تنظيم أحكام النفقة يلبي احتياجات العصر ومتطلبات العدالة الاجتماعية

تنظيم أحكام النفقة يلبي احتياجات العصر ومتطلبات العدالة الاجتماعية

أكد محامون أن التعديلات الجديدة التي أدخلها المرسوم بقانون اتحادي رقم (41) لسنة 2024 بشأن الأحوال الشخصية أحدثت نقلة نوعية في تنظيم أحكام النفقة، بعدما حل محل القانون الاتحادي رقم (28) لسنة 2005.

وأجمعوا على أن هذه التعديلات جاءت لتلبية احتياجات العصر ومتطلبات العدالة الاجتماعية، حيث وضعت معايير أوضح لتقدير النفقة، وأدخلت آليات عملية أسرع للتنفيذ، مع تعزيز دور القضاء في حماية الأسرة وضمان حقوق الزوجة والأبناء، واعتبروا أن المشرع الإماراتي وازن بين القيم الأسرية والمبادئ الشرعية من جهة، وتوفير إطار قانوني أكثر مرونة وشمولية من جهة أخرى.

ضروريات الحياة

يؤكد المحامي الدكتور راشد الكيتوب أن قانون الأحوال الشخصية الجديد يمثل خطوة بارزة في مسار التطوير التشريعي للدولة، إذ أفرد فصلاً خاصاً لأحكام النفقة وعدل بعض قواعدها وأقر أخرى استقر عليها القضاء في السابق، ليضعها في نصوص واضحة تسهل التطبيق وتضمن حماية حقوق الأسرة.

ويشير إلى أن النفقة واجبة للزوجة والأقارب، وتشمل ضروريات الحياة الأساسية من غذاء وكسوة ومسكن وعلاج وتعليم، وفقاً للعرف، أما بشأن عناصر تقدير النفقة، فقد أبقى القانون الجديد القاعدة كما هي، بحيث يراعى في تقديرها سعة المنفق وحال المنفق عليه، بشرط ألا تقل عن حد الكفاية الذي يؤمّن احتياجاته بحسب الوضع الاقتصادي زماناً ومكاناً، مسترشداً بقوله تعالى: «لينفق ذو سعة من سعته».

ويضيف أن من أبرز التعديلات الجوهرية ما يتعلق بتقادم دعاوى النفقة، إذ نص القانون الجديد على عدم سماع الدعوى عن مدة تزيد على سنتين سابقة لتاريخ إقامتها، بعدما كانت المدة ثلاث سنوات في القانون القديم، كما منح الزوجة والأبناء الحق في طلب نفقة مؤقتة أثناء نظر الدعوى، على أن تصدر المحكمة قراراً بها مشمولاً بالنفاذ المعجل بقوة القانون، بما يضمن توفير الحد الأدنى من المعيشة خلال فترة النزاع.

وفيما يخص امتياز النفقة، يوضح الكيتوب أن القانون الجديد فرق بين النفقة المستمرة المستحقة للزوجة والأولاد والوالدين من تاريخ إقامة الدعوى، فجعلها ديناً ممتازاً مقدماً على سائر الديون، وبين النفقة المحكوم بها عن مدة سابقة لرفع الدعوى، والتي تعامل كدين عادي، بينما كان القانون القديم يمنح النفقة حق امتياز مطلقاً على جميع الديون دون تمييز.

ويبين الكيتوب أن قاعدة زيادة النفقة أو تخفيضها لم تتغير، إذ لا تُسمع الدعوى قبل مضي سنة على فرض النفقة، إلا في الحالات الاستثنائية التي تبرر ذلك مثل تغير دخل الزوج أو زيادة حاجات الأبناء. أما فيما يتعلق بسريان الأحكام الجديدة، فقد جاء القانون أكثر تفصيلاً: ففي حال زيادة النفقة، لا يسري الحكم بأثر رجعي لأكثر من ستة أشهر، بينما في حال الإنقاص، يسري من تاريخ صدور الحكم ما لم يحدد القاضي تاريخاً آخر.

ويشدد على أن هذه التعديلات جاءت استجابة لمطالبات متكررة من القضاء، بعدما واجهت المحاكم عقبات عملية في تنفيذ الأحكام السابقة، مؤكداً أن القانون الجديد يشكل نقلة نوعية تسهل على الأسرة المطالبة بحقوقها، وتوفر للجهات القضائية آليات أكثر وضوحاً ودقة في التطبيق.

حق واجب

من جانبها توضح المحامية نادية عبدالرزاق أن التعديل جاء ليحدث تغييرات جوهرية في أحكام النفقة مقارنة بالقانون السابق، حيث رسخ مبادئ أكثر عدالة وواقعية تلبي احتياجات الأسرة وتوفر حماية قانونية أكبر لمستحقي النفقة.

وتشير إلى أن القانون نص بوضوح على أن النفقة حق واجب وتشمل الضروريات الأساسية من غذاء وكسوة ومسكن وعلاج وتعليم، مع مراعاة سعة المنفق وحال المنفق عليه والوضع الاقتصادي زماناً ومكاناً.

وأضافت أن نفقة الزوجة لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء، شريطة تمكينها زوجها من نفسها، حقيقة أو حكماً، لكنها لفتت إلى أن الدعوى لا تُسمع عن مدة سابقة تزيد على سنتين من تاريخ رفعها، وهو تعديل جوهري يضع حداً لتراكم النزاعات.

وتوضح عبدالرزاق أن القانون الجديد تناول أيضاً مسقطات النفقة، حيث نص على سقوطها إذا منعت الزوجة نفسها من زوجها، أو امتنعت عن الانتقال إلى بيت الزوجية أو المبيت فيه أو السفر معه دون عذر مشروع، كما شدد المشرع على أن امتناع الزوج عن الإنفاق يعد سبباً مباشراً للتطليق، حيث يمهل القاضي الزوج 30 يوماً للوفاء، فإن امتنع طلق عليه، وفي حال ثبوت إعساره يمهل مدة لا تتجاوز 90 يوماً، وإذا تكرر رفع الدعوى لأكثر من مرتين وثبت الامتناع، جاز للقاضي أن يطلق الزوجة طلاقاً بائناً.

أما فيما يتعلق بنفقة الأولاد، فقد نص القانون على أن نفقة الصغير الذي لا مال له تقع على عاتق الأب حتى تتزوج الفتاة أو تعمل، وحتى يصبح الفتى قادراً على الكسب ما لم يكن طالب علم يواصل دراسته بنجاح، كما تعود نفقة الأنثى إلى والدها إذا طلقت أو ترملت، ما لم يكن لها مال أو من تجب عليه نفقتها.

وفيما يخص تعديل النفقة، أكدت أن القانون منح مرونة أكبر، إذ يمكن زيادتها أو إنقاصها تبعاً للظروف، كما أعطى القانون صفة الامتياز للنفقة المستمرة للزوجة والأولاد من تاريخ إقامة الدعوى، لتقدم على سائر الديون الأخرى، وهو ما يعزز من سرعة وصول الدعم المالي للأسرة.

وتشير عبدالرزاق إلى أن أبرز المستجدات تتمثل في النص العقابي الذي استحدثه القانون، حيث يعاقب بالحبس أو الغرامة (بين 5000 و10000 درهم) كل من امتنع عن الإنفاق على والديه أو أحدهما متى كانت نفقتهما واجبة عليه بحكم قضائي.

وتؤكد عبدالرزاق أن هذه التعديلات حققت توازناً دقيقاً بين مصلحة الأسرة وحماية حقوق الأفراد، حيث حددت النفقة وفق دخل المنفق والحاجات الفعلية للمستفيدين، ووفرت آليات عملية أسرع وأكثر فاعلية لضمان استمرار الإنفاق، الأمر الذي يعزز الحماية الاجتماعية ويصون كرامة المرأة والأبناء في إطار قانوني متطور.

قفزة نوعية

ويؤكد المستشار القانوني معتز فانوس أن صدور قانون الأحوال الشخصية الجديد بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم (41) لسنة 2024، الذي حل محل القانون السابق رقم (28) لسنة 2005، شكل قفزة نوعية في مجال التشريعات الأسرية في دولة الإمارات.

ويرى فانوس أن القانون جاء أكثر شمولية ودقة في صياغة الأحكام، وأضاف معايير واضحة استجابت لاحتياجات العصر الحديث ومتطلبات العدالة الاجتماعية، مع السعي لتحقيق توازن بين القيم الأسرية والمبادئ الشرعية من جهة، وبين توفير إطار قانوني منظم ومرن من جهة أخرى.

ويشير إلى أن أبرز ملامح التعديل تمثلت في إدخال جدول قانوني للنفقات، يحدد الحد الأدنى لها وفقاً لعوامل مثل دخل الزوج الشهري وعدد أفراد الأسرة وتكاليف المعيشة (السكن، التعليم، الصحة)، وهو ما قلل من الاعتماد الكلي على تقدير القاضي وعزز الشفافية، كما ألزم القانون الزوج بتوفير مستوى معيشة مماثل لما كانت عليه الأسرة قبل النزاع، مع إمكانية تعديل النفقة إذا تبدلت الظروف المالية للزوج أو احتياجات الزوجة والأبناء.

ويضيف فانوس أن القانون الجديد تعامل بمرونة مع مسألة الطاعة، فبينما كانت الزوجة تسقط نفقتها في السابق بمجرد امتناعها عن الطاعة أو مغادرتها منزل الزوجية، بات القانون أكثر تسامحاً في حالات وجود ضرر أو إهانة أو خوف على الكرامة والنفس، كذلك استحدث المشرع آلية النفقة المؤقتة التي تقررها المحكمة أثناء فترة النزاع حتى صدور الحكم النهائي، وهو ما يضمن حماية الأسرة في الفترات الحرجة.

وفيما يتعلق بالأبناء نص القانون على أن النفقة تشمل الغذاء والملبس والتعليم والرعاية الصحية وحتى الأنشطة الترفيهية، إذا كانت متناسبة مع وضع الأسرة، وهو ما يجعلها أكثر شمولية مقارنة بالقانون السابق. كما حمّل القانون الأم، في حال كانت قادرة مالياً، جزءاً من المسؤولية في المساهمة بنفقات الأبناء إذا ثبتت صعوبة الوضع المالي للأب.

ومن التطويرات الجوهرية التي يراها فانوس جديرة بالاهتمام، إدخال آليات جديدة لتحديد النفقة مثل التقارير المالية وكشوف الحسابات البنكية وإثبات ملكية الأصول والممتلكات، فضلاً عن إلزام المحاكم بإصدار حكم أولي سريع لتأمين احتياجات الأسرة. كما استحدث المشرع تطبيقاً إلكترونياً لتقديم طلبات النفقة، بما يسرع الإجراءات ويوفر الوقت والجهد ويضمن حماية الأسرة.

المصدر : البيان