انعكست فكرة الثيمة الرئيسية لشعار مهرجان الفنون الإسلامية «سراج» في الدورة الـ 26، في معظم أعمال الفنانين المشاركين من إماراتيين وعرب ومن دول العالم المختلفة، ولعل الناظم المشترك في هذه الأعمال، قدرتها على خلق حوار بين الماضي والحاضر، الماضي أو التراثي، يتجسد في بعده الروحي والمقدس، الذي شكل مصدر إلهام لكثير من الفنانين من خلال استخدامهم لمواد وأساليب وتقنيات فنية معاصرة، قدمت بشكل مبتكر، وركزت على كثير من عناصر الفن الإسلامي من زخارف وتشكيلات هندسية وتركيبية ولونية، اتسمت بالرصانة والتجديد.
«مكان عرف في الماضي» هو عنوان العمل الفني للأمريكي جيسون سيفي، الذي ينهل من الرمزية العميقة للسراج، في عمل تركيبي يتخذ من السجاد الفارسي موضوعاً لعمله، وجيسون في هذا العمل، يحاكي فكرة تحول السراج من العتمة إلى النور، ويحاول توظيفها من خلال تلك الزخارف المتلألئة المنسوجة من اللغة البصرية الغنية للسجاد الإيراني، هذه اللغة، التي تتمثل في استخدام أنماط هندسية وزهرية معقدة، وفيها رموز ذات معنى عميق ترمز للحياة الأبدية، كما أن استخدام جيسون للألوان الزاهية في عمله التركيبي، يتيح له أن يمعن في العلاقة المتشابكة بين التقليد والتحول، التحول هنا، يلخص الفكرة الأساسية لعمله، فكما يبدد السراج العتمة بنوره، تتلألأ زخارف الفنان المتقنة بلغتها البصرية داخل فضاء حالم، يمتد ليشمل الجدران وأرضيات الغرفة من خلال نمط ثلاثي الأبعاد يتميز بالمرونة والسحر.
*مفهوم
إذا كانت فكرة النسيج الفارسي، ذات مفهوم تاريخي وفني يرتكز على الحرفية اليدوية المتقنة، واستخدام مواد مثل الصوف والحرير، وتصاميم وزخارف معقدة ومميزة، فإن جيسون في عمله هذا لا يتوقف عند حدود الحرفة التقليدية، بل يحولها إلى مفهوم جديد تشع من خلاله تلك الزخارف الملونة فتضيء المكان الذي تحتله، وكأنها تبعث من جديد في حلة تضيء بالألوان، حيث يصبح اللون ذاكرة تقود المشاهد في رحلة عابرة للزمن والمكان، هي بكل تأكيد رحلة بصرية تأملية، حيث لا يكون الماضي جامداً، بل تعاد صياغته بنبض حي، يومض في المسافة الفاصلة بين ما كان وما لا يزال قيد التشكل.
في هذا العمل، يستعيد جيسون ذكريات طفولته، مع تلك الزخارف والأنماط المتشابكة للسجاد الفارسي، فهو من أصول سورية وكوبية، وقد اعتاد أن يرسم تصاميمه بحساسية فنية عالية وبدقة لا تعرف التسرع، وهو يمنح أعماله بعداً فنياً حداثياً، مع حفاظه على القيمة التاريخية للعمل، وهي قيمة جوهرية تضيء على قدرة النساجين التقليديين على بث المعاني الخفية في النسيج في فضائها الثقافي والجغرافي القديم، لكن الفنان هنا، يحول تلك المعاني إلى قوة أخرى فيها قدر كبير من الإبداع والابتكار، التي تعكس حالته النفسية وتحاكي نبض مزاجه في تلك اللحظة الكثيفة والمعقدة التي اختصرها في عمله الفني الآسر.
*ملاذ
في عملها الفني «ملاذ» تسعى الكندية «إليزا أو» لابتكار قطع زخرفية شبكية تحاكي الزخارف المعمارية في الفضاءات المقدسة، بهدف استكشاف سبل تفاعل الزخرفة المعمارية في الماضي والحاضر، تنشغل الفنانة بمحاكاة شعار المهرجان من خلال تحليلها لمفهوم الفضاء المقدس وتجربة العزلة وحاجة الإنسان إلى الراحة والسكينة، ورغبته للبحث عن المعنى وفهم المجهول.
الفضاء المقدس بالنسبة للفنانة الكندية، يعتبر مساحة لها أهمية خاصة، بينما العزلة هي حالة من الانفصال عن الآخرين، وقد تكون اختيارية أو نتيجة ظروف معينة، وهي في هذا العمل تشتغل على تداخل المفهومين (فضاء المقدس وفضاء العزلة)، لأن الفضاء المقدس يمكن أن يكون مكاناً للعزلة الروحية والتركيز، كما أن العزلة الواعية تخلق فضاء داخلياً للمرء للتأمل بعيداً عن العالم الخارجي.
وإليزا أو، في هذا العمل، تعيد تأويل النمط التاريخي ضمن سياق معاصر مستخدمة صناعة القوالب وتقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد، وهذا التصميم الفني وثيق الصلة بالزخرفة التاريخية، لا سيما نمط الأرابيسك، وتستلهم من هذا النمط قدرته على الربط بين الأنماط الإسلامية التقليدية وبين هيكل الإطار السلكي المعاصر المعتمد في برمجيات التصميم بالحاسوب.
تعتمد الفنانة هيكل الإطار السلكي المعاصر بوصفه المخطط الهيكلي الأساسي لموقع ويب، الذي يركز على التخطيط والوظيفة والتسلسل الهرمي للمحتوى وليس على الجوانب الجمالية، وهو يستخدم في المراحل الأولى من التصميم، قبل الوصول إلى مرحلة التصميم البصري الكامل.
هذا التصميم الذي تقول عنه الفنانة إليزا أو: «يوقد هذا العمل في داخلي حماسة لا تنطفئ، إذ أجد تواشجاً بين الأناقة والجمال، وبين التوازن المتين في العلاقات الرياضية، ولأن مشروعي قائم على مبادئ الهندسة، أجد في الممارسة الرقمية فضاء رحباً يسمح بولادة عدد لا يحصى من الأشكال المتنوعة».
وإليزا هي فنانة خزف تستكشف الإمكانات التعبيرية للطين عبر تقنيات التصنيع الرقمي،، نالت درجة الماجستير في الفنون الجميلة من كلية ولاية نيويورك للخزف في جامعة ألفريد، عرضت أعمالها في معارض مرموقة على الصعيدين الوطني والدولي.
*استلهام
يؤمن الفنان الإسباني خوسيه كارلوس جارسيا، وهو يقارب عملاً فنياً مستوحى من آية النور باستلهام شعار المهرجان «سراج»، بأنه من هذه البقعة النورانية، كما يشع الضياء من قلب المصباح، يتدفق الإلهام الذي يحيي كل عمل فني معروض، كل ضربة فرشاة، كل خط وشكل ولون وظل، إنما يسعى ليكون انعكاساً متواضعاً، صدى خافتاً لذلك النور الأزلي الذي يهدي الأرواح ويغنيها.
آية النور شكلت لخوسيه دليلاً ومنارة لعمله الذي يعكس جوهر الكلمات التي يكشف فيها الله سبحانه وتعالى بأنه نور السماوات والأرض، ونور القلوب المؤمنة، حيث قام بتشييد هيكل على هيئة مصباح في استعارة بصرية مكونة من ثمانية أضلاع، فصممها لتعاش من الداخل، حيث تتقارب هذه الجوانب الثمانية نحو نقطة مركزية في قلب المصباح، ومن هذه النقطة يفيض النور، فتنبثق منها مساحة يتجلى فيها الحضور.
وخوسيه هو فنان من قرطبة يعبر عن ذاته من خلال تقنية فنية تدعى «غواداميتشي» وهي حرفة دقيقة تقوم على تذهيب جلود الأغنام وترقيقها، ثم تلوينها بألوان متعددة، ولقيت هذه التقنية رواجاً كبيراً وتقديراً بالغاً في الأندلس منذ القرن العاشر الميلادي، ولا تزال حاضرة إلى الآن.
المصدر : صحيفة الخليج
