زخم اقتصادي في الإمارات والسعودية ومصر رغم ضغوط الأجور

زخم اقتصادي في الإمارات والسعودية ومصر رغم ضغوط الأجور

حققت أكبر ثلاثة اقتصادات عربية زخماً متزامناً نادراً في أداء قطاعها الخاص غير النفطي خلال الشهر الماضي، وسط تسارع نمو الأعمال، ونمو الإنتاج والمشاريع الجديدة وارتفاع الطلب والمبيعات وتسارع وتيرة التوظيف، لكن النظرة للعام الجديد تشير إلى ضغوط متفاوتة.

وتجاوز مؤشرات مديري المشتريات لكل من الإمارات والسعودية ومصر، حاجز 50 نقطة، ما يشير إلى توسع فعلي في أنشطة القطاع الخاص غير النفطي. النمو جاء مدفوعاً بارتفاع الطلب والمبيعات.

في الإمارات، ارتفع مؤشر مديري المشتريات إلى 54.8 نقطة، مسجلاً أعلى مستوى في تسعة أشهر، بدعم من تحسن قوي في ظروف السوق وتسارع نمو الأعمال الجديدة، مع نمو الإنتاج والطلبات الجديدة أكبر زيادة في 5 سنوات. كما سجل التوظيف أسرع وتيرة نمو منذ 18 شهراً، في انعكاس مباشر لارتفاع الطلبات وتراكم الأعمال. 

أما في السعودية، فرغم تراجع المؤشر من ذروة تاريخية في أكتوبر، فإنه استقر عند 58.5 نقطة في نوفمبر، محافظاً على أحد أقوى معدلات التوسع في المنطقة. ويعكس هذا المستوى استمرار قوة الطلب المحلي، وتدفقات المشاريع الجارية، وتوسع الإنتاج، في وقت بدأت فيه ضغوط تكاليف الشراء تتراجع تدريجياً، رغم استمرار الضغط من جانب الأجور. 

وفي مصر، جاء التحول الأبرز، إذ صعد مؤشر مديري المشتريات إلى 51.1 نقطة، محققاً أول قراءة توسعية منذ فبراير، وأعلى مستوى منذ أكتوبر 2020، وسط تسجيل أكبر زيادة في الإنتاج والأعمال الجديدة خلال خمس سنوات. ويعكس هذا التحسن عودة الطلب المؤجل، مستفيداً من تحسن سعر الصرف وتراجع الضغوط على تكاليف الاستيراد، ما ساعد الشركات على توسيع نشاطها لأول مرة منذ بداية العام.

الطلب قاسم مشترك.. لكن المحركات تختلف

تشترك الاقتصادات الثلاثة في أن الأعمال الجديدة كانت المحرك الرئيسي للنمو في نوفمبر، إلا أن مصادر هذا الطلب تختلف هيكلياً. في الإمارات والسعودية، يقود النمو الإنفاق الاستثماري والمشاريع الكبرى والبنية التحتية. وفي مصر، يأتي الزخم من عودة الطلب الاستهلاكي والتجاري المؤجل بعد أشهر من الضغوط المالية والنقدية.

ورغم تحسن النشاط، أصبحت الأجور القاسم المشترك الضاغط على الشركات في الدول الثلاث. ففي الإمارات تسارعت تكاليف الأجور بفعل نقص المهارات، وفي السعودية وُصفت الضغوط الأجرية بأنها “غير مسبوقة”، بينما لا تزال الأجور في مصر تمثل عبئاً رغم تباطؤ التضخم.

اقرأ أيضاً: القطاع الخاص المصري يعود للنمو بعد 8 أشهر من الانكماش

ضغوط مستقبلية.. الأسعار والأجور بالإمارات والسعودية 

رغم التزامن في الدخول إلى منطقة التوسع، فإن تصريحات الخبراء تكشف أن الاقتصادات الثلاثة تتحرك على ثلاثة مسارات مستقبلية مختلفة، فالإمارات تدخل مسار توسع مدفوع بالطلب والتكنولوجيا، لكنه مهدد بارتفاع هيكلي في الأجور، أما السعودية فتدخل مسار توسع أيضاً تقوده المشاريع والاستثمار، مع تحسن تدريجي في كلفة المدخلات، مقابل ضغط مستمر من سوق العمل.

أما مصر فهي على مسار تعاف يعتمد على استمرار تحسن العملة وتراجع الضغوط الاستيرادية وقدرة الطلب المحلي على الصمود.

ويقول ديفيد أوين، كبير الاقتصاديين في “إس آند بي غلوبال”، إن أداء القطاع الخاص الإماراتي يعكس “أقوى تحسن في ظروف الأعمال التجارية خلال تسعة أشهر، مدفوعاً بمبيعات قوية شجعت الشركات على التوسع في الإنتاج والعمالة”.

إلا أن أوين يحذر في الوقت نفسه من أن هذا التوسع “جاء مصحوباً بارتفاع حاد في تكاليف الأجور، نتيجة ضغوط المعيشة ونقص المهارات، وهو ما قد يرفع الضغوط التضخمية خلال الأشهر المقبلة”.

وفي السعودية يرى نايف الغيث، كبير الاقتصاديين في بنك الرياض، أن القطاع الخاص “لا يزال في نطاق التوسع رغم تراجع الزخم مقارنة بذروة أكتوبر، مدعوماً باستمرار المشاريع الجارية وقوة الطلب المحلي”.

ويضيف أن التوظيف لا يزال عند مستويات قوية، والمخزون يدار بكفاءة أعلى، بينما بدأت ضغوط أسعار مستلزمات الإنتاج تتراجع، فيما أشار التقرير إلى أن الضغوط المتعلقة بالأجور حادة على نحو غير مسبوق. 

ومع ذلك، كانت توقعات الشركات في المملكة بشأن النشاط المستقبلي هي الأعلى خلال 5 أشهر. وعزت ذلك إلى ثقتها بوجود قنوات طلب قوية وتفاؤل بشأن الاستثمارات التجارية. 

مصر: الطريق ممهد لنمو يفوق 5% بالربع الأخير

أما بالنسبة لمصر، يقول ديفيد أوين إن ما حدث في نوفمبر “يمثل نهاية قوية تاريخياً لعام 2025، ويشير إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي قد يتجاوز 5% على أساس سنوي في الربع الرابع”.

ويربط أوين هذا التحسن بعدة عوامل، في مقدمتها تحسن ظروف الطلب، وتراجع الضغوط على تكاليف الأعمال، واستفادة الشركات من استقرار نسبي في سعر الصرف.

وكانت قوة الجنيه الاسترليني أمام الدولار عاملاً ساهم في خفض بعض تكاليف الاستيراد بالنسبة للشركات، لكنها واجهت في المقابل زيادة في الأجور، وفق التقرير.

ويلفت أوين إلى أن هناك عوامل تبعث على استدامة التحسن، منها ارتفاع الطلبات الجديدة بأسرع معدل في 5 سنوات واتساع نطاقه، وهو ما قد يشجع الشركات على زيادة أعداد موظفيها ونشاطها الشرائي.

ومع ذلك، تراجعت توقعات الشركات بشأن النشاط المستقبلي وإن ظل إيجابياً، وهو ما يشير إلى درجة محدودة فقط من الثقة العامة، وفق التقرير. وأشارت بعض الشركات إلى أن تحسن مؤشرات الطلب يُعدّ سبباً يدعو للتفاؤل.

المصدر : الشرق بلومبرج