمتها بدعوى الاحتكار
حصن دفاعي لـ”ميتا”
طوال سنوات، كانت الشركة قادرة على حماية نفسها من المنافسين عبر استغلال أقوى أصولها: “الشبكة الاجتماعية”، أو شبكة العلاقات الشخصية التي تربط المستخدم بأصدقائه وأقاربه على “فيسبوك” و”إنستغرام”. كان هذا الامتياز بمثابة حصن دفاعي يمنحها ميزة يصعب تكرارها، لأن بناء تجربة مشابهة على منصة أخرى كان يتطلب من المستخدم إعادة إنشاء تلك الشبكة بالكامل.
هذه الديناميكية جعلت تطبيقات “ميتا” تبدو مختلفة عن غيرها، إذ كانت المكان الوحيد الذي يمكن للمستخدم أن يرى فيه تحديثات جميع من يعرفهم في مكان واحد. لكن هذا التفوق بدأ يتراجع مع مرور الوقت، وليس بالضرورة لصالح الشركة. فقد أقرّ بوسبرغ بأن دور “ميتا” كشبكة تجمع الأصدقاء والعائلة لم يعد كما كان.
كتب القاضي في حكمه: “حين انضم المستخدم إلى فيسبوك لأول مرة، كان أصدقاؤه على التطبيق هم أصدقاؤه في الحياة الواقعية. بعد مرور أكثر من عقد، تغيّر أصدقاؤه خارج الإنترنت، لكن قائمة أصدقائه القديمة ما زالت كما هي”، مضيفاً أن “قوائم الأصدقاء لدى المستخدمين القدامى تحولت إلى أرشيف لأشخاص عرفوهم في الماضي، وأصبحت منشوراتهم أقل إثارة للاهتمام”.
أدى التغيير في شبكة “ميتا” إلى دفع الشركة نحو التركيز بشكل أكبر على ما تسميه “المحتوى غير المتصل”، أي المنشورات ومقاطع الفيديو التي لا تصدر عن أشخاص يرتبط بهم المستخدم بعلاقة مباشرة. ويعتمد هذا التوجه على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتقديم محتوى لم يطلبه المستخدم بالضرورة.
طالع أيضاً: “ميتا” بحاجة إلى روح “ويذين” للمنافسة في الواقع الافتراضي
تأثر “ميتا” بالذكاء الاصطناعي
أصبح هذا الأسلوب هو السائد في “فيسبوك” و”إنستغرام”، أكبر تطبيقين تابعين لـ”ميتا”. وكتب القاضي بوسبرغ أن “الأميركيين يقضون الآن 17% فقط من وقتهم على فيسبوك في مشاهدة محتوى من أصدقائهم”، بينما تنخفض النسبة إلى 7% على إنستغرام. وتساءل: “ما الذي حلّ محل محتوى الأصدقاء؟”، ثم أجاب: “في الغالب مقاطع فيديو قصيرة ينشرها غرباء وتوصي بها خوارزميات الذكاء الاصطناعي”.
لكن في سوق الفيديو الاجتماعي، يظل “تيك توك” و”يوتيوب” من اللاعبين المهيمنين أيضاً. فكلاهما طور خوارزميات توصية متقدمة تعرض للمستخدمين ما يهمهم، استناداً إلى مكتبات ضخمة من الفيديوهات التي تُوزع وفقاً لتفضيلاتهم الشخصية. حتى شركات الذكاء الاصطناعي مثل “أوبن إيه آي” (OpenAI) تعمل على إنشاء منصات اجتماعية خاصة بها لعرض المحتوى، ومن المرجح ألا تتأخر شركات أخرى في اللحاق بها.
بمعنى آخر، أصبحت “ميتا” الآن تنافس في مجال يستطيع الآخرون دخوله بسهولة. وأشار القاضي بوسبرغ إلى أنه “بغض النظر عن الشركة التي تنفذ الفكرة بأفضل شكل، فإن منتجاتهم غالباً ما تقدم تجربة متشابهة”.
جزء كبير من هذا التحول كان خياراً متعمداً من “ميتا” نفسها؛ إذ تُعرف الشركة بأنها تميل إلى تقليد ما يلقى رواجاً لدى منافسيها، فتُعدل منتجاتها لتشبههم. فبعض أبرز ميزات “إنستغرام” مثل “القصص” و”ريلز” هي نسخ شبه مطابقة لميزات ظهرت أولاً في تطبيقات مثل “سناب شات” و”تيك توك”. وعلقت المحللة ميندا سمايلي من شركة “إي ماركتر” (EMarketer) قائلة: “فوز ميتا ليس مفاجئاً بالنظر إلى الجهود الكبيرة التي بذلتها في السنوات الأخيرة للحاق بتيك توك”.
تراجع حصة “ميتا” السوقية
لكن نتيجة هذه التغييرات، وفقاً للحكم، كانت تراجع حصة “ميتا” السوقية عند قياسها بالوقت الذي يقضيه المستخدمون على تطبيقاتها. فعندما يمكن للمستخدم أن يحصل على التجربة نفسها في مكان آخر، تقل رغبته في قضاء الوقت على “فيسبوك” أو “إنستغرام”. هذا التراجع فتح الباب أمام منافسين جدد مثل “تيك توك”، الذي لم يصبح لاعباً رئيسياً إلا في عام 2018، لكنه “استحوذ على السوق منذ ذلك الحين”، على حد قول القاضي.
ختم بوسبرغ قائلاً: “ليس من المستغرب إذن أن حصة ميتا السوقية تبدو في انكماش مستمر”.
رغم ذلك، لا تزال “ميتا” تملك نفوذاً كبيراً. بحسب بيانات جمعتها “بلومبرغ”، يُتوقع أن تحقق الشركة هذا العام إيرادات تقترب من 200 مليار دولار، أي نحو أربعة أضعاف مبيعاتها في عام 2018، وهو العام الذي ظهر فيه “تيك توك” في الولايات المتحدة. كما تتجاوز قيمتها السوقية 1.5 تريليون دولار، ما يجعلها ثامن أكبر شركة في العالم من حيث القيمة، في وقت تواصل فيه ضخ استثمارات بمليارات الدولارات في الذكاء الاصطناعي.
غير أن استنتاج بوسبرغ يسلط الضوء على نقطة مهمة: قوة الأرباح لا تعني بالضرورة السيطرة على السوق.
حالياً، تتجه “ميتا” إلى ما هو أبعد من وسائل التواصل الاجتماعي، مركزة جهودها على تطوير النماذج اللغوية الضخمة وروبوتات المحادثة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، في سوق مزدحم يضم منافسين كباراً مثل “أوبن إيه آي” و”أنثروبيك” (Anthropic PBC) و”ألفابت”.
المصدر : الشرق بلومبرج
