الخط العربي يلامس الروح في مهرجان الفنون الإسلامية

الخط العربي يلامس الروح في مهرجان الفنون الإسلامية

من الإبداعات اللافتة في مهرجان الفنون الإسلامية في النسخة الحالية تلك الاشتغالات الباهرة على فن الخط العربي من قبل عدد من الخطاطين، خاصة من أجيال المخضرمين الذين حملوا مسؤولية هذا الفن الإسلامي الخالد.
الفنان محمد مختار، من العلامات الفنية البارزة في المهرجان، حيث شارك بمفرده في ما يقارب الـ45 لوحة تنوعت ما بين الخط الكوفي والثلث والنسخ والفارسي والديواني، إضافة إلى الحروفيات، ولعل إبراز كل تلك المجموعة من الخطوط هي من أجل التأكيد على أن جمالية الخط العربي لا يدانيها إي فن آخر خاصة؛ إذ استخدمت بصورة صحيحة ودقيقة في مجال التشكيل، هذا التطور الكبير في فن الخط قاد إلى ظهور الحروفية التي تشير إلى التجديد والابتكار، حيث أصبحت هناك نسبة كبيرة من التشكيل داخل الحروفية، وهذا يؤكد أن الخط العربي قابل لأن يكون فناً متميزاً ومتطوراً وعلى تماس مباشر مع الحداثة.
*تنوع
تعبر لوحات مختار في المهرجان عن جملة من المعاني، حيث تعددت وتنوعت الأفكار الإبداعية والجمالية ما بين لوحات تحافظ على قواعد الخط وطريقته وأخرى في مجال الحروفية التي تجمع ما بين الكتابة الخطية وفن التشكيل، حيث تلتقي تلك الثنائية في قلب بعض اللوحات بصورة مميزة تكشف عن حجم المقدرة على تطويع الحرف العربي والتحليق به عالياً نحو سماوات لا تحدها حدود.
يدفع مختار بالعديد من اللوحات والأعمال الخطية والحروفية، فمن خلال حروفه الهندسية كالخط الكوفي وغيره من الأنواع التي كثيراً ما تتطابق وتتوافق مع الفكرة والمضمون الشكلي والأسلوبي والتقني لكل نوع من أنواع الخط العربي، تبرز أعمال مختار الخبرة الجمالية وانفعالاتها من خلال التطابق القيمي في الكتلة والفراغ المتمثلة في مجال التشكيل الحديث.
ويلاحظ المشاهد ذلك الحس الفني العالي عند مختار خاصة في جعل اللوحة الخطية وحدة موضوعية تنسجم فيها الفكرة مع التوجه الإبداعي والجمالي للخطاط، وتبرز ثقافته الدينية والروحية، حيث يجد الناظر نفسه في رحلة في عوالم من الجمال الخطي الذي يحرض على التأمل والتدبر، ويبدو ذلك جلياً في جملة الأعمال التي شارك فيها والتي تكشف عن حوارية راقية بين التشكيل والحروفية.
ولا عجب أن تأتي مشاركة مختار تحت عنوان «الخبرة الجمالية في حضرة فن الخط العربي»، فالأعمال هي نتاج رؤية تأملية، فالإبداع لدى الفنان هو مسألة ذاتية تنتجها دوافع معنوية وقتية في لحظات تكوينها، ما يستدعي الانتباه إلى لوحات هذا المعرض التي جمعها مختار من تكوينات تقليدية في الكتلة والفراغ وكتابات الشعر والأقوال لبعض الحكام.
وما بين الأرضيات والتلوين تتماه الأعمال في انسجام يشي بترابطها وتنسيقها الحميم، فتبدو متشابهة من بعيد، لكنها في جوهرها مختلفة إلى حدّ كبير. ذلك التباين يفتح المجال لحالة من التناغم في التصميم الخطي، بوصفه قاعدة ابتكارية للخط العربي. فالخطاط المبدع، شأنه شأن أي فنّان، لا يكتفي بما هو مألوف؛ بل يسعى دوماً إلى استكشاف الجديد والمفيد، مبتعداً عن الابتكارات الشائعة، ليشق طريقه الخاص، طريق الأصالة.
*تجليات
تتجلى جماليات الخطاط بصورة واضحة في تلك اللوحة التي حملت في نصها الآية الثانية من سورة «المائدة»، وهي: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ»، بتوظيف عدد من الحروف المتداخلة في قلب اللوحة الحروفية التي جمعت بين إبداعات الخط وجماليات التشكيل، حيث تتميز اللوحة بتلك الهالة الجمالية الناتجة من تعدد الألوان، وكذلك يفعل الفنان في لوحة حملت النص القرآني من الآية 190 من سورة «آل عمران»، وهي: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ»، واللوحة جاءت وهي ترتدي اللون البنفسج في خلفيتها بينما النص و خليط بين الأبيض ودرجات من البنفسج، وفي لوحة أخرى تتضح براعة مختار في تطويع الحروف، وهي اللوحة التي حملت نصاً قرآنياً هو الآية 28 من سورة فاطر: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»، بخلفية حمراء زاهية، وتلك إبداعات تحلق بالرائي في سموات الأنوار وفيوض المحبة.

المصدر : صحيفة الخليج

وسوم: