بماذا تشبه شركة ألعاب العملاقة “إنفيديا”؟

بماذا تشبه شركة ألعاب العملاقة “إنفيديا”؟

تجولت مع شارون برايس جون في الصالة لتعرّفني على دمى الحيوانات المحشوة من “بلوي” إلى “بومبومبورين”، الذي قالت إنه أحد “أفضل أصدقاء (هالو كيتي)”، وكان هناك خنزير ماء تُسميه ”مستر تشيل” وعلى رأس الطاولة يقف “أوغي بوغي”، الشخصية التي تجمع بين اللطافة والمظهر المفزع من فيلم “كابوس ما قبل عيد الميلاد” (The Nightmare Before Christmas).

ثم خرجنا سويةً إلى استوديو تسجيل يجاور متجر ”بيلدابير“ (Build-A-Bear) بعيداً عن عالم الدمى المحشوة، لكنني وجدت أنها كانت تنتشر في هذه المكان أيضاً، وكان علي أن أتوقع ذلك. لقد كانت الدمى تضع سماعات رأس وتجلس قبالة أجهزة التحكم في أماكن المضيفين والمنتجين الذين يُسجّلون بودكاست وبرامج حقيقية في محطة الشركة من ”آي هارت راديو“ (iHeartRadio).

كان إنشاء محتوى من الملكية الفكرية لشركة ”بيلدابير وركشوب“ (Build-A-Bear Workshop). هو إحدى الطرق التي استخدمتها الرئيسة التنفيذية لتقود شركتها من فترة عصيبة وتحولها إلى واحدة من أفضل الشركات أداءً في سوق الأسهم راهناً.

أسعارها قد تزيد 100%.. ألعاب الأطفال ضحية جديدة لرسوم ترمب

كان سهمها مما يُسمى أسهم السنتات في أبريل 2020، أما الآن فتبلغ قيمته حوالي 50 ضعف أدنى مستوى بلغه خلال الجائحة، وهذا يجعلها على مسار نمو أقرب إلى مسار ”بالاتتير تيكنولوجيز“ (Palantir Technologies) و“إنفيديا“ منه إلى بائع تجزئة تقليدي يسمح للناس، كما يوحي الاسم، بصنع دمى دببة أو ثعالب أو قطط أو أي علامة تجارية مسجلة يختار العميل حشوها.

عندما تولت برايس جون رئاسة الشركة في عام 2013، كانت ”بيلدابير“ بحاجة إلى بعض العمل. فقد خسرت ما يقرب من 48 مليون دولار في العام الذي سبق ذلك، ولم تحقق حوالي 20% من متاجرها أرباحاً.

قصة نجاح في عالم الزغب والدفء الطفولي

أما اليوم، فباتت القصة مختلفة، إذ تقول برايس جون، التي بلغت من العمر 61 عاماً، إن جميع مواقع ورشة “بيلدابير” التي تملكها الشركة تقريباً أصبحت مربحة، ومنها ذلك هذا المنفذ الواقع تحت مقر الشركة الرئيسي في سانت لويس، ويسهل العثور عليه بفضل تمثال ضخم لدمية دب مثبتة قرب مدخله.

وإذا ما جاء دخل الشركة قبل احتساب الضرائب هذا العام عند الحد الأعلى للتوقعات المسجلة، فسيكون ذلك رقماً قياسياً.

بعد الساعة العاشرة صباحاً بقليل، تراقب برايس جون من خلال زجاج الاستوديو طفلين صغيرين يبدآن بصنع ما تسميه “أصدقاءهما الزغبيين”. راقبتهما لبرهة وكأنها تتحقق من مدى سعادتهما.

هكذا بنى شقيقان إمبراطورية ألعاب أطفال باستدانة 12 ألف دولار

قالت إنه في هذا العالم الذي كل شيء فيه يتبع وصفةً وخطوات تتالى ولحظات الطفولة تتبع جدولاً مسبق الإعداد يتأتى شعور بالرضا من أن تضع طفلاً في بيئة تشعره بأنه يمكنه أن يصنع شيئاً بنفسه و”أن المجال مفتوح أمامه وأن ما عليه إلا أن يختار“.

تُدرّب الشركة بناة الدببة -أي الموظفين الذين يساعدون الناس في بناء الدمى- على ثني الآباء بلطف عن محاولة التأثير على خيارات أطفالهم. قالت برايس جون: “إن لم يرغب الأطفال بجعل أميرة الدببة ترتدي فستان أميرة فلا بأس في ذلك”.

برايس جون، المرأة ضئيلة البنية وفضية الشعر تتمتع بدقة ملحوظة. رأت بين رايات مقصوصة على شكل دببة المنتشرة على أحد الجدران لتشير إلى بعض الدول الثلاثين تقريباً التي تملك فيها ”بيلدابير“ متاجر، أن أحدها كان مائلاً بقدر يكاد لا يكون محسوساً، وقالت: ”إن علم إستونيا ليس مرتاحاً هكذا“ وكأنها تُلاحظ العيب في ذهنها لتصححه لاحقاً.

حياة مهنية كاملة بين الألعاب

تتمتع برايس جون بحماسة طفولية تُفسر مسيرتها المهنية التي قضتها بالكامل تقريباً في عالم منتجات الشباب، بما في ذلك عملها منذ عام 2024 كرئيسة لمجلس إدارة جمعية الألعاب، وهي مجموعة تمثل الفاعلين في هذا القطاع.

قالت برايس جون، وهي أم لثلاثة أبناء بالغين: “يمكنكم الحكم عليّ إن شئتم، لكنني قادرة على أن أفكر كطفلة”. (في طفولتها، كان لديها مجموعة من الدمى المحشوة تتناوب على النوم معها حتى لا يشعر بعضها بالغيرة من البعض الآخر؛ وما تزال لديها بعض هذه الدمى).

تشبه مسيرة برايس جون المهنية إلى حد ما خيال طفلة في الروضة عن ما ترغب أن تعيش عندما تصبح كبيرة. بدأت مسيرتها المهنية في مجال الحلويات، حيث أمضت بضع سنوات في وكالات إعلانية تعمل لدى شركتي ”هيرشي“ و“مارس“، التي تصنع شوكولا ”إم آند إمز“، قبل أن تعود إلى الجامعة للحصول على ماجستير إدارة الأعمال من كلية كولومبيا للأعمال في 1994.

بينما كانت تستعد للتخرج، أعدت قائمة بخمس شركات تتعامل مع المستهلكين مباشرةً وتعتبرها مستوفية لمعاييرها لبيئة العمل. من بين المتطلبات: أن يكون العمل ممتعاً. قررت برايس جون أن شركة ”ماتيل“ مؤهلة، فتقدمت بطلب توظيف لديها؛ وعندما لم تتلق رداً، اتصلت بشركة صنع الألعاب العملاقة وسألت عن السبب. اتضح أن طلبها قد أُرسل إلى القسم الخطأ. قالت، وهي تتوقف لتحتسي قهوتها من كوب يحمل اسم ”بيلدابير“: “كم مرة لا تتحقق أحلامك لمجرد أنك كنت في القسم الخطأ ولم تسألي أحداً؟”.

في مقابلتها مع قسم علامة ”باربي“ التابعة لشركة ”ماتيل“، ارتدت برايس جون بدلة تنورة من ”دي إن كيه واي“ (DKNY)، كانت قد اشترتها لترتديها في حفل تخرجها بدلاً من قبعة وعباءة التخرج، فقد كانت تواجه ديوناً طلابيةً قدرها 60 ألف دولار، ولم يكن بمقدورها سوى أن تشتري هذا أو ذاك.

كيف أصبح “ستيتش” الدجاجة التي تبيض ذهباً لـ”ديزني”؟

أحسنت برايس جون الاختيار، وقد عُينت في وحدة الأعمال التي تركز على خط إنتاج أزياء ”باربي“، حيث كانت تنظم عروضاً تقديمية مفصلة لمتجري ”تويز آر أس“ (Toys “R” Us) و“ولمارت“ (Walmart).

ثم جاءت فترة عملها في قسم ترخيص ”ديزني“ التابع لشركة ”ماتيل“، ثم تبع ذلك انتقالها إلى شركة ”هاسبرو“ (Hasbro) المنافسة، حيث أشرفت برايس جون على ”ماي ليتل بوني“ و“ترانسفورمرز“ من بين علامات أخرى. قالت: “كنت محظوظة بإدارة العلامة التجارية عندما أطلقنا فيلم (ترانسفورمرز). لكنني لن أنسب لنفسي الفضل في هذا الوضع الاستثنائي”. واصلت برايس جون هيمنتها على سوق التراخيص من خلال شراكات مع ”مارفل“ و“ستار وورز“.

نقلة نحو القيادة والتغيير

في ذلك الوقت، اتصلت بها شركة ”سترايد رايت“ (المعروفة آنذاك باسم ”كوليكتيف براندز“) لمناقشة قسم أحذية الأطفال التابع لها، الذي كان يمر بوضع مالي حرج. شعرت برايس جون بالتوتر؛ فقد كانت هذه هي المرة الأولى التي تعمل فيها في شركة تمارس البيع بالتجزئة العمودي، حيث تتواجد سلسلة التوريد بأكملها داخل الشركة نفسها، من التصميم إلى التطوير إلى التصنيع إلى المبيعات.

شجعتها صلاحيات الرئيس التنفيذي لإعادة صياغة العمل برؤية جديدة، ففعلت برايس جون ذلك بالضبط؛ وبحلول عام 2012، وهو آخر عام كامل لها كرئيسة لمجموعة ”سترايد رايت“ للأطفال، بلغ نمو مبيعاتها المقارنة 12%.

أثبتت “بيلدابير” أنها تحدٍّ فريد من نوعه. بدأت فترة عملها في خضم انهيار تجارة التجزئة التقليدية في العقد الثاني من هذا القرن، عندما كان ازدحام مراكز التسوق يتراجع مع انتقال المتسوقين إلى التسوق عبر الإنترنت- وهو ما كان يُعتبر لعنة على شركة ”بيلدابير“ التي كانت تجريبية آنذاك.

دمى “سوني إنجلز” و”سميسكي” تجتاح “تيك توك”

تمثلت استراتيجيتها في الحفاظ على الجودة، وزيادة أهمية الشركة التي فقدت مكانتها كعلامة تجارية رائجة في أواخر التسعينيات، وتوسيع السوق المستهدفة- وقد نجحت هذه الاستراتيجية إلى حد ما، فقد ارتفع سعر السهم إلى أكثر من 20 دولاراً في عام 2015 قبل أن يتراجع إلى أدنى مستوى له خلال الجائحة.

لحسن الحظ، بعد الخروج من جائحة كوفيد-19، أصبحت العائلات التي قضت وقتاً طويلاً في المنزل مع الأطفال متلهفة للخروج والقيام بشيء ما، وبدأوا في إنفاق الأموال على تجربة البيع بالتجزئة الشخصية. قالت برايس جون: “في كل موقف كهذا تقريباً، سيكون هناك كثير من الأشياء التي فعلتها وكثير من الأشياء التي حدثت من تلقاء نفسها“.

قالت برايس جون إن دب ”ديدبول“ (Deadpool) “رائع جداً… وألطف شيء يمكن أن تراه على الإطلاق”، لكنها ما تزال تُصر على ضرورة إبقاء الألعاب المُخصصة للبالغين بعيداً عن المتاجر التقليدية، حيث تُفرط في فهرسة منتجاتها مع مُستهلكيها الأساسيين: الأطفال.مع عودة المتسوقين، واصلت برايس جون جهودها لاستهداف فئات العملاء المهملة سابقاً، مثل البالغين، الذين أصبح بإمكانهم اليوم شراء منتجات ”بيلدابيرز“ استناداً إلى مواد أكثر نضجاً مثل أفلام (The Matrix) و(Stranger Things)، وذلك من خلال قسم “كهف الدب” المُخصص لكل فئة عمرية على موقعها الإلكتروني، الذي أطلقته عام 2021. 

قالت: “الأفلام مُصنفة للبالغين فقط، لذا لستُ هنا لأُجبر أحد الوالدين على مُناقشة هذا الأمر بحيث يطرح الأطفال أسئلة مثل: ما هذا؟ ولماذا لا يمكنني مشاهدة هذا الفيلم يا أمي؟… هذا الأسلوب لا يمثلنا“.

كيف تحولت “لابوبو” من دمية مرعبة إلى رمز عالمي للثروة؟

بعد أن شمل برنامج ”بيلدابير“ البالغين، تُخطط برايس جون لاستهداف الجانب الأقصى الآخر وهو الأطفال حديثو الولادة بشكل أفضل. قالت برايس جون: “ليس لدينا في الواقع عمل منظم من الصفر إلى واحد”، مع أنها تعتقد أن هؤلاء الأطفال (أو على الأقل من يشترون لهم الهدايا) يحتاجون فقط إلى التسويق المناسب.

تضيف برايس جون أن المستهلكين “يعتقدون بالفعل أننا شركة هدايا، وأننا جزء من حفلات استقبال المواليد. إنهم يكشفون عن جنس المولود باستخدام دمى الدببة لدينا”.

مثل أي شركة مستوردة، تتأثر ورشة عمل ”بيلدابير“ بالرسوم الجمركية. ورغم أنها سحبت مخزونها تحسباً لتأثيرها، إلا أن الشركة أفادت في مكالمة أرباح الربع الثاني بانخفاض يُقدّر بنحو 11 مليون دولار في دخل عام 2025. مع ذلك، فقد تمكنت من زيادة توقعاتها للعام بأكمله بفضل أداء النصف الأول القوي. قالت برايس جون: “كل ما عليك فعله هو أن تكون أميل للصواب من الخطأ. ونحن أميل للصواب من الخطأ بقدر كبير”.

المصدر : الشرق بلومبرج