هل عاشت “جوجل” لحظة اغترار الأرنب في سباقه مع السلحفاة؟

هل عاشت “جوجل” لحظة اغترار الأرنب في سباقه مع السلحفاة؟

منذ إطلاق ”تشات جي بي تي“ (ChatGPT) قبل ثلاث سنوات، أعلن محللون وتقنيون ومنهم أحد مهندسي “جوجل” والرئيس التنفيذي السابق للشركة، تأخرها في السباق المحموم لتطوير الذكاء الاصطناعي. لكن الحال لم يعد كذلك.

لقد أصدرت عملاقة الإنترنت برنامج ذكاء اصطناعي جديداً وأبرمت صفقات، مثل اتفاقية شراكة في مجال الرقائق مع “أنثروبيك آر بي سي” (Anthropic PBC)، ما طمأن المُستثمرين بأن الشركة لن تخسر بسهولة أمام “أوبن إيه آي” (OpenAI)، مُطوّرة “تشات جي بي تي”، والمنافسين الآخرين.

لقد حظي أحدث طراز متعدد الأغراض من “جوجل”، “جيميناي 3” (Gemini 3)، بإشادة فورية لقُدراته في التفكير والبرمجة، بالإضافة إلى مهامه المتخصصة التي أعاقت روبوتات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: ما الذي يجعل رئيس “جوجل” التنفيذي قائداً لزمن حرب الذكاء الاصطناعي؟

يشهد قطاع “جوجل” السحابي، الذي كان في السابق متأخراً، نمواً مطرداً، ويعود الفضل في ذلك جزئياً إلى الاندفاع العالمي لتطوير خدمات الذكاء الاصطناعي والطلب على الحوسبة.

هناك مؤشرات على تزايد الطلب على رقائق الذكاء الاصطناعي المتخصصة من “جوجل”، التي تُعدّ من البدائل القليلة المجدية لمعدات شركة “إنفيديا” المهيمنة. وقد أدى تقرير صدر الإثنين يفيد بأن شركة “ميتا بلاتفورمز” تتفاوض على استخدام رقائق “جوجل” إلى ارتفاع أسهم مالكتها “ألفابت”.

لقد ارتفعت قيمة “ألفابت” السوقية بما يقرب من تريليون دولار منذ منتصف أكتوبر، مدعومةً باستحواذ وارن بافيت على حصة بقيمة 4.9 مليار دولار خلال الربع الثالث، وحماس وول ستريت الأوسع لجهودها في مجال الذكاء الاصطناعي. ارتفع سهم “ألفابت” بنسبة تصل إلى 3.22% في نيويورك يوم الثلاثاء. وتتجه الشركة نحو تحقيق قيمة سوقية تبلغ 4 تريليونات دولار لأول مرة.

انخفض سهم مجموعة “سوفت بنك”، أحد أكبر داعمي “أوبن إيه آي”، إلى أدنى مستوى له في شهرين يوم الثلاثاء بسبب مخاوف من منافسة “جيميناي” من “جوجل”. وانخفضت أسهم “إنفيديا” بما يصل إلى 5.51% يوم الثلاثاء، مما أدى إلى خسارة 243 مليار دولار من قيمتها السوقية.

كبوة بعد اغترار بقوة ما تزال رصيداً

قال نيل شاه، المحلل والمؤسس المشارك في شركة “كاونتربوينت ريسيرتش”: “لطالما كانت (جوجل) حصاناً ليس مفضلاً في سباق الذكاء الاصطناعي… إنها عملاق نائم، لكنها الآن في كامل صحوتها”.

لسنوات، جادل مسؤولو “جوجل” التنفيذيون بأن الأبحاث العميقة والمكلفة ستساعد الشركة على صد منافساتها، والدفاع عن مكانتها كمحرك البحث الرائد، وابتكار منصات الحوسبة المستقبلية.

ثم ظهر “تشات جي بي تي”، ليُمثّل أول تهديد حقيقي لبحث “جوجل” منذ سنوات، على الرغم من أن “جوجل” كانت رائدة في التقنية التي تدعم روبوت الدردشة الخاص بشركة ”أوبن إيه آي“. مع ذلك، تملك “جوجل” موارد وفيرة لا تمتلكها “أوبن إيه آي”: مجموعة من البيانات الجاهزة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وتحسينها؛ وأرباح متدفقة؛ وبنيتها التحتية الحاسوبية الخاصة.

طالع أيضاً: “أبل” تخطط لاستخدام “جيميناي” من “جوجل” لتحسين قدرات “Siri”

قال سوندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركتي “جوجل” و”ألفابت”، للمستثمرين في الربع الماضي: “لقد اتبعنا نهجاً متكاملاً وعميقاً في الذكاء الاصطناعي. وهذا يُؤتي ثماره فعلاً“.

لقد بدأت المخاوف من أن تُعيق الجهات التنظيمية “جوجل” تتلاشى. فقد تجنبت الشركة حديثاً أسوأ نتيجة في قضية احتكار أميركية -وهي تفكيك أعمالها- ويعود ذلك جزئياً إلى التهديد المُتصوَّر من الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي.

نجاحات جوجل في محاور متعددة

كما أحرزت عملاقة البحث بعض التقدم في جهودها طويلة الأمد لتنويع أعمالها خارج نطاق أعماله الأساسية. إن ”وايمو“، وحدة السيارات ذاتية القيادة التابعة لشركة “ألفابت”، ستصل إلى عدة مدن جديدة، وأضافت حديثاً خدمة القيادة على الطرق السريعة إلى خدمة سيارات الأجرة لديها، وهو إنجاز تحقق بفضل أبحاث الشركة واستثماراتها الضخمة.

ينبع جزء من تميز “جوجل” من اقتصادها. فهي واحدة من الشركات القليلة التي تنتج ما يُطلق عليه في هذا المجال “الحزمة الكاملة” في الحوسبة.

اقرأ أيضاً: المستقبل يميل إلى “وايمو” وليس نحو “أوبر”

تُصنِّع “جوجل” تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يستخدمها الناس، مثل مُولِّد الصور الشهير “نانو بانانا”، بالإضافة إلى نماذج البرامج، وبنية الحوسبة السحابية، والرقاقات التي تشغِّلها.

كما تملك الشركة منجماً ذهبياً للبيانات لبناء نماذج الذكاء الاصطناعي إذ تتنوع بين فهرس البحث وهواتف “أندرويد” و”يوتيوب”- وهي بيانات غالباً ما تحتفظ بها “جوجل” لنفسها.

هذا يعني، نظرياً، أن “جوجل” تتمتع بقدر أكبر من التحكم في التوجيه التقني لمنتجات الذكاء الاصطناعي، ولا يتعين عليها بالضرورة دفع مستحقات الموردين، على عكس “أوبن إيه آي”.

لقد خططت شركات تقنية عدة، منها “مايكروسوفت” و”أوبن إيه آي”، لتطوير أشباه الموصلات الخاصة بها أو بناء علاقات تجعلها أقل اعتماداً على منتجات “إنفيديا” الأكثر مبيعاً.

تحول عن استخدام الرقائق الحصري

لسنوات، كانت “جوجل” فعلياً العميل الوحيد لمعالجاتها المحلية، التي تُسمى وحدات “تينسر بروسيسيغ يونتس” أو (TPU)، التي صممتها الشركة قبل أكثر من عقد لإدارة مهام الذكاء الاصطناعي المعقدة. هذا الوضع يتغير. فقد أعلنت شركة “أنثروبيك” الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي في أكتوبر أنها ستستخدم ما يصل إلى مليون وحدة (TPU) من “جوجل” في صفقة تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات.

ويوم الإثنين، نقل موقع “ذا إنفورمشن” (The Information) التقنية أن شركة “ميتا” تُخطط لاستخدام رقائق “جوجل” في مراكز بياناتها في عام 2027. ورفضت “جوجل” التطرق إلى الخطط المحددة، لكنها قالت إن أعمالها السحابية “تسرّع الطلب” على كل من وحدات (TPU) المخصصة ووحدات معالجة الرسومات من “إنفيديا”.

كتب متحدث باسم الشركة في بيان: “نحن ملتزمون بدعم كليهما، كما فعلنا لسنوات”. ورفضت “ميتا” التعليق على التقرير مساء الإثنين.

تقرير

رأى المحللون الخبر كمُؤشر على النجاح. كتب بن. بارينغر، رئيس أبحاث التقنية في شركة “كويلتر شيفيوت” (Quilter Cheviot)، في رسالة بريد إلكتروني: “فشلت عدة شركات أخرى في مساعيها لتطوير رقائق مخصصة، لكن من الواضح أن (جوجل) قادرة على إضافة مهارة جديدة إلى رصيدها هنا”.

لقد خاطرت “جوجل” للوصول إلى هذا الهدف. ففي أوائل عام 2023، وحّدت “جوجل” جهودها في مجال الذكاء الاصطناعي تحت قيادة ديميس هاسابيس، رئيس مختبر الذكاء الاصطناعي التابع لها في لندن “ديب مايند”. واجهت هذه التغييرات بعض الصعوبات، أبرزها طرحٌ فاشل لمنتج لتوليد الصور.

توجيه الوحدة الرائدة إلى حلبة الذكاء الاصطناعي

لسنوات عديدة، سعت “ديب مايند” إلى إجراء أبحاث في مجالات مثل طي البروتينات، مما أدى إلى استراتيجيات تجارية جديدة (وجائزة نوبل)، لكنها لم تُسهم إلا قليلاً في صافي أرباح “جوجل”. وفي ظل إعادة الهيكلة، تُركز وحدة الذكاء الاصطناعي بشكل شبه كامل على النماذج الأساسية التي تُواكب “أوبن إيه آي” و”مايكروسوفت” وغيرها.

ساعد هاسابيس، عالم الحاسوب الشهير، في الاحتفاظ بمهندسي الذكاء الاصطناعي الرئيسيين على الرغم من عروض بملايين الدولارات من المنافسات. وكان رئيسه، بيتشاي، على استعداد للإنفاق بسخاء على المواهب.

اقرأ أيضاً: جوجل تتحدى مايكروسوفت و”OpenAI” في سباق الذكاء الاصطناعي للمؤسسات

تصدّر برنامج “جيميناي 3 برو” قوائم برامج الذكاء الاصطناعي التي تحظى بمتابعة وثيقة على منصتي “إل إم إيرينا” (LMArena) و”هيومانيتيز لاست إكزام” (Humanity‘s Last Exam).

قال أندريه كارباثي، أحد الأعضاء المؤسسين لشركة “أوبن إيه آي”، إنه “بكل وضوح نمودج لغة ضخم من الدرجة الأولى”.

وقد روّجت “جوجل” للنموذج على أنه قادر على حل مسائل العلوم والرياضيات المعقدة، ومعالجة المشكلات المزعجة -مثل إنشاء صور ونصوص متراكبة بأخطاء إملائية- التي قد تمنع عملاء الشركات من تبني خدمات الذكاء الاصطناعي على نطاق أوسع.

كيف نقيس النجاح في الذكاء الاصطناعي؟

يصعب قياس اهتمام المستهلكين. فقد أعلنت “جوجل” الأسبوع الماضي أن 650 مليون شخص يستخدمون تطبيقها “جيميناي”. وذكرت “أوبن إيه آي” حديثاً أن “تشات جي بي تي” وصل إلى 800 مليون مستخدم أسبوعياً. واعتباراً من أكتوبر، بلغ عدد عمليات التنزيل الشهرية لتطبيق “جيميناي”  73 مليون عملية، وهو أقل بكثير من 93 مليون عملية تنزيل شهرية لتطبيق “تشات جي بي تي”، وفقاً لشركة الأبحاث “سينسر تاور” (Sensor Tower).

تُعتبر “جوجل” عملاقة إعلانية، لكنها واجهت صعوبات تاريخية في إيجاد نماذج تجارية أخرى. وقد سجلت أعمالها السحابية إيرادات في الربع الثالث بلغت 15.2 مليار دولار، بزيادة قدرها 34% عن العام السابق. ومع ذلك، ما تزال هذه الشركة في المركز الثالث خلف “مايكروسوفت” و”أمازون كلاود سيرفيسز”، اللتين حققتا أكثر من ضعف مبيعات “جوجل” السحابية في الربع الأخير. بيّن شاه من شركة “كاونتربوينت ريسيرش” بأن تبني “جوجل” للذكاء الاصطناعي لدى الشركات متأخر عن “مايكروسوفت” و”أنثروبيك”.

في الوقت نفسه، تستهدف “أوبن إيه آي” تحقيق الأرباح من خلال بيع نسخة مميزة من “تشات جي بي تي” والبرامج ذات الصلة للشركات. كما أنها تعقد صفقات مع شركات تصنيع الرقائق، من “برودكوم” (Broadcom) إلى “أدفانسد مايكرو ديفايسز” (Advanced Micro Devices) و”إنفيديا”، لدعم طموحاتها في مجال الذكاء الاصطناعي.

أوضحت مريم أريك، الرئيسة التنفيذية لشركة “دبل ورد” (Doubleword) الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، أن وحدات معالجة الرسوميات من “جوجل” جذابة في الغالب لعدد قليل من الشركات ذات فواتير الحوسبة الكبيرة، مثل “ميتا” و”أنثروبيك”.

وقال بارينغر إن صناعة الرقائق “ليست لعبة محصلتها صفر، فائز واحد فقط”.

من جانب، لا يُمكن لمطوري الذكاء الاصطناعي الوصول إلى شرائح “جوجل” إلا من خلال خدمة السحابة الخاصة بالشركة. ويمكنهم استخدام وحدات معالجة الرسومات من “إنفيديا” بمرونة أكبر. قال أريك: “بمجرد استخدام وحدات المعالجة المركزية، تُصبح مرتبطاً بمنظومة (جوجل) السحابية”.

ربما كان الارتباط بمورد واحد أمراً تتجنبه الشركات. لكن هذا لم يعد الحال فيما يخص “جوجل”، بفضل تقدمها في مجال الذكاء الاصطناعي.

قال توماس هوسون، المحلل لدى “فورستر”: “قول إن (جوجل) عادت إلى الساحة مع (جيميناي 3) فيه إنصاف. في الواقع، وبإعادة صياغة مقولة منسوبة إلى الروائي مارك توين، فإن تقارير موت (جوجل) مبالغ فيها على نطاق واسع، إن لم نقل إنها غير واقعية”.

المصدر : الشرق بلومبرج