بعد خفض أسعار الفائدة أكثر من نقطة مئوية، يواجه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تحديًا كبيرًا في تحديد سعر الفائدة المحايد، وهو المستوى الذي لا يحفز الاقتصاد ولا يضغط عليه. هذا التباين أدى إلى انقسام غير مسبوق بين أعضاء لجنة السياسة النقدية، إذ اختلفت تقديراتهم للمستوى المحايد بشكل كبير مقارنة بالسنوات السابقة.
تباين كبير في التوقعات
آخر نشر لتوقعات الأعضاء أظهر 11 رأيًا مختلفًا بين 19 مسؤولًا، تراوحت بين 2.6% و3.9%، بينما يبلغ السعر الحالي حوالي 3.9%. هذا الانقسام يوضح الصعوبة في التوفيق بين استقرار الأسعار وتحقيق أقصى قدر من التوظيف.
وأشار جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، إلى وجود “تباين كبير في الآراء”، مؤكداً أن كل خفض إضافي للفائدة يقرب البنك من مستوى قد يتحول فيه من كبح النشاط إلى تحفيزه.
جدل حول مفهوم السعر المحايد
يُعرف سعر الفائدة المحايد أيضًا بـ “r-star”، ويُستنتج من البيانات الاقتصادية وليس له قياس مباشر. بعض الاقتصاديين يرونه أداة أساسية لتوجيه السياسة النقدية، بينما يشير آخرون إلى صعوبة تحديده في ظل تغيرات الاقتصاد العالمي مثل شيخوخة السكان وارتفاع الإنتاجية.
انقسام حول مسار الفائدة المستقبلية
تباينت الآراء حول الاتجاه المستقبلي للفائدة:
يرى نيل كاشكاري أن توسع الذكاء الاصطناعي سيرفع الإنتاجية ويزيد السعر المحايد نتيجة ارتفاع الطلب على رأس المال.
بينما دعا ستيفن ميران إلى خفض كبير للفائدة، مستندًا إلى السياسات التجارية والضريبية، مؤكدًا أن هذه العوامل خفضت السعر المحايد مؤقتًا.
وأعرب جون وليامز عن تحفظه تجاه التغيرات قصيرة الأجل، مشيرًا إلى أن الاتجاهات طويلة الأمد تظل محددًا أساسيًا للسعر المحايد.
التحديات المقبلة
قبل الجائحة، كان هناك اتفاق شبه كامل على مستوى السعر المحايد، لكن ارتفاع التضخم، وضبابية التجارة والهجرة، وتأثير الذكاء الاصطناعي، جعلت التقديرات الحالية أكثر تعقيدًا. ويستعد الاحتياطي الفيدرالي لتغيير إدارته في 2026، ما قد يعيد توجيه السياسات نحو خفض الفائدة.
السياسة النقدية والاقتصاد الفعلي
رغم صعوبة قياس السعر المحايد، يشير بعض مسؤولي الفيدرالي إلى أن بيانات سوق العمل والأسعار الفعلية ستكون حاسمة لاتخاذ القرار.
وأوضح باتريك هاركر أن السعر المحايد أداة تحليلية مهمة لكنها لا تحدد السياسة النقدية وحدها، مؤكداً أهمية متابعة مؤشرات التعثر والائتمان وسندات الخزانة لتقدير مدى تأثير السياسة على الاقتصاد.
يعيش الاحتياطي الفيدرالي مرحلة حرجة، حيث يشهد تباينًا غير مسبوق بين أعضاء اللجنة حول سعر الفائدة المحايد، ما يزيد صعوبة التنبؤ بمستقبل السياسة النقدية الأميركية. البيانات الاقتصادية الحقيقية ستبقى العامل الأهم لتحديد المسار، وسط تحديات تضخم، إنتاجية متزايدة، وتأثيرات التكنولوجيا الحديثة على الاقتصاد.
المصدر : تحيا مصر
