كيف جمّد عطل تبريد تعاملات تريليونية في بورصة شيكاغو؟

كيف جمّد عطل تبريد تعاملات تريليونية في بورصة شيكاغو؟

تسببت مشكلة تبريد في مركز بيانات بتعطيل تداول العقود المستقبلية والخيارات في بورصة “شيكاغو ميركنتايل إكستشينج” (Chicago Mercantile Exchange)، فكان ذلك بمثابة تسليط أضواء على مراكز البيانات، تلك البنية التحتية الخفية التي تزداد أهميةً يوماً بعد يوم.

إن هذه المرافق أساسيةً في كل شيء، بدءاً من تداول السلع ووصولاً إلى تحميل الصور من هاتفك الذكي إلى السحابة.

كما أنها تُمثل جوهر مئات المليارات من الدولارات التي تُضخ في مجال الذكاء الاصطناعي، والذي ساهم الحماس له في تحويل شركة “إنفيديا” (Nvidia) إلى الشركة المدرجة الأكبر قيمةً في العالم.

مركز بيانات واحد أربك أسواق العالم.. تعرف على منشأة “أورورا” التي عطلت تداولات بورصة شيكاغو

لكن تخزين ومعالجة كميات هائلة من البيانات يُولّد كميات هائلة من الحرارة. يمكن أن يمثل الحفاظ على برودة مراكز البيانات بما يكفي لتجنب الأعطال، ما يصل إلى 15% من النفقات الرأسمالية لهذه المشاريع.

وكما أظهر الانقطاع الذي استمر لساعات في مجموعة “شيكاغو ميركنتايل إكستشينج”، أكبر مُشغّلة لبورصات العقود المستقبلية في العالم، فإنه عندما تسوء الأمور، يُمكن أن يكون لها تأثير عالمي.

لماذا ترتفع درجة حرارة مراكز البيانات إلى هذا الحد؟

مراكز البيانات هي مبانٍ مكتظة بالخوادم، أو مجموعات من الرقائق التي تعمل معاً لمعالجة البيانات وتخزينها. غالباً ما تُعرف قدرتها على المعالجة بـ”الحوسبة”، وهي عنصر أساسي لشركات الذكاء الاصطناعي التي تسعى لتدريب نماذجها.

تربح مراكز البيانات من تأجير الحوسبة لشركات أخرى ترغب في استخدامها لاستضافة بنيتها التحتية للإنترنت، أو تدريب النماذج، أو معالجة طلبات المستخدمين. هذا يعني أنها تحفّز على تجميع أكبر عدد ممكن من الخوادم في مساحة واحدة لزيادة سعتها إلى أقصى حد.

الإحباط والارتباك يخيمان على الأسواق بعد توقف بورصة شيكاغو التجارية

تحتاج جميع هذه الخوادم إلى قدر كبير من الكهرباء. نظراً لاستهلاكها الكبير للطاقة ولأنها تعمل على مدار الساعة، تستهلك مراكز البيانات طاقةً تصل إلى 50 ضعفاً لكل متر مربع مقارنةً بمبنى المكاتب التقليدي. وينتهي المطاف بمعظم الطاقة التي تستهلكها هذه الخوادم كحرارة مهدرة. تخيّل كيف يسخن حاسوبك المحمول أو هاتفك عند استخدامه لفترة طويلة أو عند تنفيذهما لمهام معقدة.

كيف تبرّد الشركات مراكز البيانات؟

كان يتم تبريد الخوادم تقليدياً باستخدام الهواء البارد، على غرار طريقة عمل مكيف الهواء في المنزل.

تضخّ المراوح هواءً بارداً عبر الخوادم، ويُزال الهواء الدافئ من غرفة الخادم. مع ذلك، بدءاً من عام 2022 تقريباً، ازدادت شعبية أنظمة التبريد القائمة على السوائل نظراً لزيادة توليد الحرارة في مراكز البيانات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي.

يمكن ضخ السائل البارد عبر صفائح موضوعة أسفل الرقاقات، أو غمر الخادم بالكامل في خزان مملوء بسائل.

هناك أيضاً أنظمة تستخدم سوائل ذات درجات غليان منخفضة تمتص الحرارة عند ملامستها للرقاقات الساخنة وتتبخر، كما يفعل العرق في امتصاص حرارة جسم الإنسان، قبل أن تتكثف مجدداً إلى سائل وتُعاد إلى الخزان.

“مايكروسوفت” تدرس استخدام سوائل لتبريد رقائق الذكاء الاصطناعي

تستطيع السوائل حمل طاقة حرارية أكبر في حجم معين من الهواء، ما يجعلها أكثر كفاءةً. لكن تركيب هذه الأنظمة معقد وأعلى تكلفة. كما أنها تُمثل مشكلة في حال حدوث أي عطل، فلا أحد يرغب في وجود سائل في جميع أنحاء رقاقاته باهظة الثمن.

سواءً كان الهواء أو السائل مستخدماً، فبمجرد امتصاصه للحرارة من الرقاقات، تنتقل الحرارة إلى حلقة تبريد مائية. وينقل هذا الماء بعد ذلك إلى برج تبريد أو مُبرّد، وهو في الأساس ثلاجة صناعية، يطلق الحرارة إلى البيئة الخارجية.

عندما تقرأ عن مراكز البيانات التي تستهلك كميات كبيرة من الماء، فذلك لأن أبراج التبريد تُبخّر بعضاً من هذا الماء للتخلص من الحرارة. هناك مخاوف من أن استهلاك مراكز البيانات للمياه يشكل ضغطاً على الإمدادات المحلية، لا سيما في المناطق التي تعاني شحّاً المياه.

ماذا يحدث عند ارتفاع درجة حرارة مراكز البيانات؟

يمكن أن يؤدي ارتفاع درجة الحرارة إلى فقدان البيانات، وتلف الرقاقات القيّمة في الخوادم، وتعطيل الزبائن عن العمل. قد تُشبه النتائج إلى حد كبير الانقطاعات الأخيرة الناجمة عن أعطال في الشركات التي تُوفّر البنية التحتية الرقمية اللازمة لتشغيل الإنترنت.

أدى انقطاع كبير في شبكة شركة الأمن السيبراني “كلاود فلير” (Cloudflare) في نوفمبر إلى عرقلة مواقع إلكترونية، بدءاً من منصة التواصل الاجتماعي “إكس” (X) ووصولًا إلى “تشات جي بي تي”. 

كما تسببت أعطال في خدمة السحابة التابعة لشركة “أمازون دوت كوم” وشركة “كرواد سترايك هولدينغز” (CrowdStrike Holdings) وشركة “مايكروسوفت”، في حدوث مشكلات مشابهة، ما يُبرز مدى اعتماد العالم على عدد قليل من الشركات للبقاء على اتصال مع الإنترنت.

مراكز البيانات مقياس التفوق في الذكاء الاصطناعي بالشرق الأوسط

عادةً ما تستثمر مراكز البيانات بكثافة في الطاقة الاحتياطية، بما في ذلك مولدات طاقة إضافية، ووحدات تبريد إضافية، وحتى إعادة إنتاج المنشأة بأكملها، لتقليل احتمالية انقطاع التيار الكهربائي. ولكن مع ازدياد تعقيد الأنظمة، قد يصعب تجنب الانقطاعات.

كيف وقعت حادثة بورصة شيكاغو؟

تقع منصة تداول بورصة “شيكاغو ميركنتايل إكستشينج” في مجمع سكني على تخوم شيكاغو مباشرةً في منطقة أورورا بولاية إلينوي، وهو تابع لشركة “سايروس وان” (CyrusOne)، التي تشغل مراكز بيانات واستحوذت عليها مجموعتا الاستثمار الخاص “كيه كيه آر آند كو” (KKR & Co) و”غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز” (Global Infrastructure Partners) في عام 2022.

أعلنت “سايروس وان” أن إحدى منشآتها في أورورا تعرضت لعطل في وحدة التبريد، ما أثّر على وحدات تبريد متعددة في 27 نوفمبر.

وأدى ذلك إلى انقطاع في التيار الكهربائي تسبب في ساعات من الاضطراب في أسواق الأسهم والعملات الأجنبية والسندات والسلع، وتأثرت عقودٌ مرتبطة بتعاملات بتريليونات الدولارات. لقد سلّط حجم الاضطراب الناجم عن عطل في نظام التبريد الضوء على حجم العبء الذي تتحمله هذه البنية التحتية.

مراكز معالجة البيانات الشرهة للمياه تزيد المخاوف من الجفاف

بعد بدء الانقطاع، أعلنت”سايروس وان” أنها نشرت معدات تبريد مؤقتة لتدعم الأنظمة الدائمة، في إطار سعيها لاستعادة كامل سعة التبريد. وقد بيّنت الشركة أنّ مقرّها يحتوي على “تقنية تبريد متقدمة”، ويستخدم مبردات تعمل بالهواء، إضافة إلى هواء خارجي بارد طبيعياً أو ماء عندما تكون درجة الحرارة أقل من -1 درجة مئوية.

بينما استمرّ مُشغّل مركز البيانات في معالجة العطل، كانت درجة حرارة الهواء في أورورا حوالي -2 درجة مئوية في الساعة 10:40 صباحاً بالتوقيت المحلي يوم 28 نوفمبر، وفقاً لموقع “ويذر أندرغراوند” (Weather Underground).

يشير موقع “سايروس وان” الإلكتروني إلى أن منشأة أورورا التابعة لها مُزوّدة بوحدات تبريد إضافية للحماية من أعطال وحدة التبريد المُبرّدة بالهواء. ولم يتضح ما إذا كان هذه الازدواجية قد ساعدت حين وقع هذا الحادث الأخير.

المصدر : الشرق بلومبرج