ماذا سيحدث لو سمحت الصين بارتفاع أكبر في اليوان؟

ماذا سيحدث لو سمحت الصين بارتفاع أكبر في اليوان؟

حان الوقت لأن تسمح السلطات الصينية بارتفاع أكبر في قيمة اليوان، في خطوة من شأنها أن تمنح المستهلكين قوة شرائية أكبر وتخفف من حدة التوترات التجارية، بحسب خبير اقتصادي في أحد أكبر البنوك الاستثمارية في الصين.

قال مياو يانليانغ، كبير الاستراتيجيين في شركة “تشاينا إنترناشونال كابيتال كورب” (China International Capital Corp)، في مقابلة مكتوبة: “قد يكون الوقت الحالي بالفعل فرصة سانحة للسماح بارتفاع قيمة اليوان”.

أوضح مياو، الذي شغل سابقاً منصب كبير الاقتصاديين في هيئة تنظيم سوق الصرف الأجنبي في الصين، أن التوقيت مناسب بشكل خاص الآن لأن الدولار الأميركي قد يدخل فترة من الضعف الطويل الأمد، في حين تزداد القدرة التنافسية لقطاع التصنيع الصيني.

تضيف هذه التصريحات صوتاً بارزاً إلى مجموعة من الاقتصاديين الدوليين الذين يدعون إلى مزيد من ارتفاع اليوان، في وقت يتجه فيه لتحقيق أفضل أداء سنوي له منذ خمس سنوات مقابل الدولار. كما أن قبول سعر صرف أقوى سيُعد بادرة تجاه الولايات المتحدة ودول أخرى، ما يساعد الصين على تجنّب خطر رد فعل عالمي ضد تدفق صادراتها الرخيصة.

رغم أن دونالد ترمب طالما اتهم دولاً، من بينها الصين، بالحفاظ على أسعار صرف منخفضة القيمة ساعدتها على تحقيق فوائض تجارية مع الولايات المتحدة، فإن نهج بكين في إدارة عملتها لم يحتل موقعاً بارزاً في المحادثات التجارية بين القوتين المتنافستين حتى الآن.

أشار مياو إلى أن تجارب الدول في أنحاء آسيا، فضلاً عن تجربة الصين نفسها، تُظهر أن العملة الأقوى يمكن أن تؤدي إلى نمو أكثر توازناً بين الطلبين المحلي والخارجي.

طالع أيضاً: اليوان يتجه لأفضل أداء سنوي منذ 2020 متحدياً الضغوط التجارية

تعزيز القوة الشرائية للصينيين

قال: “إن ارتفاعاً معتدلاً في قيمة الرنمينبي سيساعد على خفض أسعار السلع المستوردة والطاقة والخدمات، ما يزيد فعلياً من القوة الشرائية للمستهلكين الصينيين”، مضيفاً أن ذلك “لن يحفز الواردات فحسب، بل سيعزز أيضاً استهلاك المنتجات المحلية”.

تحافظ الصين على نظام “تعويم موجّه” لعملتها، وتمتلك مجموعة من الأدوات للتأثير في سعر الصرف. وقد أكد المسؤولون مراراً أنهم يهدفون إلى إبقاء العملة “مستقرة أساساً”، مع السماح لليوان بالارتفاع قليلاً هذا العام، واستخدام سعر التثبيت اليومي أحياناً لمنع التحركات السريعة.

يرى العديد من الاقتصاديين والمستثمرين الغربيين أن العملة الصينية منخفضة القيمة بشكل كبير نتيجة لذلك، معتبرين أن هذا يمنح المصدّرين ميزة تنافسية إضافية عبر تعزيز جاذبية المنتجات الصينية الرخيصة على حساب منتجات الدول الأخرى، مما يؤدي إلى اختلالات هائلة في التجارة العالمية.

مع تضخم الفائض التجاري للسلع في الصين إلى نحو تريليون دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2025، ارتفع اليوان بنحو 3% فقط مقابل الدولار منذ بداية العام. في المقابل، تعافت عملات رئيسية أخرى أمام العملة الأميركية، ما أدى إلى تراجع قيمة اليوان أمام سلة شركاء الصين التجاريين.

بأخذ الانكماش المحلي في الأسعار وارتفاع التضخم في الخارج بعين الاعتبار، وصل سعر الصرف الحقيقي الفعّال، وهو مقياس لمدى تنافسية السلع الصينية، إلى أضعف مستوياته منذ عام 2012.

اقرأ أيضاً: تراجع جاذبية الدولار في الصين يمهد الطريق لصعود اليوان

رفع اليوان يعزز السوق المحلية

بحسب مياو، فإن ارتفاع قيمة اليوان سيؤدي إلى خفض أرباح الصناعات المعتمدة على التصدير ذات القيمة المضافة المنخفضة، مما سيدفع رأس المال والعمالة نحو القطاعات الموجهة للسوق المحلية. كما أن ذلك سيُسهم في تقليص الفائض التجاري وخفض مخاطر النزاعات في التجارة العالمية.

استشهد مياو بتجارب اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، حيث توسع قطاع الخدمات والاستهلاك المحلي بعد تنفيذ إصلاحات في أسعار الصرف أو بعد ارتفاع كبير في قيمة العملة خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.

أما بالنسبة للصين، فأشار إلى أن اليوان ارتفع بنحو 30% مقابل الدولار خلال العقد الذي أعقب عام 2005، عندما تم التخلي عن ربط العملة الصينية بالدولار الأميركي. وساهم ذلك في خفض الفائض في الحساب الجاري من نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2007 إلى أقل من 1% في عام 2018. ونتيجة لذلك، ارتفعت حصة الاستهلاك الأسري من الناتج المحلي الإجمالي من مستوى متدنٍ بلغ 35% في عام 2010 إلى ما يقارب 40% قبل جائحة كوفيد-19.

حذر مياو من أن أي إصلاحات أو تعديلات في سعر الصرف ينبغي أن تتم تدريجياً وبحذر. وأوضح أن الارتفاع السريع في قيمة الين الياباني عقب “اتفاق بلازا” عام 1985، إلى جانب السياسات النقدية والائتمانية المفرطة في التساهل، أدّيا في النهاية إلى فقاعات في الأصول وتقلبات حادة في الأسواق والاقتصاد.

بناءً على مراجعة لتجارب أكثر من 60 دولة منذ سبعينات القرن الماضي، يرى مياو أن الدولار الأميركي يلعب دوراً محورياً في تحديد نجاح إصلاحات أسعار الصرف. وأكد أن الإصلاحات التي تُنفّذ خلال فترة ضعف الدولار تكون في الغالب ناجحة. كما أشار إلى أن الاتجاه نحو تقليص الاعتماد على الدولار واستئناف مجلس الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة قد يدفعان العملة الأميركية إلى مزيد من التراجع على المدى الطويل.

أضاف مياو أن تعديلات سعر الصرف يجب أن ترافقها سياسات أخرى لتحقيق إعادة توازن اقتصادي، مؤكداً الحاجة إلى إصلاحات في السياسات النقدية والمالية ونظم الضمان الاجتماعي والضرائب.

قال: “إذا غابت السياسات والإصلاحات المؤسسية الأخرى، فإن الاعتماد على ارتفاع سعر الصرف وحده قد لا يؤدي بالضرورة إلى تنمية اقتصادية متوازنة وصحية”.

المصدر : الشرق بلومبرج