الإمارات.. وطن الجميع ورسالة عالمية للتسامح

الإمارات.. وطن الجميع ورسالة عالمية للتسامح

خلال عقود قليلة، تحولت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى واحدة من أكثر دول العالم جذباً للناس من مختلف الجنسيات والثقافات، حتى غدت نموذجاً متقدماً لفكرة «وطن للجميع»، يستظل بظلاله أكثر من 200 جنسية تعيش وتعمل وتتعلم وتستثمر على أرض واحدة.

هذا التحول لم يكن محض صدفة، بل نتيجة رؤية إنسانية عميقة أرسى دعائمها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حين جعل احترام الإنسان، أياً كان ديانته أو عرقه، حجر الزاوية في بناء الدولة، وتواصل القيادة الرشيدة اليوم ترجمة هذه الرؤية إلى سياسات عملية ومؤسسية وبرامج وطنية تعزز قيم التسامح والتعايش.

وتظهر المؤشرات السكانية أن الإمارات تعد من أكثر دول العالم تنوعاً، إذ يعيش فيها اليوم مقيمون من مختلف قارات العالم يشكلون نسبة كبيرة من إجمالي السكان، ما يجعل هذا التنوع السكاني والثقافي جزءاً أصيلاً من المشهد اليومي في مدن الدولة وأسواقها ومؤسساتها التعليمية والصحية والاقتصادية.

ورغم هذا التنوع الكبير، تنجح الإمارات في الحفاظ على حالة من الانسجام المجتمعي والاستقرار، بفضل منظومة قيم وتشريعات وبنية مؤسسية متكاملة تعلي من شأن التسامح والاحترام المتبادلين.

فمنذ البدايات الأولى للاتحاد، أدرك المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أن الانفتاح على العالم واستقبال الكفاءات والعقول من مختلف الدول قوة تضيف إلى مشروع التنمية، فانعكس ذلك على السياسات العامة للدولة، وعلى صورة المجتمع الإماراتي كبيئة حاضنة للجميع.

سلوك اجتماعي

ومع تطور التجربة الاتحادية، انتقلت الإمارات من مرحلة التسامح كسلوك اجتماعي فطري، إلى التسامح كخيار سياسي وطني، تجسده تشريعات واضحة تجرم خطاب الكراهية والتمييز على أساس الدين أو العرق أو اللون أو المذهب، وتكفل في الوقت نفسه حرية ممارسة الشعائر الدينية في إطار من الاحترام للنظام العام والقيم المجتمعية.

وعملت الدولة على تطوير استراتيجيات لتعزيز الهوية الوطنية الإماراتية، بما في ذلك إطلاق استراتيجيات للهوية والقيم، لضمان أن يبقى هذا الانفتاح منسجماً مع الحفاظ على خصوصية الثقافة الإماراتية الأصيلة.

وقد رسخت الإمارات موقعها العالمي في هذا المجال عبر خطوات نوعية، من بينها استحداث منصب وزير للتسامح، ثم وزير للتسامح والتعايش، في سابقة تعكس مركزية هذه القيمة في منظومة العمل الحكومي، كما تبنت الدولة قوانين وتشريعات لمكافحة التمييز والكراهية، وأطلقت مبادرات مجتمعية واسعة تستهدف تكريس ثقافة قبول الآخر واحترام الاختلاف بين الأجيال الجديدة في المدارس والجامعات ومؤسسات العمل.

محطة مفصلية

وجاء عام 2019 ليشكل محطة مفصلية في هذه المسيرة، بعد أن تم إعلانه «عام التسامح»، حيث أطلقت خلاله سلسلة من البرامج والمبادرات والفعاليات التي استهدفت تعميق قيم التسامح والتعايش بين مكونات المجتمع، وترسيخ مكانة الإمارات عاصمة عالمية للتسامح.

وفي هذا السياق، برز مشروع «بيت العائلة الإبراهيمية» في أبوظبي، الذي يضم مسجداً وكنيسة وكنيساً في مجمع واحد، كرمز حي للتقارب بين الأديان الإبراهيمية، ورسالة مفتوحة من الإمارات إلى العالم بأن الحوار المشترك هو الطريق الأنجع للسلام والاستقرار.

وفي العام نفسه، استضافت أبوظبي لقاء تاريخياً جمع قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، انتهى إلى توقيع «وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك»، التي باتت مرجعاً دولياً في مكافحة التعصب والتطرف وترسيخ قيم الأخوة الإنسانية.

وأسهمت هذه الوثيقة في إطلاق جائزة زايد للأخوة الإنسانية، إلى جانب اعتماد يوم 4 فبراير من كل عام يوماً دولياً للأخوة الإنسانية بقرار من الأمم المتحدة، ما عزز دور الإمارات كلاعب فاعل في صياغة خطاب عالمي جديد يقوم على التفاهم والتضامن بين الشعوب.

جسور تواصل

ولا تتوقف مظاهر التسامح عند المستوى الرسمي والسياسي، بل تنعكس أيضاً في تفاصيل الحياة اليومية للمجتمع، إذ تنظم الجهات الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني على مدار العام فعاليات ثقافية وتراثية وفنية تحتفي بثقافات الجاليات المختلفة، وتتيح لها تقديم تراثها ولغاتها وفنونها للجمهور، ما يعزز جسور التواصل بين المقيمين، ويحوّل التنوّع إلى مصدر ثراء إنساني ومعرفي.

كما تشجع الدولة مشاركة المقيمين في المبادرات الوطنية والبرامج التطوعية وحملات المسؤولية المجتمعية، بما يسهم في تعميق شعورهم بالانتماء والمسؤولية المشتركة تجاه المجتمع الذي يعيشون فيه.

وفي الوقت نفسه، تعمل الإمارات على تحقيق توازن دقيق بين الانفتاح على العالم وحماية الهوية الوطنية، من خلال مناهج تعليمية تركز على قيم التسامح والاعتدال إلى جانب ترسيخ اللغة العربية والاعتزاز بالتراث الإماراتي.

ومن خلال مشاريع ومبادرات ثقافية ووطنية تعزز ارتباط الأجيال الجديدة بتاريخ الوطن ورموزه وقيمه. هذا التوازن هو ما يجعل من التجربة الإماراتية نموذجاً فريداً في إدارة التنوع الثقافي والسكاني من دون أن يتعرض نسيج الهوية الوطنية للتآكل أو التراجع.

وجهة مفضلة

وبفضل بيئتها التشريعية والاقتصادية المتقدمة، وسمعتها كدولة آمنة ومستقرة ومنفتحة، أصبحت الإمارات وجهة مفضلة للمواهب العالمية، ورواد الأعمال، والطلبة، والباحثين عن فرص حياة كريمة في منطقة تموج بالتحديات.

وهكذا تتكرس صورة الدولة، محلياً وإقليمياً ودولياً، بوصفها «وطناً للجميع»، ومختبراً حياً لفكرة التسامح والتعايش، حيث يمكن لتعدد الأديان والأعراق والثقافات أن يتحول من عامل توتر في كثير من مناطق العالم، إلى مصدر قوة وإبداع ونهضة في الإمارات.

وبين البدايات الأولى لعهد زايد، والمرحلة الراهنة التي تقود فيها الإمارات مبادرات عالمية في مجال التسامح والأخوة الإنسانية، يظل القاسم المشترك ثابتاً وهو دولة آمنت مبكراً بأن التنمية لا تكتمل إلا ببيئة تحفظ كرامة الإنسان، أياً كان أصله أو معتقده، وتمنحه فرصة عادلة للحلم والنجاح تحت سماء واحدة.

المصدر : البيان